أخبار وتقارير

جهود بحثية لمواجهة شبح التغيُّر المناخي في تونس

تونس- تتسبب التغيرات المناخية غير المسبوقة التي تشهدها البلاد منذ عامين في تزايد اهتمام الباحثين بتقصي ودراسة الأسباب وراء هذه التغييرات وسبل مواجهتها.  إذ تشهد تونس بمختلف مدنها ارتفاعاً غير اعتيادي في دراجات الحرارة خلال الصيف واحتباساً للأمطار في فصل الشتاء مما ينعكس بصورة سلبية على الزراعة والمناخ، بحسب ما يؤكد الباحثون.

قال زهيرالحلاوي، أستاذ محاضر في الجغرافيا وعلوم المناخ ومختص في التغييرات المناخية في جامعة 9 أفريل بتونس ورئيس جمعية التغييرات المناخية وهي جمعية غير حكومية، “تظهر مؤشرات الدراسات تغييرات في مناخ البلاد المتوسطي، فهناك ازدياد مستمر في درجات الحرارة ونقص مستمر في معدل الهطولات المطرية مما يعني ضرورة العمل على إيجاد مصادر جديدة للمياه اللازمة للشرب والأنشطة الزراعية.”

عاشت تونس خلال أشهر الصيف الماضي تغييرات مناخية لم تشهدها سابقاً. إذ بلغت درجات الحرارة في 14 شهر تمور/ يوليو الماضي 49.3 درجة في ولاية توزر بحسب المعهد الوطني للرصد الجوي واستمرت موجة الحر إلى أكثر من 28 يوماً، في حين أنها لم تكن تتجاوز 35 درجة في الأعوام السابقة ولم تكن لتستمر لأكثر من 14 يوم في السنة. ترافقت موجة الحر مع هطول غزيز للأمطار تسبب في فيضانات غير مسبوقة في مدن الشمال مثل سليانة وبنزرت، مما أثار مخاوف الباحثين حول المستقبل المناخي بصورة أكبر خاصة وأن  ارتفاع الحرارة يتسبب بانخفاض سطح البحر مقارنة باليابسة. (اقرأ القصة ذات الصلة: مشاكل المياه وراء انعدام المساواة في تونس).

كما تشير توقعات وزارة الشؤون المحلية والبيئة إلى أن ارتفاع مستوى البحر بمعدل 30 إلى 50 سم في حدود 2050 مما سيؤدي إلى تراجع الشواطئ من 20 الى 135 سم وخسارة حوالي 700 ألف هكتار من المناطق المبنية بسبب مداهمة المياه.

قال الحلاوي “هناك عدد من الجزر والمدن الساحلية ستغرق بالمياه نتيجة لذلك، مثل مناطق في جزر قرقنة وجربة ومدن في الشمال الشرقي، حيث توجد معظم المنشآت الاقتصادية والسياحية وآلاف التجمعات السكنية.”

تستوجب التغييرات المناخية تغييراً في أنواع الزراعات في المناطق الفلاحية خاصة وأنالتغيرات المناخية ستؤدي الى تقلص المساحات المخصصة لزراعة القمح في تونس بنسبة 20 بالمئة سنة 2050 بحسب المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية. إذ تسجل البلاد، سنويا، عجزًا يقدر ب 275 مليون متر مكعب، مع استهلاك سنوي يقدر بـ 4845 مليون متر مكعب في حين تبلغ مواردها المائية 4503 مليون متر مكعب. وتعد الزراعة القطاع الأكثر استهلاكا للماء بـ 3600 مليون متر مكعب بحسب تصريح سمير بالطيب وزير الفلاحة.

تتنوع اقتراحات الباحثين للتأقلم مع التغييرات الجديدة مابين خطط ترشيدية لاستهلاك المياه وأخرى تنفيذية لتوفير مصادر بديلة. إذ يدعو الحلاوي، على سبيل المثال، إلى استعادة الأشكال المعمارية القديمة للمنازل العربية والتي كانت تحتوي في فنائها على حافظات الماء أو ما يعبرعنه بالماجل في كل منزل.

قال “يجب إشراك طلاب الهندسة المعمارية منذ الآن في خطط مواجهة التغييرات المناخية، بحيث يدرسوا ويبحثوا جيداً في نوعية وشكل المباني التي نحتاجها في المواقع المهددة بالغرق.” مضيفاً “هناك أنواع من الغراس التي تتماشى مع نقص الماء وارتفاع الحرارة، يجب تبني استراتيجية زراعية تتعايش مع ندرة المياه من خلال توسيع طرق الري بالتنقيط وتوعية الفلاحين بأساليب الزراعة الحديثة والغراس الواجب تجنبها.”

على المستوى الإقليمي، أطلق مجموعة من الباحثين والأكاديميين من تونس وليبيا والجزائر وموريتانيا والمغرب، الشهر الماضي، شبكة تجمع باحثين وخبراء في التغيرات المناخية ومصادر المياه البديلة والطاقات المتجددة بهدف تنسيق الجهود والعمل المشترك لمواجهة التغييرات المناخية في بلدانهم.

قال الحلاوي “التغييرات المناخية قادمة بلا شك ولا بد من الاستعداد للمواجهة، والعمل الإقليمي ضروري لإحداث التغيير.”

تلقى اقتراحات الباحثين صدى طيباً لدى الحكومة التونسية، إذ أعلنت وزارة الفلاحة مؤخراً عن بدء الإعداد للمخطط الوطني للتأقلم والتكيف مع التغيرات المناخية لتأمين الأمن الغذائي الرامي الى الحماية من تأثيرات الاحتباس الحراري، التي تطال النشاط الفلاحي والامن الغذائي والشريط الساحلي والموارد المائية والصحة والبنية التحتية وذلك بالتعاون مع عدد من الباحثين وخبراء المناخ.

زهيرالحلاوي، أستاذ محاضر ومختص في التغييرات المناخية في جامعة 9 أفريل بتونس. (الصورة: ابتسام جمال)

على المستوى المدني، أطلقت منظمة راج تونس، وهي منظمة شبابية أهلية، منصة الكترونية تفاعلية بعنوان المنتدى الأخضر للمناخ، هي الأولى من نوعها في تونس وإفريقيا بهدف نشر الوعي و حول أهم القضايا والإشكاليات البيئية التي تعاني منها تونس ورصد مدى التزام الدولة بتطبيق الاتفاقيات الدولية في ما يتعلق بالمحافظة على البيئة والمناخ.

قالت آمنة فوراتي، منسقة الشبكة، “التحرك الحكومي يبدو ناقصاً في ظل غياب أليات التنفيذ المباشر، والدور الأكبر في البحث يجب أن تلعبه الجامعات.”

تدرس كليات الهندسة في تونس التغييرات المناخية ضمن مواد للطلاب ولكن ليس بشكل منفصل، كما لايوجد حتى اليوم تخصص منفصل للهندسة البيئية، بحسب الحلاوي.

تعتقد فوراتي أن هناك حلقة مفقودة بين جهود الباحثين والطلاب في المؤسسات الأكاديمية والسياسات الحكومية. قالت “نسعى إلى تنظيم ملتقى يجمع باحثين جامعيين ومسؤولين من الحكومة وصحفيين مهتمين بموضوع التغييرات المناخية لطرح سبل تطوير البحوث وتطبيقها لتوفير الوقت والجهد والتمويل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى