أخبار وتقارير

لورانس أبو حمدان يحاكي أصوات سجون سوريا

يصف لورانس أبو حمدان، الفنان الأردني البالغ من العمر 33 عامًا والمقيم في بيروت، نفسه بأنه “شاهد سماع” – ويقصد الشخص الذي يدلي بشهادته علانية بخصوص ما سمعه. والكلمة تحريف لمصطلح “شاهد عيان” الأكثر شيوعًا، والذي يشير إلى الشخص الذي شهد جريمة أو حادث ما ويدلي بإفادته بخصوص ذلك.

من خلال عمله الذي يربط بين الفن المفاهيمي والصحافة الساعية للتوثيق، يُظهر أبو حمدان كيف يمكن أن يكشف التحقيق الصوتي عن حالات قد تبقى مخفية من دون القيام بذلك. يستخدم الفنان تقنيات من التكنولوجيا الحديثة، ويعرض نتائج تحقيقاته بطرق تثير الضمير وتثير، في الوقت ذاته، مشاعر الاستغراب والرعب.

يركز جزء كبير من عمله على القضايا الدائرة في البلدان العربية. يقدم عمله بعنوان مسرح شاهد سماع Earwitness Theatre، وهو تركيب متعدد الوسائط والمعروض في صالة تشيزينهيل في لندن حتى 9 كانون الأول/ ديسمبر، قصة مرعبة عن تجارب السجناء في سجن صيدنايا السيئ الصيت في سوريا.

يعتبر صيدنايا أحد السجون التي تستخدمها الدولة السورية لمعاقبة وكسر المواطنين السوريين الذين دخلوا في صراع معها، ولاسيما منذ بداية ثورة عام 2011 التي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية المستمرة. تمنع الحكومة دخول الصحافيين أو الدبلوماسيين الأجانب أو المنظمات غير الحكومية إلى السجن، وتنفي وقوع حالات تعذيب وقتل داخله. وفي ظل غياب الكلمات أو الصور عن الموقع، عمل أبو حمدان في مشروع لبناء نموذج للسجن يستخدم ذكريات ما سمعته مجموعة من السجناء السابقين خلال فترة سجنهم هناك.

وجد أبو حمدان بأن السجناء في صيدنايا قد أصبحوا على وعي شديد بالأصوات المحيطة بهم. غالبًا ما كانوا معصوبي الأعين ومتروكين في الظلام؛ وبذلك تم تعزيز وعيهم بالصوت من خلال قاعدة الصمت: فقد كان يُحظر على السجناء التحدث مع بعضهم البعض، أو حتى الصراخ عند تعرضهم للضرب. هكذا قاموا ببناء نماذج صوتية ثلاثية الأبعاد للسجن في أذهانهم؛ وعرفوا تدريجيا من الأصوات التي كانوا يسمعونها بوصول سجناء جدد، أو باقتراب الحراس مرورا في الممرات. كان السجناء يهمسون لبعضهم البعض فقط، وهو صوت يمكن أن ينتقل في العادة إلى مسافة قصيرة فحسب.

في مقابلة مع القيمة إيلين غريغ، قال أبو حمدان “في صيدنايا، لا يمكنك أن تتكلم، لا يمكنك أن تسعل، لا يمكنك حتى أن تتحرك، وبذلك أصبح الصمت ذلك الشيء المادي للغاية”. عادة ما نفكر في الصمت بصفته إثراء روحاني – صلاة صامتة على سبيل المثال، أو الأفكار الموسيقية الميتافيزيقية لجون كيج؛ لكن الصمت، في هذا العمل، مرعب.

يقع سجن صيدنايا على بعد حوالي 30 كلم إلى الشمال من دمشق. وعلى خرائط جوجل، يمكن التعرف عليها بوضوح من خلال شكله ذي الزوايا الثلاث. بُني السجن في عام 1987، وفق تصميم ألماني شرقي (يعبر عن إرث من علاقات الحرب الباردة بين سوريا البعثية ودول الكتلة الشرقية السابقة). وفي فكاهة سمجة، أطلق عليه مرسيدس بنز للسجون، بسبب التصميم الألماني وتشابه مظهره مع العلامة التجارية ذات الزوايا الثلاث لشركة تصنيع السيارات.

في معرض تشيزينهيل، يدخل الزوار غرفة مظلمة تمامًا من الداخل. وتشغل مكبرات الصوت تشكيلات صوتية لأصوات السجناء، مترجمة بصوت خافت من العربية إلى الإنجليزية. فضلاً عن المؤثرات الصوتية التي تم إنشاؤها لمحاكاة المحيط الصوتي للسجن، والبيانات التقنية عن القياس المقارن لشدة الصوت والأصوات الخافتة. وخارج غرفة الاستماع، رتب الفنان مجموعة من الأشياء الدنيوية الغريبة المستخدمة في خلق المؤثرات الصوتية.

في أحدث تقرير سنوي لها، قدرت منظمة العفو الدولية بأن ما يقرب من 13,000 شخص لقوا حتفهم في سجن صيدنايا، في “اعدامات خارج نطاق القضاء في جلسات شنق جماعية بين عامي 2011 و2015”.

معرض لورانس أبو حمدان في لندن (تصوير: آندي كيت)

سجل أبو حمدان ذكريات سجناء صيدنايا السابقين بالتعاون مع منظمة العفو الدولية وفريق العمارة الجنائية، وهي مجموعة بحثية مقرها في غولدسميث بجامعة لندن، حيث حصل أبو حمدان على شهادة الدكتوراه. يصف فريق العمارة الجنائية عمله بأنه “يعمل على إنتاج وعرض الأدلة المعمارية … نيابة عن المدعين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان ومجموعات العدالة السياسية والبيئية.” في وقت سابق من هذا العام، وبالتعاون مع صحيفة نيويورك تايمز، استخدم فريق العمارة الجنائية تقنيات رقمية قوية لإنشاء تحليلات مفصلة للمباني المدمرة لإظهار الكيفية التي قام بها النظام السوري بإلقاء أسلحة كيماوية على مناطق سكنية في مدينة دوما، ليدحض بذلك مزاعم وسائل الإعلام الرسمية الروسية والسورية التي نفت حدوث مثل هذه الهجمات.

وكما هي أعمال أبو حمدان، فإن أعمال العمارة الجنائية تمتد إلى مجالات البحث والفنون التحقيقية. انبثقت المجموعة من قسم الثقافات المرئية في غولدسميث بجامعة لندن، وكانت أحد أربعة متأهلين للتصفيات النهائية لجائزة تيرنر لعام 2018، وهي أرفع جائزة للفنون البصرية في المملكة المتحدة. (أنتجت تيت بريطانيا، حيث تم عرض أعمال الفنانين المختارين للقائمة القصيرة، فيديو قصير يشرح أعمال العمارة الجنائية.) قالت كريستينا فارفيا، نائبة مدير القسم، في الفيديو، “نحن بمثابة علماء أمراض المباني. نحن نقرأ المباني ونقرأ الآثار حتى نتمكن من فهم ما حدث. تدور الحروب المعاصرة في المناطق الحضرية في المقام الأول. يتوافر المهندسون المعماريون على وضع جيد يؤهلهم لفهم ما حدث في الحرب.”

تعتبر العلاقة بين الجوانب السياسية والجمالية لهذا العمل معقدة، بحيث يصعب تحديدها ويستحيل تبسيطها. لكن الطريقة التي تقدم من خلالها المعلومات جديدة بالتأكيد ولها جمال غريب – انظر، على سبيل المثال، كتاب لورانس أبو حمدان بعنوان “حرية التعبير نفسها“. بإمكان هذه المزايا أن تساعد فقط في لفت الانتباه إلى القضايا التي تحقق فيها.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى