مقالات رأي

انعكاسات قطع العلاقات الدبلوماسية على الطلاب

في مطلع آب/ أغسطس، اندلع نزاع دبلوماسي بين كندا والمملكة العربية السعودية عندما انتقدت مسؤولة حكومية كندية سجل حقوق الإنسان في المملكة واستجابت الحكومة السعودية بسرعة بفرض عقوبات غير متوقعة. تضمن الرد السعودي طرد السفير الكندي ووقف الأنشطة التجارية الجديدة مع كندا.

لم يكن المسؤولون الحكوميون والشركات التجارية المتضررين الوحيدين من جراء هذا الانقسام. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 15,000 طالب وطالبة تمول الحكومة السعودية دراستهم قد علقوا في الخلاف عندما تم نقلهم فجأة من الجامعات الكندية إلى مؤسسات للتعليم العالي في بلدان أخرى.

عندما يتعطل تعليم الطلاب، لن يعاني هؤلاء من تأخر حصولهم على  الدرجات العملية فحسب. إذ يحصل العديد من الطلاب السعوديين، سواء في الداخل أو الخارج، على فرص للتعرّف على الشركات وبيئات العمل أثناء الدراسة في تلك الجامعات. من شأن هذه الفرص، التي تشمل التدريب والفعاليات التشابكية المعروفة باسم اللقاءات التي تجمع الطلاب مع المتخصصين في الصناعة، أن تضيع أيضا عندما تسحب الحكومات طلابها من الجامعات. توضح هذه الفرص بشكل أكبر اسباب وجوب بذل الدول كل الجهود للحفاظ على العلاقات التعليمية رغم خلافاتها.

تجارب أماكن العمل

تتواجد الفرص التي تعمل على وصل الشركات الأجنبية وطلاب الجامعات السعودية مع بعضهم البعض في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، أنشأت الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة مركزها للتطوير الوظيفي للمساعدة في ربط الطلاب السعوديين الموهوبين الذين يدرسون في الولايات المتحدة بشركات تقدم لهم التدريب وفترات مخصصة لذلك في الشركات.

بالنسبة لأولئك الذين يدرسون في جامعات المملكة العربية السعودية، هناك برامج مثل تلك التي تقدمها مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (مسك) ومكتب الاتصال الألماني السعودي للشؤون الاقتصادية الذي يضع الطلاب السعوديين في دورات تدريبية مع الشركات الألمانية العاملة في المملكة العربية السعودية.

تقوم الشركات التي تمتلك مواقع في المملكة العربية السعودية أيضاً بتوظيف الطلاب مع اقتراب تخرجهم. تعتبر تترا باك، وهي شركة لتغليف المواد الغذائية لديها مقرات في كل من السويد وسويسرا وفرع في المملكة العربية السعودية، مثال على شركة تركز على تنمية المواهب الشابة السعودية.

تشير الشركات، التي تقدم للطلاب الدوليين الفرصة لتجربة ما يمكن أن يبدو عليه أن تكون أحد موظفيها، بأن التعلم من خلال التجربة، عوضا عن التعلم من الأكاديميين فحسب، جزء لا يتجزأ من نجاح الطلاب في مجال الأعمال.

بالإضافة إلى ذلك، يوضح مركز التطوير الوظيفي التابع للملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة إستفادة كل من الشركات والطلاب من برامج التدريب للطلاب الدوليين. بالنسبة للشركات، تتضمن المنافع انخفاض تكاليف التوظيف والتدريب وفرصة للتعرف على الموظفين المحتملين قبل تقديم وظائف دائمة. يمكن لكل من الشركات والمتدربين أن يتعلموا المزيد عن ثقافة الآخرين، مما يعزز الفهم الذي يمكن أن يحسّن التفاعل في أماكن العمل.

يمكن للطلاب السعوديين، في البداية على وجه الخصوص، أن يجدوا صعوبة في إنجاز المهام في أماكن العمل التي لا تعمل من خلال تسلسل هرمي للقيادة. من شأن اﻟﺘﻌﺮض اﻟﻤﺒﻜﺮ والتدريب على التواصل ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت أن يكون مفيداً ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻃﺮاف اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ.

لا يقتصر دور التدريب والتجارب الأخرى في أماكن العمل على ربط الموظفين بأرباب العمل المحتملين فحسب، بل تقوم أيضًا بربط الموارد والشبكات لتساعد على تحقق الأفكار الإبداعية على أرض الواقع. يكتسب الطلاب السعوديون مصادر جديدة من الخبرة والأدوات لتطوير الأفكار التي قد يقدّمونها في المملكة العربية السعودية، وتكتسب الشركات الأجنبية نظرة ثاقبة على الأسواق والاتجاهات الممكنة هناك.

يرغب الطلاب في الحصول على مثل هذه الفرص. ففي استطلاع حديث أجرته مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، قال 90 في المئة من الطلاب العرب الذين شملهم الاستطلاع إنهم يعتبرون التدريب مهمًا، على الرغم من كون التدريب الرسمي مفهوم جديد نسبيًا في المنطقة العربية. وإذا ما تعطلت الروابط التعليمية بسبب الخلافات بين الدول، فإن الخبرات التي يكتسبها الطلاب من أماكن العمل تصبح من بين الضحايا أيضًا.

اللقاءات

توفر اللقاءات بين المتخصصين في الصناعة والطلاب الذين يدرسون في الخارج أو الذين يدرسون في جامعات في المملكة العربية السعودية سبيلاً آخر للتواصل. توفر التبادلات التفاعلية وجهاً لوجه التي تحدث أثناء اللقاء فرصًا أخرى بالإضافة للتواصل، حيث يمكن للطلاب إظهار مهاراتهم اللغوية القوية والقدرة على التكيف مع التجارب الجديدة.

هكذا كانت تجربة ممثلي الصناعة الألمان المشاركين في لقاء مع ما يقرب من 80 طالب سعودي يدرسون في ألمانيا، والذي تم تنظيمه من قبل مكتب الاتصال الألماني السعودي للشؤون الاقتصادية وغرفة التجارة في فرانكفورت. يمكن أن تكون فرصة مراقبة نقاط القوة لدى هؤلاء الموظفين المحتملين عاملاً مهمًا في اتخاذ قرارات التوظيف.

في الوقت ذاته، تعمل هذه اللقاءات على إطلاع طلاب الجامعات على الأسواق المحتملة المتاحة للعمل في المملكة العربية السعودية. تعني الصراعات بين الدول، والتي تؤثر على التبادل في مجالات الأعمال والتعليم، أن مثل هذه اللقاءات لن تكون متاحة بعد ذلك.

الحفاظ على الروابط التعليمية

أبدت المملكة العربية السعودية رغبة في تحديث وتنويع اقتصادها من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر. ومن شأن هذه الاستثمارات أن تكون قادرة على خلق آثار إيجابية مستمرة على الإنتاج والابتكار هناك.

تستطيع الشركات الأجنبية أيضا، والتي تستغل مثل هذه الفرص، توسيع وجودها في السوق، فضلاً عن تعزيز استقرارها المالي. بعيداً عن الخطوط الأساسية، هناك إمكانات واضحة على البيئة والسياق الاجتماعي في المملكة العربية السعودية للاستفادة منها أيضاً – كما هو الحال عندما استخدمت الشركات التي تفتح هناك، على سبيل المثال، التكنولوجيا الخضراء أو بعض المبادئ التوجيهية للشركات في عملياتها.

تعد اللقاءات وخبرات أماكن العمل سبلاً لربط هذه الاستثمارات والأعمال مع الطلاب من المملكة العربية السعودية. أنها توفر الفرصة للطلاب لبناء المهارات والمعرفة، وشبكات الاتصال مع أولئك الذين قد يصبحون أصحاب عملهم  أو زملاء العمل في المستقبل.

بعيدًا عن الأعمال التجارية، تتيح هذه اللقاءات الفرصة للأفراد للتعرف على بعضهم البعض شخصياً. يجب عدم رفض مثل هذه الصلات، حيث أن الانتقاد من جانب الحكومات قد لا يكون دائمًا الطريقة الأكثر فعالية للتحفيز على التغيير. فكندا هي الأحدث من بين العديد من البلدان، بما في ذلك السويد وألمانيا، التي شهدت خلافات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية. تحتاج إمكانية تحديد أو قطع العلاقات رداً على النقد إلى التفكير بعناية في عملية صنع القرار الدبلوماسي.

التعليم لا يتم في فراغ، فهو مصحوب بالعديد من الفرص والإمكانات الجديدة للتفاعل. توفر مشاركة الطلاب في تجارب أماكن العمل واللقاءات خلال سنواتهم الجامعية وسائل بديلة لتحقيق المكاسب الفردية والوطنية، فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية. تعزز هذه الاحتمالات الإضافية السبب في أن لا يكون التعليم ضحية في النزاعات الدبلوماسية.

*إليزابيث آر. بروس، مستشارة مستقلة تعمل في مجال البحث والتحرير الصحافي، وقد عملت كجزء من عدد من المشاريع التي تركز على التعليم في الشرق الأوسط.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى