مقالات رأي

رحلة طالبة فلسطينية للدراسة في لندن

لم أفكر طوال دراستي الجامعية في كلية القدس بارد في احتمالية استكمال دراستي العليا بعد التخرج، إذ كنت أفكر فقط في الحصول على شهادة البكالوريوس.

مع ذلك، جعلتني خبراتي، التي اكتسبتها هناك، مثل أخذ مساقات حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأخلاقيات وقانون الإعلام والسينما العربية، والقيام بعمل تطوعي لتعليم الصغار وإنتاج أفلام قصيرة عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وحقوق المرأة وقضايا أخرى أفكر في مسؤوليتي تجاه مجتمعي وحاجتي لاكتساب المزيد من المعرفة للوفاء بهذه المسؤولية.

والآن، أنا في لندن في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، حيث التحقتُ في برنامج ماجستير بخصوص الدراسات الثقافية والإعلامية النقدية.

لم يكن مساري من مخيم اللاجئين الفلسطينيين حيثُ ترعرعت، بكل حواجزه الاجتماعية والاقتصادية، وصولًا إلى مدرسة الدراسات العليا في عاصمة أجنبية، سريعاً أو سهلاً، لكن إصراري أثمر في نهاية المطاف. إليكم بعض الملاحظات من تجربتي التي آمل أن تساعد الطلاب الآخرين من الشرق الأوسط والبلدان الواقعة في مناطق النزاع ممّن يرغبون في القيام برحلة مماثلة.

للالتحاق ببرنامج دراسات عليا أجنبي – وخاصة بالنسبة لبرنامج في جامعة غربية – فإنك بحاجة للحصول على درجات جيدة جدا، وسيرة ذاتية مفصلة، وتوصيات جيدة، وبيان شخصي، وتمويل، المسألة الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الطلاب.

كما أنك بحاجة إلى الشغف أيضًا. يتوجب عليك أن تبدأ في كتابة طلب تقديمك قبل عام أو أكثر من قيامك بتقديمه بالفعل. يتطلب هذا الأمر الكثير من التفاني والوقت.

على سبيل المثال، يمثّل كل يوم فرصة لتطوير ذاتك وإضافة ذلك إلى سيرتك الذاتية.

أتذكر أول عمل تطوعي لي في جامعة القدس. لقد ساعدت في تحسين المكتب الإعلامي، بدءً من الموقع الإلكتروني للجامعة. منحني التصميم والبرمجة، اللذان لم يكونا من بين اهتماماتي الأكاديمية، معرفة ومهارات عملية.

وهكذا، يمكنني القول في سيرتي الذاتية بأن لدي مهارات ممتازة في استخدام الكومبيوتر.

أخبرني أحد مدرسيّ ذات مرة بأن في إمكاني أن “أكذب” في سيرتي الذاتية أثناء التقديم للجامعات. لا يمكنك فعل ذلك، لكن يمكنك تقييم كل ما تقوم به بحيث يمكنك تضمينه في سيرتك الذاتية.

سبق لي أن تطوعت للعمل مع منظمة تحارب مرض السكري. أظهرت تلك التجربة رغبتي في مساعدة مجتمعي. كما عملت مع الأونروا، أو وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين. كانت تلك تجربة مع مؤسسة دولية.

يعتبر بيانك الشخصي مقالًا هامًا يعكس خبرتك ما بعد الأكاديمية وخلفيتك المهنية واهتماماتك وأهدافك. عندما تقوم بكتابته، فمن المهم للغاية ربط الخلفية المهنية بحياتك الأكاديمية.

عزّز عملي في منظمة أسوشيتد ريبورترز أبرود “شبكة المراسلين في الخارج” (ARA)، وهي وكالة صحافية جماعية جديدة مستقلة، من سيرتي الذاتية وبياني الشخصية بشكل كبير. لقد كانت فرصة قمت باستغلالها. استغرق الأمر القيام بعمل شاق أوقعني في شغف الصحافة. علاوة على ذلك، قامت ARA بتوسيع شبكة علاقاتي. فقد عملت مع صحافيين من برلين ولندن والولايات المتحدة ومصر. وكتبت لمؤسسة الفنار للإعلام من خلال ARA. كانت هذه التجربة مثالية بالنسبة لبياني الشخصي.

وبهدف الحصول على توصيات قوية، كنت بحاجة إلى أشخاص ليؤكدوا على نقاط قوتي وطموحاتي. وقد وفرت خبراتي لي مثل أولئك الأشخاص. فقد كتب لي محررو ARA التوصيات. وبالإضافة إلى خطابات أستاذي، كان لدي مجموعة واسعة من الأشخاص ليشهدوا على استعدادي للدراسة في جامعة بريطانية.

قمت بتقديم طلبات إلى ثماني جامعات. لكنني أردت، بشكل أكبر، أن أدرس في برنامج مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية SOAS أو برنامج الإعلام والنوع الاجتماعي والثقافات في جامعة جولدسميث في لندن.

لقد اخترت تلك البرامج لأنها تعكس اهتماماتي: الجندر والإعلام وما الذي يحتاجه البلد والمجتمع لتحقيق إمكانات كل منهما؟ غالبًا ما أفكر، “كيف يمكنني تطوير فلسطين؟ كيف يمكنني تمكين النساء؟ كيف يمكنني دمج جوانب النوع الاجتماعي والنظريات والفلسفة في الجامعات الفلسطينية المختلفة لتكون قابلة للتدريس؟”

في بياني الشخصي، كتب عن الكيفية التي أرغب من خلالها في تطوير وجهات نظر حول تلك الأسئلة. ووضحت لهم بأنني لم آخذ أي دورة حول النوع بشكل صرف. كانت الدراسات العليا فرصة بالنسبة لي لأخذ مساقات تركز على النوع الاجتماعي.

قمت بتضمين احدى تجاربي الشخصية، فعندما كنت طالبة في مرحلة ما بعد البكالوريا في كلية القدس بارد، طلب مني عدد من الطالبات أن أقنع أولياء أمورهن بالسماح لهن بالدراسة في الخارج في برامج تبادل الكلية في ألمانيا والولايات المتحدة وروسيا وغيرها من البلدان.

كان التمويل الجزء الأخير والأصعب، فالدراسة في الخارج مكلفة وتتطلب المال لكل شيء: تكاليف السفر والتأشيرة وتذاكر الطيران ونفقات المعيشة مثل الإقامة والطعام، وبالطبع الرسوم الدراسية والرسوم الأكاديمية الأخرى.

يدفع الطلاب الأجانب الذين يدرسون في المملكة المتحدة ضعف ما يدفعه المقيمون في المملكة المتحدة. كما أن الحياة في المملكة المتحدة ليست رخيصة، حيث يحتاج الطلاب إلى حوالي 1,500 جنيه إسترليني شهريًا للغرفة والطعام والتنقل وغيرها من النفقات من أجل حياة متواضعة.

بصفتي فلسطينية، تقدمت بطلب للحصول على المنح الدراسية المتاحة والأكثر تنافسية، مثل المنح التي تقدمها مؤسسة سعيد، حيث أجريت معي مقابلتين، ومنحة شيفنينغ الدراسية المقدمة من قبل الحكومة البريطانية، ولكن لم يتم اختياري من قبل أيّ منهما. في النهاية، حصلت على منحة التعليم العالي في المجلس الثقافي البريطاني في فلسطين، والذي كان سيدفع لي مقابل الدراسة في كلية لندن للاقتصاد، لكنني لم أكن أريد الدراسة في تلك الجامعة.

اعتقدت بأن تلك هي الخيارات الوحيدة المتاحة لي، لكنني اكتشفت بعد ذلك منحة فيليكس الدراسية للطلاب من فلسطين وسوريا والعراق وإيران وأفغانستان. وفي إطار المنحة، حصلت على إقامة مجانية في بيت الطلاب الدوليين International Students House في منطقة ماريليبون في لندن. وأقل ما يمكنني قوله هو أنني ممتنة لمؤسس منحة فيليكس الدراسية.

لقد بحثت عن التمويل لمدة عامين قبل العثور على هذا البرنامج. لا تحدد نفسك بما تعرفه، وواصل البحث.

أنا أدرس بجد كل يوم. لكنني أتذكر بأنه لن يكون لدي وظيفة تنتظرني في فلسطين.

فبحسب البنك الدولي، بلغ معدل البطالة في فلسطين 32.4 في المائة في الربع الثاني من عام 2018، وهو أعلى معدل خلال عقدين.

لكن الحياة تتمثل في المجازفة وتحقيق المرء لشغفه.

أسماء جوابرة، طالبة وصحافية فلسطينية تكتب مدوناتها عن خبرتها التعليمية في الفنار للإعلام. اقرأ المزيد من مدوناتها وتقاريرها الصحافية هنا: https://bit.ly/2EgcyiF.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى