أخبار وتقارير

متاهة تعيق الطلاب السوريين من تحقيق أحلامهم

ملاحظة المحرر: هذا التقرير جزء من ملف يضم تقرير مطول آخر بعنوان “بناة المستقبل في سوريا يواجهون تحديات صعبة” يتضمن قراءة في نتائج استطلاع أجرته الفنار للإعلام على  الإنترنت حول الصعوبات التي تواجه طلاب الدراسات العليا داخل سوريا.

يواجه الطلاب السوريون العديد من الصعوبات في سعيهم للحصول على شهادات عليا،  لكن العديد من هذه العقبات ليست أكاديمية، بل لوجيستية، وفي بعض الأحيان تتسم بمنعطفات شديدة السوداوية.

قالت طالبة من دمشق تدرس للحصول على درجة الماجستير في الصيدلة، والتي طالبت بعدم الكشف عن اسمها، “هناك العديد من الطلاب المؤهلين هنا في سوريا لكن الظروف محبطة للغاية وغير داعمة على الإطلاق.”

يُسمح للجامعات الحكومية فقط في سوريا بمنح درجات الماجستير والدكتوراه. ويتواجد في جامعة دمشق، أكبر جامعة سورية حكومية، 13,800 طالب وطالبة في برامج الدرجات العلمية المتقدمة، بحسب أحدث الإحصاءات المنشورة (2014-2015) على موقع وزارة التعليم العالي. (في العام الدراسي ذاته، أعلنت الجامعة عن وجود 178,000 طالبًا جامعيًا).

تكشف المقابلات الهاتفية مع بعض هؤلاء الطلاب والمقابلات الشخصية مع الطلاب السوريين في برامج الدرجات العلمية العليا خارج البلاد عن اضطرار الطلاب السوريين الذين يمتلكون طموحات أكاديمية عالية لمواجهة صعوبات جمّة بهدف الحصول على تعليم جيد. وفي داخل سوريا، يقول الطلاب إنهم يحظون بمصادر متناقصة، وعدد أقل من الأساتذة، وملء بعض الزملاء من ذوي الدافع القليل للفصول الدراسية. علماً، أن بعض الطلاب الذكور يسعون للحصول على درجات متقدمة بهدف تأجيل الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.

تتنوع تجارب الطلاب الذين يسعون للحصول على درجة أكاديمية. قال عبد العزيز حمال، الذي يدرس للحصول على درجة الماجستير في إدارة التكنولوجيا في الجامعة الافتراضية السورية، “برنامج درجة الماجستير الحالي جيد، وأنا أستمتع به وأعتقد أنه يمكن أن يساعدني في عملي لاحقًا”. لكنه اقرّ بأنه يعاني من بعض مشاكل التواصل في مساقاته، قال “أتواجد في حلب فيما يقع مقر الجامعة في دمشق وعلى الرغم من أنه افتراضي، إلا انه يتوجب علي القيام بكافة المراسلات والتواصل مع الجامعة بشكل شخصي. لا يفيد استخدام البريد الإلكتروني في معظم الحالات.”

عادة ما تكلف متطلبات البحث اللازمة للحصول على درجات عليا مبالغ كبيرة من المال، الأمر الذي لا يتوفر للعديد من الطلاب. كما تتوافر للطلاب السوريين الذين يرغبون في الدراسة خارج البلاد أماكن قليلة يلجأون إليها للحصول على المعلومات، بعد أن أغلقت معظم السفارات والمراكز الثقافية في دمشق.

ملحمة طالب

يواجه الطلاب الذين يرغبون في الدراسة خارج البلاد العديد من العقبات للتغلب على نقص المعلومات. فعلى سبيل المثال، حصل طالب مهتم بالصحة العامة على منحة تشيفنينغ للدراسة في المملكة المتحدة. وبعد أن تم إخطاره بأنه ستجري مقابلته للمنحة، اضطر إلى خوض اختبار IELTS لإتقان اللغة الإنجليزية. بعد اندلاع الحرب، أغلق المجلس الثقافي البريطاني، الذي يقدم اختبار IELTS، مكاتبه في دمشق. ولا يمكن اجراء اختبار IELTS إلا بشكل شخصي. وعادة ما يكون أقرب مكان لإجراء الاختبار للسوريين في بيروت.

يكلف الاختبار لوحده 205 دولارات أميركية – وهو ما يمثل حصة الأسد من متوسط دخل الأسرة الشهري في سوريا. وتبلغ تكلفة التنقل بسيارة الأجرة من دمشق إلى بيروت 400 دولار أميركي ذهابًا وإيابًا. وبهدف دخول لبنان، يحتاج السوريون إلى إظهار 2,000 دولار نقدًا عند الحدود وإثبات حجز الإقامة في أحد الفنادق. (يمكنهم “استئجار” الأموال النقدية والطلب من الفندق تزويدهم بإثبات لوجود حجز، لكن ذلك يكلف المال أيضًا). وبذلك يمكن أن تصل التكلفة الإجمالية لخوض اختبار IELTS بسهولة إلى 1,000 دولار أميركي – أي ما يعادل متوسط دخل ثلاثة أو أربعة أشهر لأسرة سورية.

قالت رشا نصر الدين، المديرة القُطرية للمجلس الثقافي البريطاني في سوريا، ومقره في بيروت، إن المجلس البريطاني يحاول مساعدة الطلاب السوريين الذين يحتاجون للوصول إلى بيروت من خلال تقديم خطابات إلى وزارة الداخلية اللبنانية. قالت “نحاول بشكل فعال العثور على حلول لتقديم الامتحان داخل البلد حالما تسمح الأوضاع بذلك.”

بعد اجتياز اختبار IELTS، طلبت جامعات المملكة المتحدة من طالب الصحة العامة المستقبلي الحصول على توصية مرسلة من أستاذ عبر البريد الإلكتروني لجامعة دمشق، حيث كان يدرس من قبل. لكن في العام الماضي، لم يكن لدى معظم أساتذة جامعة دمشق عناوين بريد إلكتروني مؤسسية، حيث كانوا يستخدمون عناوين بريد إلكتروني شخصية فقط. (تتجه الجامعة الآن إلى إنشاء عناوين بريد إلكتروني أكثر رسمية). رفضت ثلاث جامعات من أصل أربع جامعات بريطانية (كلية إمبريال وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي وكلية لندن الجامعية) قبول أي بدائل عن رسائل التوصية عبر العنوان البريدي لإحدى الجامعات. في حين وافقت واحدة – كلية كينغز – على قبول رسالة توصية ورقية.

بمجرد قبوله في كلية كينغ، كان الطالب بحاجة إلى حجز مكان للسكن في لندن. وكان السبيل الوحيد لحجز مكان في مساكن الجامعة يتم من خلال الدفع عبر الإنترنت. لكن العقوبات الدولية أغلقت المدفوعات التي تتم عبر الإنترنت من قبل السوريين. يواجه السوريون صعوبة في فتح حسابات مصرفية في معظم البلدان، فضلاً عن صعوبات الحصول على بطاقات الائتمان. مجددًا، ورغم ذلك، لم يتم السماح باستثناءات لعدم قدرة الطالب على الدفع عبر الإنترنت. في نهاية المطاف، تمكن الطالب من تأمين السكن من خلال إحدى الكنائس.

الحاجة للتدريب العملي

أما بالنسبة للطلاب داخل سوريا وأولئك الذين يحاولون المغادرة، تعتبر إجادة اللغة الإنجليزية مطلباً للبرامج التي تمنح أكثر الشهادات تقدمًا. وبمغادرة المجلس الثقافي البريطاني ومعظم المؤسسات الأخرى التي تدرس اللغة الإنجليزية، تضاءلت فرص تعلم اللغة الإنجليزية في سوريا. ولا يتوفر الدعم المالي للدروس الخصوصية أو دورات اللغة الإنجليزية المعتمدة المدفوعة الرسوم.

كما يتوق الطلاب لفرص التدريب، والعمل في المختبر، وأي شكل من أشكال التعليم العملي، بدل الاكتفاء بالتعليم النظري فقط. قالت طالبة في قسم العلوم الصحية من حمص حصلت على شهادة البكالوريوس في عام 2014، بعد أن عانت من انقطاع لمدة عامين في تعليمها بسبب الحرب، “قبل الصراع، كنا نحصل على خبرة عملية أكثر. عندما عدت كان الوضع كارثياً.”

يقول الطلاب إن جودة التدريس قد انخفضت إلى حد كبير بسبب عدد الأساتذة الذين غادروا البلاد. وتختلف التقديرات عن نسبة الأساتذة الذين غادروا، إذ تتراوح ما بين نصف الأساتذة السوريين كحدٍ أعلى و20 في المئة كحدٍ أدنى. غادر العديد من الأساتذة الذين تلقوا تدريباً غربياً والذين يتمتعون بمهارات إجادة لغة أجنبية وتربطهم علاقات بمؤسسات خارجية. كما تقاعد بعض الأساتذة السوريين وانتقلوا بعد ذلك إلى جامعات خاصة تقدم أجورًا أفضل، حتى يتمكنوا من جمع كل من معاشات التقاعد والرواتب.

اختار الأكاديميون الحاصلون على درجة الدكتوراه في مجالات عملية مثل الصيدلة الانتقال إلى القطاع الخاص للحصول على رواتب أعلى. لكن، وبالمقارنة مع جميع المغادرين، فإن العديد من الأساتذة الذين تدربوا في مؤسسات ذات سمعة دولية قوية والذين يبدون شغفهم الكبير تجاه طلابهم في سوريا قرروا البقاء واستمروا في التدريس.

في قسم التعليقات في استطلاع أجرته مؤسسة الفنار للإعلام عبر الإنترنت بخصوص طلاب يدرسون للحصول على درجات علمية متقدمة، قال أحد الطلاب إن تصحيح الأساتذة للاختبارات كان شخصيًا وطريقة لمكافأة الطلاب المفضلين لديهم. قال طلال الشهابي، أستاذ الهندسة في جامعة دمشق، والذي حصل على شهادته من جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة، “كنت حزينًا للغاية لأن أحد الطلاب قد قال ذلك. يأخذ جميع الأساتذة الذين أعرفهم التصحيح والتقييم على محمل الجد ويحاولون التأكد من حصول الطلاب في الأقسام أو المساقات المخبرية على الدرجات التي يستحقونها.”

من غير المحتمل أن يتحسن وضع الطلاب السوريين الساعين للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في القريب العاجل. ربما يشهد الاتصال الدولي، على الأقل عبر الإنترنت، تزايداً. وتظهر القيود المفروضة على سفر الأكاديميين والطلاب والأساتذة السوريين الذين يرغبون في حضور الاجتماعات الأكاديمية الدولية علامات الانفراج. فيما تقوم المنظمات الدولية باستكشاف الخيارات بحذر شديد لمساعدة الطلاب السوريين من خلال تدريس اللغة الإنجليزية أو توفير المصادر عبر الإنترنت بشكل أكبر على سبيل المثال. مع ذلك، يبدو أن أعظم مصدر للطلاب السوريين يتمثل في مقاومتهم وقدرتهم على الصمود.

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى