أخبار وتقارير

تحول في مسار الدراسات الأميركية بالعالم العربي

الدوحة – عندما زار عيد محمد الولايات المتحدة للمرة الأولى، كانت لديه معتقدات راسخة حول طبيعة أميركا والشعب الأميركي. ومنذ اللحظة التي خطا فيها في تلك الدولة العظمى بدأت قناعاته في الانهيار.

اليوم، وعندما يتذكر الأستاذ المصري تلك الزيارة الأولى إلى الولايات المتحدة في عام 2005، يقول إنه كان في وضع مماثل للغربيين الذين اعتاد على انتقادهم لتمثيلهم الثقافي النمطي للمنطقة العربية.

قال “كانت كل معلوماتي عن الولايات المتحدة عبارة عن صور نمطية غير واقعية تعتمد على الأفلام والروايات العربية الشعبية.”

يصف محمد تلك الرحلة بأنها قد “فتحت عينه” وأنها من الأسباب التي دفعته إلى التخصص في الدراسات الأميركية، وهو مجال متعدد التخصصات يهدف إلى فهم الولايات المتحدة كأمة وتأثيرها في العالم، فضلاً عن كون أميركا مثال للحرية والديمقراطية. يشمل المجال دراسة التاريخ والأدب والمجتمع والثقافة الأميركية.

اليوم، يقوم محمد بتدريس الدراسات الأميركية والأدب المقارن لطلاب من الشرق الأوسط في معهد الدوحة للدراسات العليا في قطر.

قال “يتمثل جزء كبير من مشاكلنا مع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص في سوء الفهم الثقافي المتبادل. لذلك، من المهم أن يفهم الطلاب في المنطقة العربية الولايات المتحدة وقوتها.”

على الرغم من هيمنة الولايات المتحدة على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة العربية، إلا أن قلة قليلة من الباحثين العرب يتخصصون في الدراسات الأميركية، بحسب محمد.

من المشاكل التي تواجه التخصص في المنطقة الشكوك السائدة بين الطلاب والأكاديميين حول الدوافع وراء الدراسات الأميركية. وينظر العديد من الباحثين إليه على أنه أداة لتعزيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

لهذه الفكرة جذور منذ الأيام الأولى للدراسات الأميركية في المنطقة. بدأ برنامج الدراسات الأميركية الأول في الشرق الأوسط في جامعة البحرين في أيار/ مايو 1998، وكانت له علاقة عمل وثيقة مع وزارة الخارجية الأميركية.

عيد محمد الأستاذ بمعهد الدوحة للدراسات العليا

يقول محمد إن الدراسات الأمريكية كتخصص بدأت في الترويج لـفكرة “أميركا الاستثنائية” – من خلال التسويق بشكل رئيسي للحلم الأميركي المثالي – ودفعت أيضاً بأيديولوجية مناهضة للشيوعية في حقبة الحرب الباردة. لكن، وفي العقدين الماضيين، اتخذ المجال موقفاً مختلفاً وأصبح من بين أكثر التخصصات انتقاداً للسياسات الأميركية الداخلية والخارجية.

وينطبق هذا بشكل خاص على برامج الدراسات الأميركية في الشرق الأوسط.

يشير أليكس لوبين، أستاذ الدراسات الأميركية في الجامعة الأميركية في بيروت، والذي يرأس الآن قسم الدراسات الأميركية في جامعة نيو مكسيكو، إلى أن هذه البرامج ساعدت في إزالة مركزية المجال وجلبت آفاقاً جديدة.

ففي حديثه في مؤتمر حول الدراسات الأميركية في الدوحة في كانون الثاني/ يناير الماضي، قال لوبين إن قضية فلسطين والعلاقات الأميركية الإسرائيلية، على سبيل المثال، من المواضيع الأساسية في الدراسات الأميركية في الشرق الأوسط، في حين أن هذه الموضوعات هامشية في الدراسات الأميركية في الولايات المتحدة.

قال لوبين في مؤتمر الدوحة “يهتم فرع الدراسات الأميركية بمسألة إنتاج المعرفة عن الولايات المتحدة، لكنه أيضًا مكان يسمح بمشاركة أكثر أهمية ممّا هو متاح حالياً.”

اليوم، يعتبر مركز الأمير الوليد بن طلال للبحوث والدراسات الأميركية في الجامعة الأميركية في بيروت ومركز الأمير الوليد بن طلال للبحوث والدراسات الأميركية في الجامعة الأميركية في القاهرة من أبرز مراكز الدراسات الأميركية في الشرق الأوسط.

وتشمل المراكز الأخرى معهد الدراسات الأميركية الشمالية والأوروبية في جامعة طهران في إيران. بالإضافة إلى ذلك، تقدم بعض الجامعات في المنطقة درجات الماجستير في الدراسات الأميركية، مثل جامعة القدس في القدس الشرقية، وجامعة الحسن الثاني في المغرب، والتي تمتلك برنامجاً في الدراسات الأميركية المغربية. كما يتوفر في الجامعة الأميركية في الشارقة تخصص ثانوي في الدراسات الأميركية كجزء من الدراسة لنيل درجة في الدراسات الدولية.

تقول كارين والثر، الأستاذة المشاركة في جامعة جورج تاون في قطر، إن هجرة الدراسات الأميركية إلى مناطق أخرى من العالم سمحت بدراسة التاريخ الأميركي من خلال عدسة أكثر عالمية وساعدت في الابتعاد عن فكرة ” الاستثناء الأميركي”.

قالت “لطالما كانت الولايات المتحدة جزءً من العالم وقد شكّل العالم على الدوام التاريخ الأميركي. إن فهم الولايات المتحدة لوحدها ليس له معنى.”

وتشير والثر إلى أنه وبينما ينتقد طلابها في قطر السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة العربية، إلا أنهم يعتقدون بأن الأمور مختلفة داخل الولايات المتحدة.

قالت “لا يزال لديهم اعتقاد بأن الأمور في الولايات المتحدة عظيمة. هنالك حلم أمريكي، هناك مساواة وحرية. سيكون هذا خطأ، لأن جزء من سرد قصة ما يجعل أميركا عظيمة يتمثل في الصراعات التي يواجهها الأميركيون، وأن نكون واقعيين حيال ما حدث، وليس من خلال رؤية هذه الدولة على انها مكان مثالي. إنها مشروع غير مكتمل.”

يمكن أن تساعد مراكز الدراسات الأميركية في المنطقة العربية هؤلاء الطلاب على فهم تعقيدات التاريخ الأميركي بشكل أفضل، ويمكن أن تلقي ضوءً جديدًا على جذور ظواهر مثل الإسلاموفوبيا “كراهية الإسلام”، بحسب والثر.

كما يمكن لهذه المراكز أن تطلع المواطنين العرب بشكل عام عن الولايات المتحدة من خلال إنتاج المعرفة عن البلاد باللغة العربية.

يتذكر محمد حادثة وقعت في عام 2014 عندما ذكر مذيع تلفزيوني مصري زوراً بأن الولايات المتحدة أمرت أسطولها السادس بالتحرك نحو الإسكندرية لإنقاذ المتظاهرين المؤيدين لمُرسي في اعتصام رابعة في العام الماضي، لكن القوات المسلحة المصرية أوقفت تلك الخطوة، وهاجمت واحدة من السفن الحربية الأميركية وقامت بأسر قائدها واحضاره إلى مصر.

قال “ربما كانت تلك بمثابة مزحة في الولايات المتحدة، لكنني فوجئت برؤية الكثير من المصريين ممّن صدقوا القصة. يُظهر ذلك مدى عدم فهم الناس للولايات المتحدة أو قوتها الحقيقية.”

يعتقد محمد بأن مراكز الدراسات الأميركية في المنطقة ستساعد على تجنب انتشار الروايات غير الواقعية من خلال تقديم معلومات أفضل للمواطنين العرب.

قال “إذا لم نتمكن من فهم الولايات المتحدة، فلن نتمكن من التعامل مع شعبها – المواطنين الذين ينتخبون الحكومة الأميركية التي تأتي بعد ذلك وتفعل ما تفعله في المنطقة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى