مقالات رأي

فلسطينيو سوريا في مصر: لاجئون بلا حقوق

بصفتي باحثة في قضايا الهجرة واللاجئين، ساهمت في مشروع بحثي أجراه مركز دراسات الهجرة واللاجئين في الجامعة الأميركية في القاهرة والذي قام بالتحري عن وضع اللاجئين من فلسطينيي سوريا في القاهرة. ازداد اهتمامي بالموضوع بشكل أكبر عندما علمت بأن اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، وعلى الرغم من ولادتهم ونشأتهم في سوريا وتعريفهم بأنهم فلسطينيون سوريون، إلا أنه لا يتم اعتبارهم لاجئين كما هو حال نظرائهم من المواطنين السوريين.

يثير هذا التمييز ضد مجموعة مهمشة من اللاجئين العرب في العالم العربي بعض التساؤلات الجدية حول كيفية تعامل بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القائمة على خطاب القومية العربية مع مجموعة تدعي بأنها تحميها. في مصر، تعتبر السياسات التي تعامل اللاجئين الفلسطينيين السوريين بشكل مختلف عن اللاجئين الآخرين تمييزية بشكل صارخ وقد أدت إلى حدوث مجموعة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

تحرم الحكومة المصرية اللاجئين من فلسطينيي سوريا من الخدمات والمزايا الأساسية، مثل حق التعليم والعمل. كما تحرمهم من الاعتراف القانوني بهم كلاجئين، وهو وضع يمكن أن يوفر لهم الحماية الدولية.

منذ اندلاع الصراع في سوريا، نزح حوالي 280,000 لاجئ فلسطيني من سوريا إلى أماكن أخرى داخل سوريا، بحسب وكالة الأنروا، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في بعض البلدان. وفر نحو 120,000 شخص آخرين إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك لبنان والأردن وتركيا ومصر، فضلا عن أوروبا.

في مصر، سجّل حوالي 3,480 فلسطينيًا سوريًا في السفارة الفلسطينية بين عامي 2013 و2018، لكن 2,860 منهم فقط ما زالوا في مصر الآن. لا تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار أولئك الذين لم يسجلوا لدى السفارة. ينجم الانخفاض الحاد في أعداد الفلسطينيين-السوريين في مصر عن ما يواجهونه من تجاهل قانوني وغياب للحقوق الأساسية، مثل الحق في التعليم.

في البداية، كانت قيود الدخول إلى مصر أقل مقارنة مع الدول العربية الأخرى. بالنسبة للعديد من فلسطينيي سوريا الذين جاءوا إلى مصر، لم يكن لدى الدولة أية قيود على السفر، ووفرت مصر لهم ظروف معيشية أفضل وبأسعار معقولة وبيئة أكثر ترحيباً. غير أن هذا الوضع تغيّر بمرور الوقت، فاختار العديد من الفلسطينيين-السوريين مغادرة مصر، ليخاطروا بقيامهم برحلات بحرية خطرة عبر الهجرة غير النظامية بهدف الوصول إلى البلدان التي توفر فرص أفضل للحصول على الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية مثل التعليم.

أجرى مركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة مقابلات مع فلسطينيين سوريين في مصر كجزء من مشروعه. وصف أحد الفلسطينيين السوريين الوضع كما يلي:

“[نحن] لا نستطيع الحصول على التعليم الجامعي. نحن نُعامل قانونيًا كضيوف، وبالتالي لا يمكننا التسجيل في المدارس، على عكس السوريين الذين يعتبرون لاجئين.”

يعد التعليم في كافة المراحل أحد أبرز التحديات التي يواجهها الفلسطينيون-السوريون في مصر. ففي كل المقابلات الثلاثين التي أجريت، كانت عدم القدرة على الوصول إلى نظام التعليم المشكلة الأكثر ذكراً. في الواقع، ذكر اللاجئون الفلسطينيون-السوريون مع أقاربهم الذين اختاروا طريق البحر إلى أوروبا في كثير من الأحيان عدم القدرة على متابعة التعليم كسبب لاختيار الهجرة غير الشرعية.

لم يكن هذا هو الحال دائما بالنسبة للفلسطينيين. فمنذ منتصف الخمسينيات وحتى حوالي العام 1978، تمتع الفلسطينيون الذين شردهم تأسيس إسرائيل بحقوقهم في مصر أسوة بالمصريين. فقد كان التعليم الحكومي مجانياً لجميع الفلسطينيين، بما في ذلك الجامعة للطلاب المؤهلين.

لكن بالنسبة للأجيال اللاحقة من الفلسطينيين، بدأت تلك المزايا بالاختفاء، وفقاً لدراسة أجرتها عروب العابد عام 2009، بعنوان مجتمع غير محمي: اللاجئون الفلسطينيون في مصر منذ العام 1948“.

ففي ربيع عام 1978، أصدرت وزارة التعليم قراراً يقضي بنقل الأطفال الفلسطينيين من المدارس الحكومية المجانية إلى المدارس الخاصة، حيث يتعين عليهم دفع الرسوم.

في عام 1979، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارًا مشابهًا على المستوى الجامعي طالب الفلسطينيين بدفع رسوم دراسية بالجنيه الإسترليني كأقرانهم من الطلاب الأجانب. وفي عامي 1983 و1984، أصدرت الوزارة قرارات أكدت من جديد على وضع الفلسطينيين كأجانب وكررت فرض حظر على دخولهم للتخصصات التقنية مثل الطب والهندسة.

في سوريا، كان المهجرون الفلسطينيون يتمتعون بتعليم مجاني وبالحقوق الأخرى أسوة بالمواطنين السوريين، باستثناء الترشح للمناصب العليا والتصويت. يعتبر الفلسطينيون التعليم جزءً حاسماً من هويتهم والطريق الرئيسي للحصول على الأمن والعمل اللائق والمستقبل المستقر.

لم يعد هذا متاحًا للسوريين الفلسطينيين في مصر. ففي المقابلات التي أجراها مركز دراسات الهجرة واللاجئين، تظهر لنا كيف أكدت إحدى السيدات على أهمية التعليم بالنسبة للفلسطينيين:

“تفوق [الفلسطينيون] في التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم ما بعد الثانوي. نحن نشدد على أهمية التعليم في مجتمعنا. لذلك، عندما جئنا إلى مصر ولم نتمكن من تسجيل أطفالنا في المدارس وإرسالهم إلى الجامعة، صُدمنا وكثير منا هاجروا عبر البحر إلى أوروبا لمجرد إرسال أطفالهم إلى المدرسة.”

فيما أشارت شابة فلسطينية سورية إلى أنها، وعلى الرغم من قبولها في جامعة القاهرة لدراسة العلوم السياسية، اضطرت إلى التأجيل لعدم قدرتها على دفع الرسوم الخاصة بالأجانب:

“قيل لي بأنني بحاجة إلى دفع ما يعادل 2,000 جنيه استرليني أو أنني سأفقد مقعدي في الجامعة. قمت بالتأجيل لمدة عام ولا أعرف ماذا سأفعل هذا العام.”

وانتهى بها الأمر إلى التأجيل لعام آخر، وفي النهاية خسرت مقعدها في الجامعة.

من الناحية القانونية، يتم التعامل مع الفلسطينيين السوريين كضيوف في مصر. وهذا يعني أنه يتعين عليهم دفع 2,000 إلى 3,000 جنيه مصري في السنة لكل طالب لتسجيل أطفالهم في المدارس الابتدائية. وبالنسبة للأسر التي لديها العديد من الأطفال، فإن هذا الأمر يشكل في مجموعه مبلغا لا يستطيع العديد من الفلسطينيين السوريين دفعه.

وفيما يتعلق بالمدارس الثانوية، أشار الفلسطينيون السوريون إلى أنه قد قيل لهم بأن عليهم تسجيل أطفالهم في المدارس الخاصة، التي تتقاضى أجورًا تتراوح ما بين 700 و6,000 جنيه مصري.

خلال العام الذي أمضاه الرئيس السابق محمد مرسي، الذي أطاح به انقلاب عسكري في تموز/ يوليو 2013، تمكن الأطفال الفلسطينيون-السوريون من التسجيل في المدارس العامة. غير أن ذلك تغير في ظل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

اعتبارًا من العام 2016، تم السماح للطلاب الذين كانوا مسجلين بالفعل في المدارس الحكومية بالاستمرار حتى نهاية المستوى الدراسي، من دون أن يكون في إمكانهم الاستمرار بعد ذلك. يواجه الطلاب في المدرسة التمييز والسخرية بسبب هويتهم الفلسطينية. تحدثت طفلة فلسطينية سورية في الصف العاشر عن تجربتها في النظام المدرسي المصري، قائلة “أخبرني المعلمون بأنه ليس هناك وطن اسمه فلسطين، وأنني قد بعت أرضي وأستحق النتيجة التي أواجهها الآن. كما أنني أتعرض لمضايقات من زملائي في المدرسة، لكوني فلسطينية، رغم أنني ولدت وترعرعت في سوريا.”

تجدر الإشارة إلى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة، وهي الوكالة الرئيسية للأمم المتحدة لمساعدة وحماية اللاجئين في جميع أنحاء العالم، غير قادرة على تسجيل ومساعدة السوريين الفلسطينيين الذين نزحوا مرة أخرى إلى مصر وبلدان أخرى – على عكس نظرائهم من المواطنين السوريين، المؤهلين للحصول على وضع اللجوء ليكونوا قادرين على التسجيل في المدارس مجانا. تعمل الأونروا، وهي الوكالة التي تتعامل بشكل خاص مع اللاجئين الفلسطينيين، في فلسطين والعديد من الدول المجاورة، ولكنها لا تعمل في مصر.

يحتاج اللاجئون الفلسطينيون-السوريون في مصر إلى الحصول بشكل أفضل على الخدمات الأساسية، ولاسيما التعليم. وتحتاج الحكومة، على أقل تقدير، إلى كفالة حق الوصول الى التعليم للفلسطينيين-السوريين من الفقراء الذين لا يستطيعون إرسال أطفالهم إلى المدارس الخاصة. لن يساعد هذا النهج في جعلهم أعضاء منتجين في المجتمع فحسب، بل سيساعد أيضًا في جعل انتقالهم النهائي إلى سوريا ما بعد الحرب أسهل.

هناك العديد من الخطوات الأخرى التي يجب على الحكومة والجامعات اتخاذها لتخفيف محنة الفلسطينيين السوريين في مصر.

ليس في إستطاعة الفلسطينيين-السوريين العمل، أو الحصول على تصاريح الإقامة، أو تأمين مستقبل لأنفسهم. على السلطات المصرية أن تسمح لجميع اللاجئين من سوريا، بما في ذلك الفلسطينيين، بتجديد إقامتهم في مصر إلى أن يحدث تغيير جوهري في الظروف في سوريا من شأنه أن يجعل عودتهم آمنة. ويتوجب عليها إما التنازل عن رسوم تجديد التأشيرة لجميع اللاجئين من سوريا، أو فرض رسوم رمزية فقط.

كما يتوجب على السلطات المصرية أن تسمح للفلسطينيين السوريين بالتسجيل في المفوضية والحصول على وضع اللجوء رسميا، نظرا لغياب خدمات الأونروا في مصر. يجب على الحكومة أيضًا أن تضمن تسجيل جميع أبناء الفلسطينيين السوريين وفقاً لالتزام مصر باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

كما يتوجب على الجامعات الحكومية والخاصة في مصر، مثل الجامعة الأميركية في القاهرة والجامعة الألمانية في القاهرة، أن توفر المزيد من الزمالات والمنح الدراسية على مستوى الدراسة الجامعية والدراسات العليا للاجئين الفلسطينيين-السوريين. يجب أن تستكمل هذه الزمالات بتقديم الخدمات والبرامج التي توفر دورات تدريبية باللغة الإنجليزية أو المهنية لتنخرط مع المجتمع وتساهم في تمكين الطلاب.

وينبغي علينا، كباحثين، أن نبذل جهدًا أكثر تركيزا لتسليط الضوء على وضع الفلسطينيين-السوريين في مصر والتأكد من إيصال أصواتهم.

*طيبة فاتلي، مساعد باحث في مركز دراسات الهجرة واللاجئين في الجامعة الأميركية في القاهرة.

Countries

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم
    مصر لا تحرم السوريين والفلسطنيون من التعليم المدرسي او الجامعى بدون مقابل
    هذا كلام ادعاء وافتراء فلتذهبوا للجامعات المصرية لتجدوا السوريين بها الى جانب طلاب ليبيا والسودان

  2. شكرا على جهودك بالبحث الذي طرحتيه وماهي الحلول التي الت عن المقال وهل يوجد امل وكيف يمكننا التواصل معكم ولكم جزيل الشكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى