أخبار وتقارير

أزمة حادة بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الأميركية بالقاهرة وقيادتها

القاهرة – تشهد الجامعة الأميركية في القاهرة سجالات حادة بعد سحب مجلس أعضاء هيئة التدريس الثقة من رئيسها الحالي، فرانسيس ريشياردوني، في الوقت الذي دعمه مجلس الأمناء وذلك بالتزامن مع احتفالات الجامعة بالذكرى المئوية لتأسيسها.

يأتي السجال على خلفية استضافة الجامعة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 10 كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث وضع ريتشاردوني، سفير الولايات المتحدة السابق إلى مصر، إحدى قاعات الجامعة تحت تصرف السفارة الأميركية لعقد المؤتمر الصحفي الخاص بزيارة بومبيو إلى مصر، والذي انتقد خلاله سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما . مما دفع غالبية أعضاء هيئة التدريس لانتقاد رئيس الجامعة لاتخاذه القرار بشكل فردي دون اتباع الإجراءات الإدارية المعتادة عند استقبال الشخصيات العامة، وعلى رأسها التشاور مع ممثلي الفئات المختلفة بالجامعة.

وفي 5 شباط/ فبراير، صوت أعضاء المجلس، الذي يضم أعضاء يمثلون هيئة التدريس والعاملين بالجامعة والطلبة والإدارة، بأغلبية 80 في المئة على سحب الثقة من ريتشاردوني، الذي يُفترض انتهاء عقده العام المقبل وكان يأمل في تجديده. وأعرب المصوتون في خطاب لرئيس مجلس شورى الجامعة عن قلقهم إزاء الأوضاع الحالية في الجامعة، وأنها قد تكون “الأسوأ على الإطلاق”، مرجعين السبب إلى سوء الإدارة، وغياب الشفافية، والاستئثار باتخاذات القرارات، وتهميش دور الأساتذة والعاملين، مما تسبب في تراجع الروح المعنوية لمجتمع الجامعة.

مع ذلك، جدد مجلس الأمناء جدد الأسبوع الحالي وبالإجماع دعمه للرئيس مثنياً على  قيادته وقراراته واصفاً إياها في بيان أنها “أساسية لنجاح الجامعة في الحاضر والمستقبل.”

قالت باسكال غزالة، رئيسة قسم التاريخ في الجامعة، أن المشكلة تعود لأسلوب تعامل  ريتشاردوني مع الجامعة “كشركة يُخضع كُل شيء فيها لأمر الربح والخسارة، واعتبار الأكاديميين مجرد موظفين وليس شركاء عمل.” مشيرة إلى  وجود تناقضات في التعاقدات الجديدة مع أعضاء هيئة التدريس، واعتماد سياسة العقود المؤقتة برواتب منخفضة منذ عام 2016 بحيث لا يسري عليها الشروط الواردة في لائحة الجامعة، إضافة إلى تمييزغير قانوني فيما بينهم على أساس الجنسية، وربط معيار الأفضلية في تقييم أكاديمي عن غيره بالتمويل الذي ينجح في توفيره للجامعة، وعدم إطلاع مجلس الأمناء، المسؤول عن الجامعة، بشكل كافٍ أو عدم إطلاعهم على الإطلاق على مشكلات الجامعة خلال العامين الماضيين، واتخاذ القرارات بشكل فردي وعلى رأسها استضافة  بومبيو، في العاشر من كانون الثاني/ يناير الماضي، بإحدى قاعات الجامعة، بدون معرفة هيئة التدريس أو حتى دعوتهم لحضور الخطاب.

قالت “هل يُعقل أن توجه دعوة بإسم مجتمع الجامعة؛ دون معرفتهم، ويعقد حدث كهذا داخل الجامعة دون علمنا أو دعوتنا. هذا الأمر هو استمرار لاستعلائيته في التعامل معنا.”

بدوره، أيد اتحاد طلاب الجامعة قرار مجلس شورى الجامعة عبر نشر بيان على صفحته على الفيسبوك قائلًا إن “الإدارة الحالية أثبتت عدم قدرتها على تلبية احتياجات الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وبناءً عليه فإن عليها تغيير ممارساتها أو أن تتغيّر هي نفسها.”

يعتقد أحمد عادل، طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن الأزمة أكبر من استضافة لوزير الخارجية الأميركي في إحدى القاعات. قال “نحن نتحدث عن رئيس جامعة تجاهلنا عند رفع المصاريف بشكل كبير، مارس قيوداً على حرية التعبير في أكثر من واقعة أبرزها منع استضافة باسم يوسف عبر السكايب، وعدد من النُشطاء السياسيين.” (اقرأ القصة ذات الصلة: القضاء يلزم الجامعة الأميركية بالقاهرة بالتعامل بالجنيه المصري).

لكن، وبالرغم من الانتقادات المتنوعة التي طالت أسلوب عمل رئيس الجامعة، أعلن مجلس أمناء الجامعة في بيان مطلع الأسبوع الحالي، عن تجديد الثقة والدعم لرئيس الجامعة وإدارته، مثنياً على “قيادة الرئيس ريتشاردوني وقراراته” وواصفاً إياها “بالجوهرية للنجاح الحالي والمستقبلي للجامعة.”

وأشار البيان إلى حصول الجامعة على تجديد لاعتمادها من قبل لجنة الولايات الوسطى للتعليم العالي في الولايات المتحدة، والذي يأخذ في الاعتبار سبعة معايير من بينها “معيار الفهم الواضح لكيفية إدارة الجامعة” بما “يعكس روحًا من التعاون ويخلق توقعًا لدى مجلس الأمناء بقيام إدارة الجامعة بالاستعانة بالنصح من مجلس شورى الجامعة ومن أعضاء هيئة التدريس ككل لتوضيح أي غموض يشوب أسلوب الإدارة،” بحسب البيان.

يشرف مجلس الأمناء على رؤية الجامعة وميزانيتها وخطط وسياسات الحرم الجامعي، ويُعين رئيسها، كما يشرف على الوقف المالي الخاص بالجامعة، ويعمل دون مقابل مادي.

بدورها، أوضحت رحاب سعد، مديرة المكتب الإعلامي في الجامعة، في اتصال هاتفي أن مايفعله ريتشاردوني لايختلف عما قام به رؤساء سابقون للجامعة، وأن مهمة الأساتذة في توفير التمويل اللازم لمشاريعهم أمر مهم ومؤثر في مستوى التعليم؛ خصوصاً أن الجامعة لاتهدف للربح. قالت “قرار مجلس الجامعة غير إلزامي، وعلى الرغم من تجديد مجلس الأوصياء ثقتهم بالرئيس، فإنه سيتم عقد لقاءات مع الأساتذة للوصول إلى حلول حول النقاط التي أثاروها.”

ودافعت سعد عن زيارة بوميبو للجامعة من منظور الحرية الأكاديمية، إذ قالت “استضافت الجامعة سابقاً رموزاً سياسية مثيرة للجدل مثل كونداليزا رايس، وهيلاري كلينتون، وسيف الإسلام القذافي، وهي تفتح بابها أمام الجميع دون قيود على أحد. كان للزيارة الأخيرة إجراءات أمنية خاصة، لذلك لم يتم الإعلان عنها بشكل مسبق.”

لكن السجال لم ينته. إذ يعتقد بعض الأكاديميين أن عدم استجابة مجلس أمناء الجامعة لتوصية مجلس الشورى يزيد من تعقيد الأمور ويهدد مناخ الحرية الأكاديمية في الجامعة.

قال  حافظ المرازي، الأستاذ المُمارس بقسم الإعلام والصحافة بكلية الشئون الدولية والسياسات العامة، “القرار غير حكيم ويضر بمصلحة الجامعة واستقرارها، ويكشف تراجعاً في ليبرالية التعليم من حيث تناقض قيم المساءلة والمشاركة وحق الأغلبية ا في اختيار من يحكمها،” مشيراً إلى احتمالية تصعيد الأساتذة لموقفهم عبر التصويت بعدم الثقة في مجلس الأمناء نفسه، مما قد يفتح الباب مستقبلاً لإصلاح شامل في آلية اختيار أعضاء المجلس وتمثيل الأساتذة والطلاب فيه.

صوت المرازي، الذي يعمل في الجامعة  الأميركية منذ عام 2009، مع الغالبية من زملائه بسحب الثقة من رئيس الجامعة فرانسيس ريتشاردوني، لأسباب لها علاقة بطريقته التي يراها البعض تتسم “بعدم الإحترام” مع الأكاديميين، والتدخل في سير الحياة الأكاديمية، رغم أنه غير مسموح لمنصبه الإداري التجديد او عدمه للأساتذة.

قال “تحاول إدارة الجامعة التوسع في العقود المؤقتة عوضاً عن التثبيت الدائم لأفضل الأساتذة،  بهدف التحكم في مواقف الأكاديميين وترهيبهم بصورة غير مباشرة بعدم تجديد عقودهم.”

بدوره يعتقد طاهر المعتز بالله، رئيس اتحاد الطلبة السابق ومؤلف كتاب “الحركة الطلابية في الجامعة الأميركية”، أن الخلفية الدبلوماسية لرئيس الجامعة الحالي تؤثر سلباً على عمله. قال “الرئيس الحالي ذو خلفية دبلوماسية، حيث ترتكز سياسته داخل الجامعة على أبعاد أمنية وسياسية فقط . في حين أن الرؤساء السابقين كانوا ذوي خلفية أكاديمية وبالتالي كانوا أكثر فهماً واحتراماً للحرية الأكاديمية.”

أما عادل، الطالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فيعتقد أن ما يجري اليوم في الجامعة يشكل تهديداً للحرية التي طالما سادت أجواء الجامعة.

قال “الحرية أمر لا ينفصل عن التعليم الجيد، لطالما منحتنا الجامعة حرية أوسع كان لها أثر إيجابي في تشكيل شخصيتنا بشكل مختلف. اليوم تُتنزع هذه الحرية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى