أخبار وتقارير

اليونسكو ترصد إجراءات الاعتراف بشهادات اللاجئين الأكاديمية

يدرس تقرير، نُشِر مؤخرًا، التقدم في جهود التغلب على الحاجز المعروف بشكلٍ جيد لدى اللاجئين والمتمثل في اعتراف بلدانهم الجديدة بشهادات تعليمهم السابق أو مؤهلات العمل.

وعلى الرغم من الطابع التقني للمشكلة، إلا أنها يمكن أن تشكل معاناة هائلة بالنسبة لهم. فرّت ليلى خليل، وهي فنيّة أسنان تبلغ من العمر 37 عامًا، من سوريا إلى هامبورغ في العام 2014. كانت تُدير مختبرها الخاص لطب الأسنان في سوريا ويعمل لديها 6 موظفين. في هامبورغ، وجدت نفسها معدمة. وكحال العديد من اللاجئين الذين فروا من مناطق الصراع، لم تتمكن خليل من أخذ أية وثائق معها ولم يكن في حوزتها أي دليل لإثبات مهاراتها وشهادتها.

قال مانوس أنطونينيس، مدير الفريق الذي أصدر التقرير العالمي لرصد التعليم في اليونسكو، “من غير المرجح أن يكون بحوزة اللاجئين إثباتات على مؤهلاتهم العلمية، فعند الهروب من مناطق النزاع، من غير المحتمل أن يكون حزم شهاداتك العلمية على سلم أولوياتك.”

يدرس التقرير الحديث ما يمكن للدول والوكالات الدولية القيام به بشكل أفضل للإستجابة على محنة المهاجرين من أمثال خليل.

ويشير التقرير الذي يحمل عنوان”يا لها من خسارة: اضمنوا الاعتراف بمؤهلات المهاجرين واللاجئين العلمية وتعليمهم المسبق“، إلى أنه وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في السنوات الأخيرة إلا أن “الأنظمة المستخدمة في الإعتراف بمؤهلات اللاجئين والمهاجرين العلمية وتعليمهم المسبق غير مناسبة.”

كما وجد التقرير بأن واحداً من بين كل 8 مهاجرين في أوروبا يعتقد أن عدم الاعتراف بمؤهلاتهم العلمية والمهنية هو أكبر تحدٍ يواجهونه، متقدماً بذلك على تحديات مهارات اللغة، أو التمييز، أو القيود على التأشيرة.

كانت خليل واحدة من المحظوظين من المهاجرين، حيث تقدم ألمانيا بوابة إلكترونية، متوفرة باللغة العربية وسبع لغات أخرى إلى جانب الألمانية، بهدف مساعدة المهاجرين واللاجئين على الحصول على اعتراف بمؤهلاتهم. تقدمت خليل إلى دائرة مَشورة الاعتراف لغرفة المِهن الحِرفية في هامبورغ كخطوة أولى للإعتراف بمؤهلاتها، حيث أمضت أسبوعًا في الممارسة العملية في ورش الأسنان مستعرضة خبرتها في العمل أمام المدربين المتخصصين والمعلمين والخبراء لتحصل على اعتراف جزئي قبل أن تحصل على اعتراف كامل في شباط/ فبراير 2016 بعد حضورها ورشة عمل تأهيلية.

وبصفتها أخصائية معترف بها، سرعان ما وجدت وظيفة ثابتة، في عيادة طبيب أسنان في هامبورغ، قالت “بعد الاعتراف، أصبح كل شيء أفضل بكثير بالنسبة لي”.

يعمل محمود سلام، البالغ من العمر 32 عاماً والذي حصل على شهادة الطب في سوريا، في خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل في أحد المطاعم منذ وصوله إلى هامبورغ. قال “عليّ أن أعمل على توفير نفقات معيشتي إلى أن أحصل على الاعتراف بشهادة الطب الخاصة بي.”

بحسب سلام، الذي فرّ إلى ألمانيا عبر تركيا في عام 2014، فإن فترة الاعتراف وحصوله على رخصة مزاولة الطب في ألمانيا لن تقل عن ثلاث سنوات. خلال ذلك الوقت، يتوجب عليه تعلم اللغة الألمانية والمصطلحات الطبية المحلية وكيفية التعامل مع المرضى.

وكحال سلام، يتخذ العديد من المهاجرين أية وظائف يمكنهم العثور عليها لتوفير نفقات معيشتهم ريثما ينتظرون أن يتم الاعتراف بمهاراتهم وشهاداتهم العلمية.

يعمل أكثر من ثلث المهاجرين واللاجئين المتعلمين في وظائف بمستوى أدنى من مؤهلاتهم الرسمية، بحسب تقرير فريق مراقبة التعليم العالمي، والذي تم إعداده بالتعاون مع مؤسسة التعليم فوق الجميع في قطر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

لا يعتبر عدم الاعتراف بالمؤهلات مشكلة بالنسبة لأولئك الذين فروا من النزاع في الدول العربية فحسب، ففي الولايات المتحدة، ينتهي المطاف بواحد من كل 4 مهاجرين تقريبًا ممّن يحملون شهادات أعلى من الثانوية العامة بالعمل في وظائف تتطلب مهارات منخفضة أو ما هو أسوأ من ذلك، أي عاطلين عن العمل. وينتج عن ذلك خسارة سنوية تقدر بـ 39 مليار دولار أميركي من الأجور غير المحصلة و10.2 مليار دولار أميركي من الضرائب المفقودة، بحسب التقرير.

في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يقدر التقرير أن 30 في المئة فقط من المهاجرين الذين حصلوا على شهاداتهم العليا من خارج أوروبا وأميركا الشمالية يعملون في وظائف تتطلب مهارات عالية. فيما قال أقل من 15 في المئة من هؤلاء العمال إن مستوى تعليمهم يتناسب مع وظائفهم.

https://www.bue.edu.eg/

على المستويين الوطني والدولي، تم وضع العديد من القوانين والاتفاقيات لمعالجة هذه المشكلة، لكن أغلبها يواجه تحديات. فقد تم اعتماد واحدة من أقدم هذه الاتفاقيات الدولية، اتفاقية لشبونة للاعتراف بالمؤهلات العلمية – رسمياً اتفاقية الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي في المنطقة الأوروبية – منذ أكثر من 20 عاماً وتمت المصادقة عليها من قبل 57 دولة. تدعو الاتفاقية لاتخاذ خطوات للاعتراف بمؤهلات اللاجئين التي لا يمتلكون وثائق كاملة. لكن، وحتى عام 2016، تشير ورقة السياسة إلى أن أكثر من ثلثيهم لم يتخذوا سوى القليل من مثل هذه التدابير أو لم يتخذوا شيئا على الإطلاق.

ومع تزايد تدفق اللاجئين إلى أوروبا في السنوات الأخيرة، اتخذت بعض البلدان خطوات إيجابية.

في عام 2015، قامت النرويج والمملكة المتحدة باستحداث إجراء جديد كحل سريع لتقييم مؤهلات اللاجئين الذين يفتقرون إلى الوثائق. (اقرأ التقرير ذو الصلة:النرويج تمنح “جوازات سفر” لمؤهلات اللاجئين).

استنادًا إلى المنهجية التي تم تطويرها في النرويج، قام المجلس الأوروبي ووكالات أخرى في العديد من البلدان بتطوير جواز سفر المؤهلات الأوروبية للاجئين على نطاق أوسع، والذي يتضمن معلومات عن الخبرة العملية وإتقان اللغة. وكجزء من عملية تجريبية للمنهجية في اليونان في عام 2017، تمت مقابلة 92 لاجئًا وتم منح 73 منهم جواز سفر مؤهل. كما دخلت النرويج أيضًا في شراكة مع لبنان وتركيا لاختبار هذه المنهجية خارج أوروبا. (اقرأ التقرير ذو الصلة: جواز السفر “الأكاديمي” قيد التجربة).

وفي بلدان أخرى، قامت الوكالات الوطنية للاعتراف بالمؤهلات والمهارات الدولية ومعادلتها، والمعروفة باسم NARICs، بتعديل إجراءاتها لتلبية احتياجات اللاجئين.

إذ قامت منظمة NARIC في فلاندرز، ببلجيكا، على سبيل المثال، بإسقاط رسوم إجراءات الاعتراف بالمؤهلات العلمية عن اللاجئين، وغيرهم من النازحين. وفي العام 2016، أطلقت مؤسسة NARIC الفلمنكية وجمعية الجامعات الفلمنكية مشروعًا تجريبيًا للاعتراف بطلاب درجة الماجستير في العلوم والهندسة والاقتصاد والأعمال، حيث يحضر مقدمو الطلبات عددًا محدودًا من الدورات أو ندوة باللغة الإنجليزية، ويذهبون إلى جلسات التدريب العملي، ويقومون بكتابة ورقة. يتوقع من المشرفين الأكاديميين تزويد الوكالة بنصائح حول مؤهلات الطلاب.

في كندا والولايات المتحدة، اللتان تمتلكان نظم تعليم لا مركزية إلى حد كبير، لا تلعب الحكومة الفيدرالية أي دور مباشر في تقييم الاعتماد. إذ نشر مركز المعلومات الكندي لأوراق الاعتماد الدولية مجموعة من أفضل الممارسات والمبادئ التوجيهية للتحقق من مؤهلات اللاجئين دون وثائق.

اتبعت منظمة التعليم العالمية (WES) إحدى هذه المناهج الموصى بها من قبل أحد المراكز الكندية، وهي منظمة غير ربحية نفذت مشروعاً لاختبار طريقة تقييم الطلبات المقدمة من اللاجئين السوريين للاعتراف بناءً على مجموعة من الأدلة. على سبيل المثال، سيتم تقييم شهادة كاملة أو جزئية أو شهادة درجة، سواء كانت نسخة أصلية أو نسخة طبق الأصل أو نسخة إلكترونية. في نهاية العملية، تصدر المنظمة تقريرًا استشارياً حول طبيعة الاعتماد ومعادلته في كندا. واستناداً إلى نتائج التجربة ، ستقوم بتوسيع الخدمة للاجئين القادمين من بلدان أخرى وستقوم بتنفيذ تجربة مماثلة. وتخطط المنظمة لتوسيع نطاق الخدمة للاجئين من البلدان الأخرى.

لكن عملية تقييم التعليم في حال افتقار اللاجئ لأية وثائق أكثر صعوبة. وعلى الرغم من أن عددًا صغيراً من البلدان، بما في ذلك النرويج، يحاول اختبار مهارات البالغين إلكترونياً في مراكز استقبال اللاجئين، إلاّ أن معظم البلدان تفتقر إلى مثل هذه النظم.

يواجه الطلاب السوريون الذين يفرون إلى الدول العربية صعوبات في الاعتراف بتعليمهم السابق. ففي إقليم كردستان العراق، يتطلب وصول اللاجئين للجامعات الاعتراف بشهادات الثانوية العامة ومعادلتها. يمكن لوزارة التربية والتعليم إصدار وثائق مؤقتة تستند إلى نسخة مختومة من شهادات اللاجئين، الأمر الذي يسمح للطلاب بالتسجيل. يحتاج الطلاب إلى تقديم المستند الأصلي في غضون 20 يومًا من تاريخ وصولهم للحصول على اعتراف رسمي. في السنوات السابقة، تم تمديد فترة التقديم حتى وقت التخرج. لكن في العام الدراسي 2018-2019، ألغت الوزارة هذه الممارسة، وتخشى الوكالات الإنسانية أن يخاطر اللاجئون بالعودة إلى سوريا للحصول على شهاداتهم الأصلية.

ربما تساعد الاتفاقيات الإقليمية، مثل اتفاقية 1978 الخاصة بالاعتراف بالدراسات والدبلومات والدرجات في التعليم العالي في الدول العربية، على تخفيف بعض هذه المخاوف. إذ من المتوقع أن تتبنى الدول العربية نسخة منقحة من هذا الاتفاقية العام الحالي.

كما صاغت منظمة اليونسكو اعترافًا عالميًا بمؤهلات التعليم العالي والذي سيتم طرحه للمصادقة عليه في العام 2019، ويهدف ذلك إلى ضمان الاعتراف المتبادل بالمؤهلات الأكاديمية بطريقة عادلة وشفافة.

أمّا بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا ينتظرون استئناف دراستهم أو مهنتهم، فإن محنة البدء من جديد في بلد جديد يمكن أن تتسبب بحدوث مشاكل نفسية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى