أخبار وتقارير

سوريا: العقوبات تزيد من مشكلات التعليم العالي

فرض المجتمع الدولي عقوبات دولية صارمة على سوريا بهدف إضعاف سلطة الرئيس بشار الأسد، الذي ثار شعبه ضد حكمه الاستبدادي في عام 2011 والذي هاجم مواطنيه، بالأسلحة الكيماوية في بعض الأحيان، واعتقل الناس بشكل تعسفي، وتورط في تكتيكات متوحشة ضد أولئك الذين يعيشون في مناطق المعارضة.

لكن، حتى أشد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتضمن استثناءات تهدف إلى السماح بتقديم المساعدات الإنسانية والدعم للتعليم. مع ذلك، تضافرت العقوبات والحرب، من الناحية العملية، لوقف كل المساعدات تقريباً إلى نظام التعليم العالي في البلاد والذي يشهد تراجعاً.

ومع اقتراب نهاية الصراع على ما يبدو بتوسع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، يبحث بعض قادة التعليم الآن عن طرق لمساعدة أساتذة وطلاب الجامعات في سوريا، على الرغم من بقائهم حذرين بشأن الانخراط مع الجامعات الحكومية بشكل مباشر.

تعتبر العقوبات الأميركية أكثر قسوة من العقوبات الأوروبية، لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، يعبرون في اللقاءات السرية والاجتماعات الخاصة أيضًا عن تردد كبير في الانخراط في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق.

عقوبات أميركية صارمة

ما أن بدأت الحكومة السورية في قمع التظاهرات المؤيدة للديمقراطية في مطلع عام 2011، حتى شدّدت الولايات المتحدة من العقوبات التي كانت قد فرضتها بالفعل منذ ثمانينيات القرن الماضي. يعتبر برنامج العقوبات، الذي يشرف عليه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) ويتم تجديده منذ ذلك الحين، واحدًا من أكثر العقوبات شمولية والتي فرضتها الولايات المتحدة ضد أي دولة. (في الإمكان القاء نظرة عامة على العقوبات الأميركية في ملف PDF، وقد نشرت وزارة الخزانة أسئلة متكررة حول العقوبات).

وبحسب وزارة الخزانة، تهدف العقوبات إلى “تعزيز دعوة الرئيس لتنحي بشار الأسد وتعطيل قدرة نظام الأسد على تمويل حملة العنف ضد الشعب السوري.”

تحظر العقوبات تصدير العديد من السلع وجميع الخدمات إلى سوريا وإقامة أي استثمارات جديدة في البلاد. كما يُحظر على الأميركيين الدخول في معاملات تجارية ومالية مع المصرف التجاري السوري، وهو البنك الرئيسي المملوك للدولة في سوريا.

كما تجمد العقوبات ممتلكات الحكومة السورية والمئات من الشركات والأفراد، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد وكبار المسؤولين في الحكومة السورية، بالإضافة إلى رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام، حيث تم تضمين أسماء هؤلاء الأفراد في قائمة خاصة بالأشخاص والمواطنين المحظورين من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، وبذلك يُحظر على الأميركيين والمشاريع التي تدعمها المنظمات الأميركية القيام بأي عمل تجاري معهم. إذ تم إخطار المنظمات غير الحكومية العاملة مع السوريين بالتحقق من قاعدة بيانات “الأشخاص المحظورين على وجه التحديد” للتأكد من عدم وجود أي شخص يعملون معه أو يدفعون له مقابل الخدمات على تلك اللائحة.

استثناء التعليم

في الوقت ذاته، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ما يسمى بالرخصة العامة للسماح للمنظمات غير الحكومية بالقيام بأنشطة غير ربحية في سوريا “لدعم المشاريع الإنسانية، وبناء الديمقراطية، والتعليم، ومشاريع التنمية غير التجارية التي يستفيد منها الشعب السوري بشكل مباشر.”

(الصورة: موقع عالمي)

تمضي وثيقة توجيه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) قُدما لتنص على ما يلي: “يمكن للمنظمات الأميركية غير الحكومية تقديم خدمات إلى سوريا بهدف دعم المشاريع الإنسانية في سوريا دون الحاجة إلى ترخيص محدد من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) لأن هذا النشاط يخضع للرخصة العامة رقم 11 لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية.” كما أوضح دليل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أنه يمكن للمنظمات الأميركية دعم أو حضور المؤتمرات خارج سوريا والتي يحظرها المواطنون السوريون إذا ما ركزت تلك المؤتمرات على المواضيع المسموح بها، مثل التعليم.

وكحال أغلب جوانب المجتمع السوري، يعاني التعليم العالي من النقص في كافة النواحي، من نقص تجهيزات الكتب المدرسية وحتى المواد الكيميائية المختبرية أو غيابها الكامل. كما منعت العقوبات وقيود السفر التي فرضتها العديد من الدول على السوريين أعضاء هيئة التدريس السوريين من حضور المؤتمرات والتعاون مع الزملاء الدوليين.

قال شاب سوري، يدرس في لندن وتخرج مؤخراً من كلية الصيدلة في بلاده، “لم نتمكن من إجراء التجارب بسبب عدم توفر المواد لدينا بفعل العقوبات.” وعبّر عن أسفه لأن تعليمه كان نظرياً إلى حد كبير.

وبينما قدمت الجامعات الأميركية والمنظمات غير الحكومية منحاً دراسية أو وظائف للطلاب السوريين وأعضاء هيئة التدريس الذين غادروا بلادهم، يبدو أنه ليست هناك جهود من قبل المجموعات الأميركية لمساعدة النازحين من الشباب أو التعليم العالي داخل سوريا. (اقرأ التقارير ذات الصلة: بناة المستقبل في سوريا يواجهون تحديات صعبة“، ومتاهة تعيق الطلاب السوريين من تحقيق أحلامهم).

هناك مخاوف واسعة النطاق من إمكانية أن تكون محاولات العمل مع إحدى الجامعات في الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة السورية انتهاكًا غير مقصود لنظام العقوبات الصارمة الذي تفرضه واشنطن، حتى مع وجود أحكام تسمح بالمساعدة الإنسانية. علاوة على ذلك، يتردد العديد من الأكاديميين في التعامل مع نظام يبدو أنه يخضع لسيطرة شديدة من نظام الأسد القمعي.

أسس عمرو العظم، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والأنثروبولوجيا في جامعة شواني في ولاية أوهايو، مركزًا للأبحاث الأثرية في جامعة دمشق عندما كان يعمل هناك في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ويعارض العظم مساعدة التعليم العالي السوري طالما لا تزال حكومة الأسد في السلطة. قال العظم “لا يتوجب علينا القيام بأي شيء، يستخدم النظام دائمًا إمكانية الوصول [إلى المساعدات الخارجية] لمكافأة الأشخاص الموالين له، عوضًا عن الأشخاص الأكثر تأهيلاً.”

يتفق ستيفن هايدمان، الأستاذ ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، في ولاية ماساتشوستس مع ذلك. قال “الصراع والسلوك القمعي للنظام أكثر خطورة بكثير على الأكاديميين السوريين مقارنة بالعقوبات.”

يقف الأكاديميون السوريون الذين بقوا في سوريا في مواجهة مثل هذه الآراء. ويشيرون إلى أن عدد الشباب السوري من النازحين أعلى بكثير من اللاجئين السوريين، الذين حصلوا على نصيب الأسد من الاهتمام الدولي. ويعتقد المؤيدون لإشراك الشباب والأكاديميين السوريين داخل سوريا كأفراد، على الأقل، بأن الجهل والعزلة سيقوضان سوريا ويوقعانها في دورة لا نهاية لها من القيادة ضعيفة التعليم ومؤسسات المجتمع المدني الضعيفة أو المنعدمة.

المقاربة الأوروبية

تبنت أوروبا نهجاً مماثلاً للموقف الأميركي مع بعض الاختلافات. وكما هو الحال مع الولايات المتحدة، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات في مطلع عام 2011، بسبب “القمع الوحشي” وانتهاك حقوق الإنسان، وقد قام بتحديث العقوبات عدة مرات منذ ذلك الحين. (يمكن الاطلاع على نظرة عامة على القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على جميع الدول التي تم فرض العقوبات عليها في هذا الملف بصيغة PDF. وقد مدد المجلس الأوروبي العقوبات في أيار/ مايو الماضي. كما نشر المجلس إستراتيجية شاملة لسوريا تتضمن استجابته الإنسانية للأزمة).

لا تعتبر عقوبات الاتحاد الأوروبي شاملة مقارنة مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، لكنها لا تزال واسعة النطاق وتشمل القيود التجارية والجزاءات المالية وحظر تصدير الأسلحة. فحتّى 23 كانون الثاني/ يناير 2019، تم استهداف 270 شخصًا و72 كيانًا بموجب قرارات حظر السفر وتجميد الأصول. يعتبر فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي أمراً معقداً بسبب الاختلافات بين الدول الـ 28 الأعضاء حول كيفية تفسير مختلف القواعد والإجراءات.

مع ذلك، كان االأكاديميون الأوروبيون حذرين من تقديم المساعدة للتعليم العالي السوري، خوفاً من انتهاك العقوبات. قالت رشا نصر الدين، المديرة القُطرية للمجلس الثقافي البريطاني في سوريا، ومقره بيروت، إن هناك عدم وضوح في كيفية تطبيق العقوبات على المساعدات الأكاديمية. (على الرغم من سعي المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لا تزال ملزمة حاليًا بلوائح الاتحاد الأوروبي ويستمر المجلس الثقافي البريطاني في العمل مع الشركاء الأوروبيين).

وتضيف نصر الدين بأن الكثير ممن يرغبون في مساعدة الطلاب والأكاديميين السوريين يخشون من أن “أي شيء تريد أن تفعله في سوريا من حيث الدعم سيكون بمثابة مشكلة وخرق للعقوبات.”

في ذات الوقت، ساعد برنامج إيراسموس بلس، برنامج التبادل الأكاديمي والتدريبي الرئيسي للإتحاد الأوروبي، بشكل سرّي بعض أعضاء هيئة التدريس في العديد من الجامعات السورية الكبرى. يشارك هؤلاء العلماء السوريون في مختلف مشاريع بناء القدرات لمشاريع التعليم العالي، حيث يتشاركون مع نظرائهم من اثنتي عشر مؤسسة أو أكثر من مؤسسات الشرق الأوسط وأوروبا.

تدعو المشاريع العلماء السوريين لحضور ورش عمل وبرامج للتدريب خارج سوريا، وتقوم بشراء الموارد التعليمية لهم، مثل الكتب، والبرمجيات ومعدات المختبرات، بحسب مسؤول طالب بعدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالحديث إلى الصحافة.

وبهدف تجنب انتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي، يتعاون البرنامج مباشرة مع أعضاء هيئة التدريس، دون المرور عبر إدارات الجامعات المعنية. لكن السلطات السورية لم تتدخل، حسب قول المسؤول في ايراسموس، لأنهم على ما يبدو لا يرون في البرنامج أي تهديد، ويعترفون بدور المساعدات في تعزيز الجامعات في البلاد.

في هذه الأثناء، وبينما تمضي الحرب في سوريا لصالح الرئيس الأسد على نحوٍ متزايد، ومع اقتراب فريقه من تحقيق النصر المحتمل، يتوق قادة التبادل الأكاديمي الأوروبيون الآخرون إلى توسيع مساعدات أوروبا للتعليم العالي المتدهور في سوريا.

وكان لأوروبا بالفعل تقاليد تعاون أكاديمي مع سوريا أكثر من الولايات المتحدة، لأن أوروبا، بطبيعة الحال، أقرب بكثير جغرافيًا إلى البلد المضطرب. على سبيل المثال، كان للمجلس الثقافي البريطاني برامج مكثفة في سوريا لتعزيز ضمان الجودة الجامعية والتعاون الأكاديمي مع علماء بريطانيين إلى أن أغلق مكتبه في دمشق في عام 2012 وانسحب من البلاد في خضم الحرب المتفاقمة.

كما استقبلت أوروبا أعدادًا كبيرة من اللاجئين من سوريا، في تناقض حاد مع سياسات الدخول الأكثر تقييدًا في الولايات المتحدة.

يعتبر كارستن فالبينر من المدافعين الأقوياء عن فكرة تقديم المزيد من المساعدة. وفالبينر مواطن ألماني يدير برنامج آمال HOPES، وهو برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي قدم منحًا دراسية لـ 600 سوري لمتابعة الدورات التدريبية العليا خارج بلادهم، فضلاً عن تقديم دورات اللغة الأجنبية لـ 4,000 طالب آخرين.

دُعاة الدعم لسوريا

قال فالبينر “تتمثل إحدى أمنياتنا الأساسية في أن يعود هؤلاء الأشخاص الذين ندعمهم يوماً ما إلى سوريا ليساعدوا في إعادة بناء البلاد”. لكن، وبهدف جذبهم مرة أخرى إلى سوريا، وللمساعدة في جهود إعادة البناء الهائلة التي يحتاجها البلد المهدم، “علينا أن نتأكد من وجود جامعات فاعلة هناك.”

وكان فالبينر ونصر الدين من المجلس الثقافي البريطاني من بين مجموعة من قادة تبادل التعليم العالي الأوروبيين الذين التقوا في الأشهر الأخيرة لمناقشة سبل المساعدة في دعم التعليم العالي في سوريا. وهم يركزون في البداية على هدفين: إنشاء برامج تدريب قصيرة للهيئات التدريسية في الجامعات في لبنان والبلدان المجاورة الأخرى، وبحث إمكانية إنشاء دورات عبر الإنترنت للطلاب السوريين.

ملاحظة المحرر: عقد كل من الفنار للإعلام والمجلس الثقافي البريطاني ومعهد عصام فارس التابع للجامعة الأميركية في بيروت ورشة عمل يوم 2 أيار/ مايو في بيروت بوجود حضور من سوريا ومجموعة متنوعة من المنظمات الدولية المهتمة بمساعدة جهود تعليم الشباب السوري. في الإمكان الإطلاع على التقرير باللغتين الإنجليزية أو العربية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى