أخبار وتقارير

مبادرة اجتماعية لنشر المعرفة العربية

في مساء الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، امتلأت غرفة في منزل بحي الأشرفية في بيروت على بكرة أبيها، بحيث اتخذ كل شخص مقعده واضطر كثيرون للجلوس على الأرض. جاء الجميع لسماع محاضرتين، الأولى عن صدع البحر الميت والثانية عن خط أنابيب التابلاين والذي تم إنشاؤه في الخمسينات من القرن الماضي.

لم يكن أي من الحاضرين من العاملين في الجيولوجيا أو قطاع النفط، ولم يعرفوا مسبقاً بموضوع المحاضرتين اللتين جاءوا لسماعها. إذ تم الإعلان مسبقًاً عن أسماء المتحدثين ومكان الحدث فقط، والذي تنظمه مجموعة تدعى عفكرة،  تأسست قبل أربعة أعوام على يد ميكي مهنا، وهو رجل أعمال لبناني في الثانية والثلاثين من عمره سبق له أن عمل كمدرس للمرحلة الثانوية.

تهدف عفكرة إلى توفير بيئة اجتماعية يمكن للناس فيها معرفة ومناقشة التاريخ والثقافة العربية.

قالت موريال قهوجي، رئيسة قسم الإعلام في متحف سرسق في بيروت، “عفكرة منصة غير رسمية تمنح الناس المهتمين بالمعرفة العربية فرصاً لاستكشاف القضايا وسط جو مريح وودي مع أشخاص أخرين من خلفيات متنوعة. إنها غير موجهة لجمهور نخبوي أو منغلق بل لأشخاص منفتحين على كل ما يتم تقديمه.”

بدوره، قال مهنا  “نحاول خلق بيئة تساعد الناس على طرح أسئلة فكرية مثيرة للاهتمام، لكنها ليست بالضرورة أسئلة أكاديمية.”

مع بداية المحاضرة الأولى، طرح يزن قبطي سؤالاً حول المقصود بصدع البحر الميت ولماذا يجب أن نهتم به. قال “أنا لست خبيرًا، لذلك إذا كان هناك أي شخص من الحاضرين يعرف أكثر مني فأرجو أن يصحح أياً من معلوماتي ويشاركني الإجابة على الأسئلة. أنا لا أحاول إقناعكم بأية أجندة إلا أنكم يجب أن تكونوا أكثر قلقاً بشأن الزلازل مما أنتم عليه حالياً.”

بدأ مهنا المشروع عندما كان يعيش في نيويورك بهدف جمع الأصدقاء الذين يرغبون في استكشاف المعرفة العربية. منذ ذلك الحين، بدأت عفكرة بالنمو المطرد بحيث أصبح لديها اليوم جلسات في لندن والبحرين ودبي ونيويورك وواشنطن ومونتريال بيروت. كما يتطلع مهنا اليوم إلى إطلاق جلسات في عمان والكويت وبوسطن وباريس والدوحة وفي أي مدينة سعودية أيضاً.

Yazan Kopty, an Afikra team member, spoke at a Beirut gathering about earthquakes in the Middle East.
يزن قبطي خلال حديثه عن صدع البحر الميت. (تصوير: ساندرا زكي.)

يحتوي أرشيف عفكرة الإلكتروني على تسجيلات لمواضيع مثل تاريخ الغوص في البحرين، والموسيقا التقليدية في العراق، والقصة الحقيقية لملكة سبأ، والسمات الرئيسية للعمارة الإسلامية، وأعمال الكاتب المصري توفيق الحكيم. يتم تقديم كل ذلك من قبل هواة متحمسين وغير متخصصين لكنهم يرغبون بمشاركة الحاضرين اهتمامهم الشخصي في موضوع معين.

حتى الآن، يتم عقد الجلسات باستخدام اللغة الإنجليزية. لكن ذلك “قد يتغير” بحسب مهنا الذي أوضح أنه يتوجب على المتحدثين البحث بالعربية أيضاً وليس فقط التحدث بها.

تعقد الجلسات وفق مبدأ أساسي يقوم على عدم الإعلان المسبق على موضوعها.

قال مهنا “عندما يسأل الناس عن موضوع الجلسة أجيبهم إذا لم يكن لديكم فضول معرفة ذلك فلا يجب عليكم القدوم. في نهاية كل جلسة، غالباً ما يقولون  لو كنا نعرف أن الحديث سيكون عن القطارات في الإمبراطورية العثمانية لما أتيتنا، لكن في الواقع كان الأمر مشوقاً حقاً.”

أيضاً يبدي مهنا حرصاً على عدم الزج بأي محادثات سياسية أو أيديولوجية في مواضيع الجلسات، حيث يتم تشجيع الموضوعات الأقل شهرة في المعرفة العربية، كما يطلب من الحضور طرح الأسئلة والنقاش بهدوء ودون تعصب.

حتى الآن، يبدو أن مشروع عفكرة ناجح خاصة مع كثافة الحضور. ويتمنى مهنا زيادة عدد الجلسات لتلبية رغبة الحاضرين لكن مع مراعاة جودة ونوعية اللقاءات.

قال مهنا “هناك الكثير من الناس الذين يريدون منا أن ننمو بسرعة كبيرة وأن نطلق جلسات في كل مكان. أتلقى رسائل إلكترونية طوال الوقت تسأل لماذا لا نطلق محاضرة في رام الله، أو أي مكان أخر. لكننا نريد التأكد من أن كل ما نقوم به يتم بشكل جيد. يجب علينا طهي طبق واحد في كل مرة، أو على الأقل عدم تناول الكثير من الأطباق في كل مرة.”

بدأت أفكار مهنا حول التدريس والتعلم في التطور عندما كان مدرسًا في لويزيانا بالولايات المتحدة عام 2013. إذ كان يعمل في مشروع في نيو أورلينز يدعى الفضاء الإيجابي،  يهتم بتدريس خريجي المدارس الثانوية ذوي الدخل المنخفض أساسيات برمجة الكمبيوتر.

لم يعلم المشروع الطلاب كيفية كتابة رمز الكمبيوتر فحسب، بل ساعدهم أيضًا على تطوير مهارات تعلم “لينة” لا تقل أهمية. ووجد مهنا أن الطريقة الأكثر فاعلية لجعلهم يتعلمون طريقة الترميز هي تشجيع فضولهم الطبيعي ومساعدتهم على حل المشكلات من خلال نشاطات اجتماعية.

https://www.bue.edu.eg/

قال “إذا كانت لدي مشكلة فسأجد أشخاصًا آخرين لديهم مشكلة مماثلة.” موضحاً “في معظم الحالات، فإن إيجاد حل لمشكلة كتابة كود الكمبيوتر ينطوي على البحث في منتديات الإنترنت. لكن عند إدخال الكلمات في محرك بحث، يتوجب صياغة السؤال بطريقة تجعلك تحصل على إجابة مفيدة. هناك نوع من الانضباط الفكري في اختيار الكلمات المناسبة لاستخدامها في تشكيل السؤال وهو ما نرغب أن يفهمه الناس.”

لاحقاً، استخدم مهنا نفس الأسلوب التعليمي عندما انتقل إلى نيويورك وشعر بالرغبة في معرفة المزيد عن الثقافة العربية بعد أن أمضى سنوات عديدة في العيش خارج المنطقة. إذ تابع فضوله الخاص وشارك الآخرين هذا الفضول، فكانت النتيجة “عفكرة”.

ميشا توبيا، واحدة من منظمي جلسات عفكرة في بيروت تقدم أحد المتحدثين. (تصوير: ساندرا زكي).

ومع بداية عامها الخامس، يعمل في عفكرة نحو 50 موظف متطوع في جميع أنحاء العالم.

قال مهنا “نحن نعمل على جعل الناس أكثر فضولاً، ومساعدتهم على صقل فضولهم خاصة وأن الناس الفضوليين يمكن أن يكونوا ناجحين، والأشخاص الناجحين يمكن أن يكونوا أعضاءً جيدين في المجتمع وهم بدورهم سيبنون مجتمعات جيدة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى