مقالات رأي

موقع الكتروني يدعم استمرارية اللغة العربية

مؤخراً، عثرت عبر الإنترنت على قاموس مخصص لتوضيح “كيفية بقاء اللغة العربية على قيد الحياة.” لمؤلفه اللبناني الأميركي حسام أبو زهر. اتقن أبو زهر اللغة العربية كشاب بالغ – مثل الكثيرين من أولئك الذين يتعلمون أو يستردون لغة ما، ويكتسبونها من خلال بذل الجهد بدلاً من الحظ الساذج – لذلك فإنه شغوف بها.

بولادته في الولايات المتحدة ودراسته للغة العربية في مدرسة خاصة، أخبرني أبو زهر بأنه لم تكن للفصول الدراسية “أي معنى. كان ذلك مؤلمآ. اعتقدت بأنه لا بد وأن هناك طريقة للقيام بذلك بشكل أفضل.”

تابع أبو زهر دراسته لنيل درجة الماجستير المزدوجة في دراسات الشرق الأوسط والسياسة العامة في جامعة ميشيغان. وكان ذلك هو المكان الذي التقى فيه بالدكتور وحيد سامي، أستاذ اللغة العربية الذي قدر بإلهام شغفه باللغة وفهمه للعلاقة بين العربية الكلاسيكية والعامية. كتب أبو زهر على موقعه على شبكة الإنترنت، المعروف باسم لغتنا  Lughatuna، “قال إنه يرى اللغة العربية الكلاسيكية بمثابة الشمس، واعتبار كل اللهجات بمثابة كواكب تدور حولها. لقد كان ذلك هو الوصف الذي زرع بذور فكرة هذا الموقع.”

بعد ذلك، استمر أبو زهر في دراسة اللغة العربية في مركز الدراسات العربية في الخارج، وهو برنامج لغوي مكثف مشهور يقوم بتدريس اللغة العربية بلهجتيها الفصحى والعامية في آن واحد، وهو نهج يدافع عنه.

بدأ موقع لغتنا بالفعل كقائمة كلمات قام أبو زهر بجمعها على جهاز الكمبيوتر الخاص به وكان يستخدمها للدراسة. وعند وصول عدد المصطلحات إلى آلاف، قرر أنه من المفيد تحويل القائمة إلى قاموس إلكتروني. وهكذا أطلق الموقع في عام 2015.

يقول أبو زهر، الذي يعمل محرراً في واشنطن العاصمة، وهو مشغول اليوم في تعليم ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات العربية اللبنانية، “لم أتوقع أبداً أن أذهب إلى هذا الحد، لكن الأمر أصبح شخصي جداً بالنسبة لي.”

يضم موقع لغتنا اليوم ما بين 30 إلى 40 ألف مصطلح وحوالي 70,000 تعريف باللغة العربية الفصحى، وحوالي 20,000 مصطلح و 30,000 تعريف باللهجات المصرية والشامية العامية. هناك قواميس منفصلة لكل منها، وبإمكان المستخدمين البحث عن الكلمة العربية أو الجذر العربي أو الكلمة الإنجليزية.

في المستقبل، يأمل أبو زهر في إضافة ميزات بحث أكثر تعقيداً، وإعطاء أصول لغوية، وإظهار النتائج في مختلف القواميس في وقت واحد.

على موقعه على شبكة الإنترنت ومنشوراته على الفيسبوك، يشارك أبو زهر أفكاره حول أفضل السبل لتعلم اللغة العربية. وقد خاض مؤخراً في جدل مشحون حول استخدام وتراجع اللغة العربية الفصحى المعاصرة، وهي نسخة اللغة العربية الفصحى التي يتم تدريسها في المدارس وتستخدم في الكتابة الرسمية ووسائل الإعلام في أرجاء العالم العربي.

في تعليق كتبه مؤخراً لصالح المجلس الأطلسي، قال إن “تراجع اللغة العربية الفصحى المعاصرة يمثل في الواقع تحذيرًا بشأن ضعف البنية التحتية الاجتماعية والنظام التعليمي المتدهور في المنطقة العربية.”

تزعج مثل هذه التصريحات أولئك الذين يناصرون اللهجات كبديل حيوي وصحيح للغة العربية الفصحى. أدهشتني المبالغة في القضية وجعل استخدام اللغة العربية الفصحى الحديثة أهم مقياس للحياة الثقافية والفكرية في المنطقة (مع الاعتماد على الكثير من الأدلة السردية، حيث يصعب العثور على البيانات).

لكنني أتفق مع وجهة نظر أبو زهر بأن معرفة القراءة والكتابة غالباً ما تكون محددة بشكل ضيق، وأن “محو الأمية الوظيفية في ارتفاع، ولكن الوصول إلى واستخدام اللغة العربية الفصحى المعاصرة – مثل الأدب المتقدم والنصوص الأكاديمية – في حالة تراجع”، وهذا هو أحد العقبات أمام الإنتاج الثقافي والفكري في المنطقة.

عندما تحدثنا معاً، قال أبو زهر إنه يدرك بأن كلمة “انحدار” قد لا تكون الكلمة المناسبة لاستخدامها، لأنه يشير إلى أنه قد كان هناك عصر ذهبي في الماضي حيث تم استخدام اللغة العربية الفصحى فيه على نطاق واسع (في حين أنها كانت على الدوام تقريباً حكراً على الأقلية، وكانت مكتوبة أكثر من كونها لغة منطوقة).

لكنه قال بأنه يشعر بالقلق من “تدمير مراكز اللغة” في المنطقة اليوم. وقد أشار إلى العراق وسوريا على وجه الخصوص، حيث فرت الطبقات المتوسطة المتعلمة – تلك التي من المرجح أن تحافظ على اللغة العربية الفصحى – بالملايين إلى خارج البلاد.

كما أشار إلى وجود مشكلة أخرى تتمثل في كيفية فهم اللغة العربية الكلاسيكية – بصفتها متحجرة ومرتبطة بالسلطة السياسية والدينية فقط. قال “من أجل أن تبقى، فإنها بحاجة إلى منتجين، وإلى أن تكون حية وممتعة. بخلاف ذلك، فإنها ستصبح أكثر انعزالاً ومحدودية.”

ربما يقول الكثيرون بأن هذه السفينة قد أبحرت بعيداً بالفعل، ويختتم أبو زهر نفسه تعليقه معترفاً بذلك. مع ذلك، لا يزال أبو زهر شغوفاً، ليس باللغة العربية الفصحى فحسب، بل بكل أشكال اللغة العربية أيضًا.

كتب في موقعه “أنا لا أريد الخوض في الجدل حول ما إذا كانت اللغة العربية الكلاسيكية لغة ميتة أو لا. أريد أن أظهر كم من اللغة العربية حي بالفعل، بصورة اللهجات واللغة الرسمية، وأريد أن أعرض صورة أكثر اكتمالاً لها. أنا أحب اللغة العربية. أحب الأدب، وأحب التحدث بها. أحب الشعر والموسيقى، وأحب الطريقة التي تنطق بها ككل.”

تشمل الخطط التالية لأبو زهر إدراج اللهجة المغربية (وهذا مثير بالنسبة لي لأنني أعيش في المغرب). عندما يقوم بالعمل على تجميع قواميس للهجات، يقرأ أبو زهر الكتب المنهجية المتاحة؛ والقواميس والمقالات الأكاديمية، والقصص والقصائد والحكايات الشعبية. وفي كثير من الأحيان يشاهد وينسخ سيناريوهات الأفلام. ويعمل أيضاً على إنشاء نسخ صوتية خاصة به لكل لهجة.

بالطبع يستغرق ذلك وقتاً طويلاً. كتب في قسم “عن الموقع” الخاص بموقعه على الإنترنت، “على أساس يومي، يعتبر هذا الموقع مشروعاً يعمل عليه شخص مجد للغاية يجلس إلى جهاز الكومبيوتر بهدف وضع البيانات، في محاولة لتعليم نفسه الترميز وكيفية عمل قواعد البيانات، ومحاولة تخيل ما يمكن أن تكون عليه اللغة العربية حقاً.”

قال لي “سأكون سعيدًا بدفع شخص لمساعدتي في هذا الأمر. لكن، يتوجب علي تدريب شخص ما على نظام الكتابة لكل لهجة – ويتطلب الأمر اهتماماً كبيراً بالتفاصيل ومستوى ممتاز في اللغتين العربية الإنجليزية.” (وهو يقوم الآن بتوظيف اثنين من طلاب الدراسات العليا السوريين للمساعدة في تطوير الموقع.)

وبينما يعتبر الموقع مجانياً، إلا أنه أنشأ تطبيقًا للمساعدة في “جعل المشروع مستدامًا على المدى الطويل، ولتجنب أن يضعف فحسب.”

https://www.bue.edu.eg/

في الواقع، تعتبر طموحات أبو زهر لمشروعه كبيرة.

قال “أشعر أن بإمكان المشروع تغيير الطريقة التي نتعلم من خلالها اللغة العربية ونفكر بها. يهدف أبو زهر لتطويق الجدل حول ما إذا كانت اللهجات واللغة العربية الكلاسيكية لغات منفصلة. قال ” ليس هذا هو السؤال. الحقيقة هي أنها تتواجد جنباً إلى جنب. نحن بحاجة لتصميم الأدوات لعرضها لنا بهذه الطريقة فحسب.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى