مقالات رأي

مشروع لأرشفة مجلات توثق مشاركات سياسية وفنية منسية

لن تتكبد عناء إقناعي بتقدير المجلات. فلكوني صحافية وقارئة وكاتبة، تعتبر المجلات من بين مراجعي وأسباب متعتي العظيمة.

مع ذلك، فإن معرضاً جديداً من نوعه، أقيم في معرض Kulte  للفن في الرباط، بدى مدهشاً للغاية بالنسبة لي. أعجبت بعرض شرائح مزدوج للصور: رسومات جميلة لأغلفة مجلات مزينة بشعارات رائعة وأعمال فنية أصلية، إلى جانب اقتباسات من شعراء وفنانين ومفكرين كبار ممّن ساهموا فيها، معلنة تحررهم ونواياهم السياسية والجمالية المتطرفة.

جاء المعرض كجزء من مشروع أكبر للمعهد الوطني الفرنسي لتاريخ الفن (INHA)، يحمل عنوان الرصد الزلزالي للكفاح – نحو تاريخ عالمي للمجلات الناقدة والثقافية، والذي قام بجمع كل المجلات الناقدة والثقافية غير الأوروبية، في الفترة الممتدة ما بين القرن الثامن عشر وحتى العام 1989.

في عرض تقديمي عن المعرض، قامت زاهية رحماني، مديرة المشروع، بتصفح عدة مختارات من المجلات الحداثية، مشيرة بسخط إلى أنها لم تتضمن تقريباً أية مدخلات غير أوروبية. تعرّض العمل المنشور على الجدران خلفها للتجاهل إلى حد كبير في السرديات الأكاديمية الرسمية لعلوم الجماليات والسياسة.

ومع ذلك، وبولادتها في ظروف الضغط والتقلبات الكبرى في بلدان كانت تعاني من الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية، كان كل واحدٍ من هذه المنشورات بمثابة “جزء في مصفوفة الحداثة”، بحسب ما يقوله كتالوج المعرض.

تعتقد رحماني بأن السؤال الأساسي الذي طرحته العديد من هذه المجلات كان “كيف يحرر المرء نفسه من الاستعمار وما الذي ستفعله بهذا التراث وما الذي تبقى من ثقافتنا؟”

يعتبر المغرب أول بلد عربي يزوره المعرض. يُلاحظ بأن قائمة المجلات من الدول العربية طويلة ومثيرة للإعجاب، فقد صادفتُ أربع وخمسين مجلة تاريخية شهيرة مدرجة في الكتالوج، تمتد من مصر إلى الجزائر، ومن لبنان إلى المغرب (حيث لا تزال مجلة سوفل “أنفاس” الرائدة في الستينيات موضوعًا يستحق الإلهام والدراسة).

يلقي المشروع الضوء على تميز الكثير من الإنتاج الذي إدرجه في كتالوجه، نظراً للظروف المالية والسياسية الصعبة للغاية التي تم في ظلها إنتاج عدد من هذه المنشورات – وفي الغالب من قبل متطوعين شباب عملوا من دون أجر وواجهوا القمع.

من المذهل تقريباً ملاحظة اتساع وعمق تراث الأدب والثقافة والسياسة والرسم، والذي وقع في كثير من الأحوال في حالة شبه نسيان، ويرجع ذلك جزئياً لغياب وجود محفوظات جيدة لمثل هذه المشاريع.

أوضحت رحماني بأن مهمة المعهد الوطني الفرنسي لتاريخ الفن تتمثل في “خلق موارد للباحثين” للحفاظ على هذا الإرث. وسيتم إنشاء قاعدة بيانات تضم 130 مجلة من هذا المشروع.

وكما يشير الكتالوج، كان هدف المعرض في الرباط تربوياً بشكل جزئي، حيث ذكر “حتّى نحيي ونولد من جديد هنا ما يتحدث عن الحيوية النقدية والثقافية للعديد من الرجال والنساء الذين شاركوا بعمق في الدفاع عن نزاهتهم … ونرفع الوعي بخصوص ما تمت تغطيته ودفنه”.

تتمثل قيمة مثل هذا المسعى في تحدي وتعقيد المفاهيم الغربية للحداثة باعتبارها ناشئة في عواصمها فقط، حيث أنه يعيد ربط الجمهور في المنطقة العربية بتراث ثقافي وفكري وسياسي ثري.

وهذا يشمل الظروف التي تم في ظلها إصدار المجلات. ففي عرض تقديمي آخر، ركزت القيّمة الفنية والكاتبة اللبنانية رشا سلطي اهتمام الجمهور على تعقيدات سياسات التمويل والإنتاج، من خلال طرح قصة مجلة الحوار اللبنانية.

ففي أثناء الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مشاريع ثقافية في بلدان أخرى كطريقة لتعزيز طموحاتهم السياسية. حيث أيدت وكالة المخابرات المركزية الأميركية، تحت غطاء منظمة تدعى “مؤتمر الحرية الثقافية”، تجمعا للعديد من الكتاب العرب الأكثر شهرة في روما. كما قامت بتمويل نشر مجلة الحوار في بيروت.

وعندما كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن مصدر تمويل مجلة الحوار، انهارت المجلة، وغادر محررها، توفيق صايغ، الكاتب المعروف والمحترم، لبنان وهو يشعر بالعار. وتعمل القصة هنا بمثابة تذكار بأن جنون الارتياب بشأن مسألة التمويل الأجنبي في المنطقة العربية له جذور تاريخية سارية المفعول. ومع ذلك، كانت جودة مجلة الحوار رائعة أيضًا. لقد كانت أكثر من مجرد دعاية أميركية.

لا تزال القضايا التي أثارها إنشاء مجلة الحوار ومحتواها وانهيارها تلقى صدى حتى هذا اليوم. فكما أشارت سلطي، عندما أطلقت هي وآخرون مشاريع ثقافية في بيروت في التسعينات واختاروا الحصول على تمويل من مؤسسة فورد، تم اعتبارهم “خونة” من قبل الجيل الأكبر سنا. وفي حساباتهم الخاصة كانت تقول إننا “سنأخذ أموالهم ونفعل ما نريد.”

يمضي السؤال المتعلق بنوع التسوية التي يتطلبها الحصول على المال من المنظمات والحكومات التي لا تماثل سياساتها سياسة المرء (وما إذا كان أي مصدر من هذا القبيل، بغض النظر عن جنسيته أو سياسته، يمكن أن يكون بمعزل عن مشاكله) جنباً إلى جنب مع مسألة كيفية الحفاظ على وضمان استقلال المشاريع الثقافية. ولا تزال هذه الأسئلة ذات صلة اليوم كما كانت عليه من قبل. ونحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى المزيد من المجلات التي تناقش المسألة بشراسة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى