مقالات رأي

كيف يمكن للمعلمين توظيف الأنثروبولوجيا في الفصول الدراسية

من خلال تجربتي كمعلمة في وطني الأردن، تمكنت من ملاحظة كيف يمكن للتعليم إبراز القوة التي يتمتع بها الشباب بداخلهم. فبصفتي معلمة في بلدة أردنية صغيرة ومن ثم في العاصمة عمّان، قمت بتدريس طلاب من خلفيات متنوعة، كان من بينهم البدو والسوريين والفلسطينيين والعراقيين. وقد أدركت الحاجة إلى أهمية التعليم في بناء ثقة الطلاب بأنفسهم مهما كانت خلفياتهم الثقافية.

لتحقيق ذلك، يمكن أن تكون الأفكار المستقاة من العلوم الاجتماعية بشكل عام، ومن علم الأنثروبولوجيا على وجه الخصوص، مفيدة. أعتقد أن في الإمكان تكييف هذه الأفكار ووضعها موضع التنفيذ لتلبية الاحتياجات التعليمية للشباب في المنطقة العربية.

أرى المعلم وكأنه يعمل بمثابة نوع من الباحثين في الإثنوغرافيا “علم الأعراق”، لاسيما عندما يقود طلاب المدارس الابتدائية والثانوية للتحقيق في القضايا الاجتماعية التي تؤثر على حياتهم باستخدام أساليب مثل مراقبة المشاركين والمقابلات. من شأن هذا النوع من المشاركة أن يعزز دور المعلم في المدرسة والمجتمع، ويعرّف الطلاب والمدرسين على المعرفة المحلية المباشرة. ومن شأنه أيضاً أن يعزز دور المعلمين كعوامل للتغيير الاجتماعي في مجتمعاتهم (وربما يحسن من وضعهم الاجتماعي الفقير بشكل مزمن).

على سبيل المثال، يمكن للمعلمين أن يرشدوا طلابهم في البحث في تاريخ مدينتهم أو بلدتهم، والتراث الملموس وغير المادي والعادات المحلية. ويمكن دمج هذه النتائج بعد ذلك في مواضيع دروس اللغة الإنجليزية واللغة العربية، أو في الأجزاء ذات الصلة من حصص التاريخ. كما يمكن للطلاب في حصص العلوم الاجتماعية إجراء تحقيقات في طرق الحياة المتغيرة، والأنشطة الاقتصادية وأنماط إنفاق أسرهم، لفحصها فيما يتعلق بالبيئة والمجتمع ككل، وفي النهاية يمكن ربط كل هذه الأمور بمسائل العولمة والتغير التكنولوجي السريع.

شهدت المنطقة العربية اضطرابات اجتماعية هائلة في السنوات الأخيرة. أدت التحركات الجماعية الهائلة للاجئين والعمال المهاجرين، والنمو السكاني، واختلاط المجتمعات المنفصلة في السابق، والتحضر العمراني العشوائي، والزيادة الدراماتيكية في انعدام المساواة الطبقية، إلى تغيرات مدمرة في المجتمعات العربية. لذلك أعتقد بوجوب بذل المزيد من الجهد للاستجابة لهذه التغييرات، في إصلاح التعليم ولاسيما في كيفية تدريب المعلمين. في منطقتنا، لم يتم بذل سوى القليل من الجهد للتعامل مع الظروف الاجتماعية المتغيرة في الفصول الدراسية.

منذ خمسينيات القرن العشرين، رفعت الأنثروبولوجيا الوعي بشأن المجتمعات التي تعرضت للتجاهل، وقد استجاب المختصون في التعليم لهذا الأمر في عملهم من خلال تعزيز التنوع الاجتماعي والعدالة. في العديد من البلدان، ساهمت حركات الحقوق المدنية وإنهاء الاستعمار والاعتراف بالشعوب الأصلية وحقوق المهاجرين في استمرار النقاش حول الشمولية في التعليم.

أتمنى رؤية نموذج للتعليم في منطقتنا يجمع ويطور أفكارًا تكميلية من الأنثروبولوجيا. (تُعرف الفكرتان بالنسبة للمنظرين على التوالي بـ “الاستمرارية الثقافية” و “الانقطاع الثقافي“).

بالنسبة للفكرة الأولى، وفي مقالتها المنشورة عام 1995 بعنوان “نحو نظرية علم تربية مرتبط بالثقافة“، قالت المنظرة التربوية الأميركية والمعلمة غلوريا لادسون بيلينغز إن في الإمكان استخدام تنوع اللغات والطرق الثقافية بين الطلاب لمساعد تعليمهم بدلاً من عرقلته. وبكتابتها في السياق الأميركي، دعت المؤلفة إلى جعل التعليم مناسبا من الناحية الثقافية للطلاب من الأقليات، وخاصة الطلاب الأفارقة الأميركيين. وبذات الطريقة، وصف لويس مول وغيره “موارد المعرفة” التي واجهوها في تعليم أطفال العمال المهاجرين المكسيكيين في مدارس كاليفورنيا. يشير المصطلح إلى المعرفة والمهارات التي تعلمها هؤلاء الأطفال خارج الفصل الدراسي، في المنزل والعمل.

تتمثل الفكرة الثانية في إدراك الحقائق الاجتماعية المتغيرة بسرعة لطلاب اليوم. حيث يجد كثير من الأفراد اليوم أنفسهم منقطعين عن وطنهم الأم أو بلادهم أو ثقافتهم الوطنية وتراثهم ولغتهم. لقد أصبحت الثقافات والهويات هجينة وفضفاضة. من خلال إدراك هذا، يمكن للمعلم أن يساعد الطلاب في إيجاد طريقهم بنشاط ووعي في العديد من الخيارات المتاحة لهم.

يمكن للمعلمين استخدام هذه الأساليب لمساعدة الطلاب على استكشاف الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تشكل حياتهم. يمكن أن يقودهم ذلك إلى فهم قضايا مثل التغيرات والتطورات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتاريخية؛ أدوار الجنسين واللغات واللهجات، بما في ذلك تلك المستخلصة من التراث المحلي والفولكلور.

وأخيرًا، فإن استخدام المفاهيم الأنثروبولوجية للعرق ونوع الجنس والطبقة الاجتماعية يمكن أن يفسح المجال لتعليم أكثر شمولية يتجنب الحتمية الثقافية ويعطي اهتمامًا أكبر للثقافة كمجموعة من الاستعلامات والمهارات واللغة. بهذه الفكرة، يمكن للمعلمين التفكير في طرق لتشجيع الطلاب على أن يكونوا ناشطين بشكل فردي ومطلعين على الاستجابة للتغيير الاجتماعي والأزمات مثل الحروب والهجرات القسرية وتأثيراتها طويلة الأمد.

يمكن القول بأن هذا الأمر صعب بشكل خاص بسبب التاريخ المضطرب لسياسة التعليم والمناخ السياسي في معظم الدول العربية. إذ كانت سياسة التعليم محصورة في أيدي مجموعات النخبة التي تنظر إلى التعليم كأداة لتحقيق التحديث الاقتصادي. كما استخدمت الحكومات سياسة التعليم لإجبار ثقافات الأقليات والشعوب على الهامش الاقتصادي على التماهي مع ثقافة الأغلبية. في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، نسمع أصوات تدعو إلى التغيير على وجه السرعة.

وبينما تبدو هذه الاقتراحات طموحة وكثيرة المطالب – وقد تشكل عبئًا إضافيًا على المدرسين – إلا أن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والثقافية بالطريقة التي وصفتها قد يساعد الطلاب على التعلم بطريقة تتوافق مع العالم الذي يعيشون فيه.

*عفاف الخشمان، طالبة دكتوراه في برنامج الأنثروبولوجيا والتربية في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا.

https://www.bue.edu.eg/
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى