أخبار وتقارير

باحثون يحاولون معالجة مشكلة تلوث الهواء في المنطقة العربية

بيروت – تقترح عالمة لبنانية بعض العلاجات البسيطة، مثل التشجيع على التخلص من السيارات القديمة، لتخفيف تلوث الهواء الشديد الذي تعاني منه بيروت ومدن عربية أخرى.

يزيد تلوث الهواء في بيروت بمقدار 3.2 مرة عن المستوى الآمن الموصى به، وفي القاهرة الكبرى ترتفع الزيادة بمقدار 11.7 مرة، بحسب حملة بريث لايف Breath Life 2030، وهي مبادرة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية ووكالات غير حكومية أخرى.

تدرس الحملة تركيز جسيمات صغيرة جدًا ضارة بالصحة في الهواء كمقياس للتلوث. وتعتبر المستويات التي تزيد عن 10 ميكروجرام لكل متر مكعب غير آمنة.

وبينما يعتبر النقل والصناعة من بين المصادر الرئيسية لتلوث الهواء في المناطق الحضرية، إلا أن المدن العربية الواقعة في الصحاري أو بالقرب منها تواجه مشكلة إضافية تتمثل في كميات كبيرة من الرمال والأتربة التي تكتسح الهواء. يتجاوز مستوى التلوث في أبو ظبي الحدود الآمنة بمقدار 6.1 مرات وفي مسقط يتجاوز النسبة الآمنة بمقدار 3.5 مرات.

لوس أنجلوس وبيروت

قامت نجاة صليبا، أستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، بقياس تلوث الهواء في مدينتها وطلبت من زميل لها في لوس أنجلوس القيام بذات الشيء. وقد مكنتها المقارنات التي عقدتها من تقديم عدة اقتراحات لتحسين نوعية الهواء في بيروت والمدن العربية الأخرى.

قالت صليبا “تشهد كلتا المدينتين حركة مرور كثيفة بسبب الاعتماد على السيارات للتنقل، فضلاً عن تشابه المناخ والتضاريس. لكن لكاليفورنيا قوانين صارمة للحد من تلوث الهواء فيما لا تمتلك بيروت شيئاً من ذلك تقريباً.”

أضافت “أردنا رؤية ما إذا كان مستوى الجزيئات سيتغير في ظل بيئة منظمة.”

وضعت صليبا مجسات قبالة الطريق السريع شمال بيروت خلال شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من العام الماضي. اختارت صليبا الصيف لأن المناخ أقل تغيراً فيه مقارنة بما هو عليه في فصل الشتاء، والظروف الجوية في الصيف أقرب إلى تلك الموجودة في لوس أنجلوس.

في ذات الوقت، تم أخذ عينات مماثلة في لوس أنجلوس.

قال كونستانتينوس سيوتاس، أستاذ الهندسة المدنية والبيئية بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، والذي تعاون مع صليبا، “قمنا بجمع البيانات الخاصة بالتركيب الكيميائي للهواء، وقمنا بقياس جميع الغازات السامة المحتملة.”

قالت صليبا “أظهرت النتائج وجود زيادة بمقدار سبعة أضعاف في العناصر السامة في هواء بيروت مقارنة مع لوس أنجلوس.”

يعتبر عادم السيارات مصدر التلوث الأول في معظم المدن، بحسب صليبا، لكن بيروت تعاني أيضاً من مشكلة ثانوية. حيث يعني انقطاع التيار الكهربائي المتكرر امتلاك العديد من الأفراد والشركات لمولدات تعمل بالديزل تنبعث منها مجموعة متنوعة من ملوثات الهواء السامة وغازات الدفيئة التي تسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

لا يعتبر تلوث الهواء مشكلة خاصة بالعالم العربي. فعلى سبيل المثال، يزيد مستوى تلوث هواء نيودلهي بمقدار 14.3 مرة عن المستوى الآمن الموصى به. كما تعاني المدن في الدول المتقدمة من المشكلة أيضاً، حيث يزيد مستوى تلوث هواء باريس بمقدار 1.4 مرة فوق المستوى الآمن الموصى به ويزيد المستوى في برلين بمقدار 1.7 مرة.

يعتقد سيوتاس بأن الحد من تلوث الهواء يعتبر بوضوح ” قضية تتجاوز مسألة الثروة فحسب.” قال “يجب أن تكون هناك إرادة سياسية وثقافة تقبل بسهولة فكرة التنظيم البيئي كما هو الحال في كاليفورنيا.”

يتفق كل من سيوتاس وصليبا على أن نتائجهما تظهر بأن التنظيمات البيئية فاعلة، وبناءً على النتائج التي توصلوا إليها، فإنهم يقدمون بعض التوصيات لبيروت ومدن أخرى في العالم العربي تعاني من سوء نوعية الهواء.

قالت صليبا “لدينا أسطول من السيارات القديمة هنا في لبنان، حيث يبلغ متوسط عمر السيارة 19 عامًا. وهذا يعني وجود تكنولوجيا قديمة ومزيدًا من التلوث.”

لهذا السبب تنصح صليبا بتبني نظام للتخلص من السيارات القديمة، حيث ستقوم الحكومة بدفع سائقي السيارات للتوقف عن استخدام السيارات القديمة وإخراجها من الطرق. كما تريد من الحكومة أن تقوم أيضًا بزيادة القيود على عمر السيارات المستعملة المستوردة. حاليًا، يمكن استيراد سيارات يصل عمرها إلى 8 سنوات كحدٍ أعلى ليتم بيعها في سوق السيارات المستعملة في لبنان. تريد صليبا أن يكون الحد الأقصى لعمر السيارات 5 سنوات.

ويمكن للمدن العربية أيضًا أن تقوم ببناء أو توسِّعة وسائل النقل العام، ولاسيما مترو الأنفاق الذي يعمل بالطاقة الكهربائية، أو تحسين خدمة توليد الكهرباء، لكن صليبا تقول إنها تحاول أن تبقي توصياتها قابلة للتحقيق. قالت “يمكن أن نحصل على قائمة بأشياء نحلم بها إذا ما كان لدينا المزيد من الأموال والإرادة السياسية، لكننا نريد أن نبقى واقعيين.”

التلوث والأمراض

عندما يتعلق الأمر بالسياسيين، تعتقد صليبا بأنهم غالبًا ما يقدمون الوعود الشفاهية، لكنهم نادرًا ما يفون بذلك. وعلى أمل العثور على أدلة أكثر إقناعًا لدفع السياسيين للعمل، تعاونت صليبا مع كمال بدر، أستاذ الطب في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت. يتعاون الاثنان في إنجاز دراسة يأملان أن تظهر وجود علاقة بين تلوث الهواء ومرضى المراكز الطبية الذين يموتون قبل الأوان بفعل مرض الأوعية الدموية أو الأضرار التي تصيب الأوعية الدموية.

بحسب بعض الأبحاث، يموت أكثر من 5.5 مليون شخص قبل الأوان كل عام في جميع أنحاء العالم بسبب تلوث الهواء. وقد وجدت حملة بريث لايف Breathe Life بأن حوالي 67,000 مصري يموتون كل عام بسبب تلوث الهواء، فيما يموت 3,000 شخص بفعل ذات السبب في لبنان الأقل في عدد سكانها.

يأمل بدر وصليبا في توثيق العلاقة بين تلوث الهواء والصحة بمزيد من التفصيل.

قال بدر “نحن نعمل معًا لمعرفة المسبب الرئيسي لأمراض الأوعية الدموية بين السكان في لبنان. نحن نجري دراسات تربط أمراض الأوعية الدموية الموثقة هنا في مستشفانا وبين مستويات التلوث في الأحياء التي يعيش فيها المرضى.”

تظهر النتائج الأولية المتوفرة لديهم وجود علاقة ملحوظة بين مستويات التلوث الأعلى ومعدلات الإصابة بأمراض الأوعية الدموية، لكن بدر يؤكد بأنه من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات ثابتة.

وما أن يحصل الباحثان على نتائج أكثر واقعية، فإنهما يأملان في أن يؤدي الجمع بين البيانات البيئية والطبية في النهاية إلى تحفيز السياسيين على إجراء تغييرات يمكن أن تحسن من جودة الهواء – وهو هدف لم يفارق صليبا حتى الآن.

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى