أخبار وتقارير

بناة المستقبل في سوريا يواجهون تحديات صعبة

ملاحظة المحرر: هذا التقرير جزء من ملف يضم تقرير آخر بعنوان “متاهة تعيق الطلاب السوريين من تحقيق أحلامهم” يستعرض الصعوبات التي تواجه طلاب الدراسات العليا داخل سوريا بناء على مقابلات أجرتها الفنار للإعلام.

قدّم استطلاع للطلاب السوريين الذين يسعون للحصول على شهادات عليا داخل سوريا صورة معقدة عن أولئك الذين يحاولون الارتقاء إلى أعلى مستويات التحصيل الأكاديمي.

ففي استطلاع عبر الإنترنت ومقابلات معمّقة أخرى، عبّر الطلاب السوريون عن رغبة في مساعدة بلدهم من خلال البحث والتدريس وخدمة المجتمع. إذ أنهم يسعون لكتابة أطروحات أكاديمية حول مواضيع متنوعة كتأثير المجاعة على مرض السكري، واضطراب ما بعد الصدمة، وإعادة تدوير الخرسانة.

لكن النجاح بالنسبة لهؤلاء الطلاب يتطلب اصرارًا هائلاً، لاسيما بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ويرغبون في الدراسة في الخارج. إذ تراهم يقصون حكايات عن دفع أموال للمهربين، والسداد للوسطاء الذين يمكنونهم من الحصول على وثائق التعليم، وتحمل مخاطر شخصية وتكاليف كبيرة لمجرد القدرة على إجراء اختبارات اللغة الإنجليزية، مثل IELTS.

يواجه الطلاب السوريون مؤسسات، بما في ذلك الجامعات الدولية، لا تتفهّم بأن السوريين غير قادرين على الدفع عبر الإنترنت. فيما تمنع منظمات دولية، بما في ذلك Coursera و Udemy، وهما من أكبر مزودي الدورات التدريبية الدولية عبر الإنترنت، الطلاب السوريين من المشاركة في الدورات التدريبية عبر الإنترنت. ويواجه حتى أولئك الطلاب الذين حصلوا على زمالات مرموقة، مثل منح شيفنينغ الدراسية في المملكة المتحدة، معارك شاقة من أجل تأمين أماكنهم النهائية في الجامعات.

قال أحد الطلاب في خانة التعليقات في الاستطلاع عبر الإنترنت، “أتمنى ألا تكون جنسيتي عائقًا أمام طموحي”. وقال طلال الشهابي، أستاذ الهندسة المدنية في جامعة دمشق، الذي استعرض نتائج الاستطلاع، “شعرت أنني مرتبط بالفعل بهذا الشعور. إنه يعكس ما يشعر به الطلاب السوريون حيال المستقبل.”

ندرة المصادر

في داخل سوريا، يواجه الطلاب الملتحقون ببرامج الماجستير والدكتوراه صعوبة في الوصول إلى المصادر عبر الإنترنت، والكتب والمجلات المنشورة حديثًا، والمواد اللازمة للتجارب المعملية، والتدريبات العملية، وأبحاثهم الخاصة. ولا يقدر بعض الطلاب نوعية التعليم الذي يتلقونه، فيما يشير آخرون إلى أنهم يشعرون بأن دراستهم ذات مغزى لكنها تفتقر لإمكانية الحصول على خبرة تعليمية عالية الجودة مع مزيد من الاتصال الدولي.

في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر، أجرت الفنار للإعلام دراسة استقصائية عبر الإنترنت استهدفت الطلاب السوريين الذين يسعون للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه والذين يعيشون داخل سوريا. (تشير بعض البلدان إلى هؤلاء الطلاب بصفتهم “خريجين”، بينما يشير آخرون إلى هؤلاء الطلاب على أنهم “طلاب دراسات عليا”، وسنشير إليهم هنا بصفتهم طلاب دراسات عليا). تم الترويج لرابط الاستطلاع من خلال مجموعات مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل بريد إلكتروني إلى أكاديميين وطلاب دراسات عليا معروفين. وقد أكمل 132 ممّن شملهم الاستطلاع المسح. (يمكن العثور على مزيد من المعلومات حول المنهجية والديموغرافيات للطلاب في نهاية التقرير.)

وقال خبراء مستقلون، قاموا بمراجعة نتائج استطلاع مؤسسة الفنار للإعلام، إنها تتمتّع بمصداقية. على سبيل المثال، تقترب نسبة طلاب التعليم الموازي، الذين يدفعون رسومًا إضافية للتسجيل في برامج الشهادات التي لا يتأهلون لها مبدئيًا من الناحية الأكاديمية، من التطابق مع ما هو مسموح به في الجامعات السورية العامة – أي 25 في المئة بالضبط.

ومن بين المشاركين في الاستطلاع، قال 71 في المئة إنهم يسعون للحصول على شهادة عليا لأنهم يرغبون في “المساهمة في البحث والتدريس في نهاية المطاف.” فيما كان 57 في المئة يبحثون عن فرص عمل أفضل داخل سوريا وعبر 43 في المئة عن أملهم في الحصول على فرص عمل أفضل خارج سوريا.

توفر حياة طلاب الدراسات العليا نافذة على حياة جميع الطلاب والمجتمع السوري في الوقت الراهن. إذ قال 38 في المئة ممن أجابوا على الاستطلاع، على سبيل المثال، إنهم قد اضطروا إلى الانتقال في السنوات الثماني الماضية بسبب الحرب.

بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فإن حياتهم قد تبدو هادئة نسبيًا إن لم تكن سهلة على الدوام. فعلى الرغم من أن الهجوم على جامعة حلب في عام  2013 قد دمر المباني وقتل الطلاب، إلا أن الهجمات المباشرة على الحرم الجامعي خلال الحرب كانت نادرة. بقيت الجامعات مفتوحة إلى حد كبير، فيما أعاقت العقبات اليومية مثل نقاط التفتيش أو البيروقراطية معظم الطلاب، لكنها لم تمس أمنهم الشخصي.

تم السماح للعديد من الطلاب الذين انتقلوا إلى دمشق من مناطق أخرى أثناء النزاع بالدراسة في جامعة دمشق. هذا العام، أبلغت الحكومة هؤلاء الطلاب بأنه يتوجب عليهم العودة إلى جامعاتهم المحلية نظرًا لتراجع المخاطر الأمنية هناك.

تكاليف باهظة

في حين أن الجامعات الحكومية السورية لا تتقاضى رسوماً باهظة، إلا أن التكاليف المرتبطة بها، مثل الكتب، والبحوث، والنقل يمكن أن تصل إلى ما بين 100 إلى 200 دولار أميركي في الشهر، وهي ثروة بالنسبة لأي أسرة في سوريا، حيث يبلغ متوسط إنفاق الأسرة 388 دولار في الشهر، في حين لا تتجاوز الرواتب 100 دولار أميركي بحسب مركز جسور للدراسات، وهي مؤسسة أبحاث مستقلة مقرها اسطنبول. كما قال 56 في المئة من المشاركين في الاستطلاع عبر الإنترنت إنهم بحاجة إلى مساعدة مالية لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية والنقل، فيما قال 42 في المئة إنهم بحاجة إلى مساعدة مالية لتغطية تكاليف الأبحاث. قال أحد الطلاب “لن أكمل دراستي، إنها تكلف الكثير ولا أستطيع تحمل تكلفتها. أشعر بالحزن ولكن ليس هناك ما يمكنني القيام به.”

في جامعة دمشق، هناك ممارسة شائعة بين بعض الطلاب تتمثل في التعاون مع مكاتب خارجية لبيع نسخ مكتوبة من المحاضرات. يقول الطلاب إن تكلفة هذه الأوراق ارتفعت من حوالي ليرة سورية واحدة للصفحة قبل اندلاع الحرب إلى حوالي خمسة ليرات سورية للصفحة، وتتطلب المحاضرة الواحدة 60 أو 70 صفحة من الملاحظات. وبالنسبة لشهر واحد، يقول الطلاب إن المحاضرة تكلف حوالي 4,000 ليرة أو حوالي 83 دولار أميركي في الشهر حسب سعر الصرف الحالي.

ربما يعتقد شخص غريب غير معتاد على مثل هذه الممارسة بأن على الطلاب ببساطة حضور المحاضرات بأنفسهم. لكن هذه الممارسة أصبحت متأصلة في الحياة الجامعية حتى لو كان الكثير من الأساتذة لا يحبونها. قال أحد الأستاذة “الجامعة لا تشارك في هذا الأمر، لكن ليس في إمكانها منعه.”

ويواجه الكثير من الطلاب أيضا صعوبة كبيرة في الوصول إلى المحاضرات بانتظام. على سبيل المثال، قال طالب يعيش على بعد 12 كيلومترًا عن جامعة دمشق إن سعر تذكرة الحافلة ذهابًا وإيابًا يكلف حوالي 600 ليرة سورية في اليوم (حوالي 12.50 دولارًا أميركيًا بأسعار الصرف الحالية)، كما توجّب عليه المرور عبر سبع نقاط تفتيش، لذلك ستستغرق الرحلة في اتجاه واحد ساعتين. في الجامعة نفسها، لا يستطيع الطلاب الجامعيون الوصول إلى الإنترنت، على الرغم من أن أعضاء هيئة التدريس وبعض طلاب الدراسات العليا يمكنهم القيام بذلك.

وكنتيجة لصعوبة الوصول إلى الحرم الجامعي، قال الطلاب إنهم قد توصلوا لضرورة الدراسة من الكتب المنهجية والإنترنت وغيرها من المواد في المنزل. قال أحد الطلاب “لم أكن أفضّل الذهاب إلى الجامعة. كان ذلك باهظ الثمن ويكلفني الكثير من الوقت.”

احتياجات مفقودة

وعلى الرغم من أن المرافق والمباني لم يتم تدميرها بشكل عام، إلا أن المصادر الأساسية غير متوفرة في كثير من الأحيان بسبب العقوبات وارتفاع نفقات المواد المستوردة نتيجة التضخم المضطرب الذي تسبب في تدمير القوة الشرائية لليرة السورية). تحدث أحد طلاب علوم الأحياء عن مختبر أظهر فيه أحد الأساتذة ببساطة زجاجة صغيرة من الإيثر الذي يحتاجون إليه بكميات أكبر بهدف إجراء تجربة الحمض النووي للفراولة، وهي تجربة مهمة لفهم الطلاب لمادة الوراثة. قال الأستاذ، في الواقع، “أتمنى لو كان في الإمكان إجراء هذه التجربة، ولكن لا يمكننا ذلك.”

في بعض الأحيان، اختفت بعض المصادر خلال الحرب. قالت طالبة من حمص إن مكتبة العلوم الصحية أنشئت في جامعة البعث قبل الحرب مجهزة بكتب وأجهزة كومبيوتر حديثة. لكن في عام  2012، وخلال فترة شهرين من إغلاق الجامعة، سُرقت جميع الكتب والتجهيزات، على حد قولها. قالت الطالبة بحزن، “لا تزال لدي بطاقة المكتبة. لقد كنت فرحة بالحصول عليها. كانت حقا مكتبة رائعة.”

تعتمد تجربة الطلاب السوريين بشكل كبير على مكان تواجدهم في سوريا عندما اندلعت الحرب. قالت خلود حلمي، أحد مؤسسي جريدة عنب بلدي، والمستمرة في النشر عبر الانترنت من خلال مكاتب في إسطنبول، “هناك فجوة كبيرة بين أولئك الذين يأتون من المناطق التي يسيطر عليها النظام والذين يأتون من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ولا سيما الآن بعد سبع سنوات.” تدرس خلود الآن للحصول على درجة الماجستير في الدراسات الإعلامية من مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية SOAS في جامعة لندن.

يجد الشباب في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مثل إدلب صعوبة في الوصول إلى الإنترنت، حيث أنهم يعتمدون على بطاقات SIM باهظة الثمن في الهواتف المحمولة. ونتيجة لذلك، يواجه الطلاب صعوبة في الوصول إلى الدورات التدريبية على الإنترنت أو المعلومات حول الدراسة في مكان آخر. أما بالنسبة لأولئك الذين لم يكملوا شهاداتهم الجامعية، فإن حضور الدورات المعتمدة على الإنترنت يعتبر بمثابة أمر مستحيل عمومًا. ولا يتمكن هؤلاء الشباب الذين حددتهم الحكومة كناشطين أو متظاهرين خلال الانتفاضة من السفر عبر المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بما في ذلك نقاط التفتيش الحدودية. وبذلك يُعتبر الذهاب إلى تركيا أو لبنان لإجراء اختبارات اللغة الإنجليزية، مثل IELTS، وهو شرط للعديد من البرامج في الخارج، أمرًا مستحيل ما لم يدفعوا آلاف الدولارات للمهربين ويعرضوا أنفسهم لمخاطر كبيرة. فعلى سبيل المثال، يطلق حرس الحدود التركي النار على أولئك الذين يحاولون عبور الحدود بشكل غير قانوني.

عند السؤال عما يمكن للمنظمات الدولية القيام به لمساعدة الطلاب السوريين الذين يسعون للحصول على شهادات عليا، قام أولئك الذين استجابوا للدراسة الاستقصائية على الإنترنت بفحص مجموعة كبيرة من الخيارات. وشملت تلك البدائل خلق فرص عمل بدوام جزئي للطلاب (64 في المئة)؛ وتحسين إمكانية الوصول إلى المصادر عبر الإنترنت، مثل الأبحاث العلمية أو المجلات (63 في المئة)، وتقديم تعليم للغة الإنجليزية بشكل مجاني عالي الجودة أو دعم الطلاب لدراسة اللغة الإنجليزية في البرامج المدفوعة (62 في المئة). (فيما يتعلق بسؤال آخر، ذكر 39 في المئة من الطلاب بأن المستوى السيء في اللغة الإنجليزية يمثل أحد تحدياتهم الرئيسية في الحصول على درجة علمية متقدمة).

وفي التعليقات على الاستبيان عبر الإنترنت والمقابلات، لم يعبر العديد من الطلاب عن قلقهم بشأن وضعهم الشخصي فحسب، لكنهم عبروا عن إحباط بسبب عدم قدرتهم على خدمة بلدهم وأقرانهم من السوريين.

قال الشهابي “ربما تدفع الأزمة بالناس لأن يكونوا أنانيين من أجل البقاء. إنه أمر مفرح  جدًا أن تسمع أنهم لا يزالون يهتمون بمساعدة الآخرين.”

منهجية إجراء الإستطلاع:

تم توزيع الاستطلاع عبر الإنترنت، والذي اعتمد إلى حد كبير صيغة الاختيارات المتعددة، وتم توزيعه بشكل خاص من خلال قنوات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني. في هذا التقرير وما يليه، تم تقريب الأرقام إلى أقرب نسبة مئوية.

  • بدأ 235 شخص بالإجابة على الدراسة، لكن 48 من هؤلاء قالوا إنهم لا يعملون للحصول على درجة عليا. تم استبعاد هؤلاء من المسح ولكن تمت دعوتهم للتعليق على العقبات التي تحول دون الدخول في برنامج للحصول على شهادة عليا. فيما أكمل 135 طالبًا الاجابة على المسح.
  • شمل المسح 52 في المئة من الإناث، و 48 في المئة من الذكور. (يتوجب على الرجال السوريين أداء الخدمة العسكرية أو مغادرة البلاد لتجنب الخدمة).
  • توزعت اختصاصات المشاركين في الاستطلاع على مجموعة متنوعة من التخصصات، على الرغم من أن النسبة الأكبر منهم، 36 في المئة، قالوا إنهم يدرسون الاقتصاد.
  • قال 51 في الائة ممّن شملهم الاستطلاع إنهم كانوا يدرسون في جامعة دمشق، بينما درس البقية في جامعات حكومية أخرى في جميع أنحاء البلاد. (تسمح الحكومة حاليًا للجامعات الحكومية فقط بمنح شهادات الدراسات العليا).
  • قال 57 في المئة من الطلاب إنهم يدرسون لنيل درجة الماجستير، مع نسب صغيرة لطلاب يدرسون للحصول على شهادة طبية أو درجة الدكتوراه.
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى