مقالات رأي

ازدياد الإقبال على تدريس الأدب العربي المترجم

قبل عقدين من الزمن، بالكاد كان هناك ما يكفي من المواد لتدريس مساق في الأدب العربي المترجم. افتقرت معظم أقسام الأدب المقارن إلى التركيز على اللغة العربية، وركز معظم المستعربين على تدريس الأدب بلغته الأم. والأهم من ذلك، أن عدداً أقل بكثير من الطلاب في الولايات المتحدة كانوا يسجلون في برامج اللغة العربية.

لكن هذا تغيّر بعد هجمات القاعدة في أيلول/ سبتمبر 2001، حيث أعلنت جمعية اللغة الحديثة عن تضاعف معدلات الالتحاق بمساقات اللغة العربية بين عامي 1998 و2002، على الرغم من أن ذلك الارتفاع الحاد لم يستمر. وعلى الرغم من انخفاض معدلات الالتحاق بمساقات اللغة العربية بشكل طفيف بين عامي 2013 و2016، بحسب تقرير لجمعية اللغة الحديثة لعام 2018، إلا أن اللغة العربية كانت لا تزال تشهد اتجاهاً تصاعدياً في العقد السابق مقارنة بكل اللغات، وقد حافظت على مكانتها باعتبارها اللغة الثامنة الأكثر تدريساً في الولايات المتحدة.

ليست هناك أرقام عن مساقات الأدب العربي المترجم. مع ذلك، يبدو أن القاعدة المتسعة للطلاب الذين يعرفون شيئاً من اللغة العربية قد تبعتها زيادة في المساقات الخاصة بالثقافة العربية. تظهر تقارير المرور الخاصة بموقع ArabLit: الأدب العربي والترجمة (الذي أساعد في إدارته) عدداً متزايداً من المؤسسات التعليمية التي تستخدم الموقع بانتظام. فخلال الفصل الدراسي الربيعي لعام 2018، ارتبط ما لا يقل عن ستة عشر نظاماً جامعياً مختلفاً بالموقع من خلال برامج المساق.

أعقب هذا الاهتمام المتزايد الكثير من النقاش حول كيفية تدريس الأدب العربي في الفصول الدراسية باللغة الإنجليزية. ففي عام 2017، نشرت دار روتليدج كتاب “الأدب العربي للفصول الدراسية: طرق التدريس، النظريات، الموضوعات والنصوص“، والذي حرره محسن الموسوي. وفي ربيع هذا العام، نشرت جمعية اللغة الحديثة كتاب تدريس الأدب العربي الحديث المترجم، والذي حررته ميشيل هارتمان.

كما يتم تمكين الأدب العربي المترجم أيضاً من خلال مجموعة جديدة تنمو بسرعة عن الأدب العربي المترجم إلى الإنجليزية والتي يمكن أن ترجع في صعودها السريع إلى أحداث أيلول/ سبتمبر 2001. على مدى الأشهر الستة الماضية، كنتُ أقوم بإجراء سلسلة من 21 مقابلة 24 أستاذاً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ولبنان ومصر ممّن يدرسون الأدب العربي المترجم. وتتنوع الأعمال التي يدرسونها من النصوص العربية الكلاسيكية المنشورة في إصدارات ثنائية اللغة على صفحات متقابلة من سلسلة المكتبة العربية لمطبعة جامعة نيويورك وحتى الروايات المصورة المعاصرة. تسلط المقابلات الضوء على مدى مشاركة الأساتذة في أقسام اللغة الإنجليزية والعربية والأدب المقارن في تدريس الترجمات الأدبية بطرق جديدة ومثيرة للاهتمام.

استخدام كلتا اللغتين

تقتصر العديد من المساقات على “الترجمة” فقط. لكن عدداً من المساقات باللغة العربية أو ثنائية اللغة تستخدم الأدب باللغتين العربية والإنجليزية. قال بلال أورفلي، من الجامعة الأميركية في بيروت، إنه طلب من الطلاب القيام بترجمة مقاطع صعبة من رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي والساق على الساق لأحمد فارس الشدياق. قال “بعد ذلك، قمنا بمقارنة الترجمة مع ترجمات مكتبة الأدب العربي. كان التركيز الرئيسي على كيفية ترجمة المناقشات اللغوية أو النثر المزخرف المُقفى إلى اللغة الإنجليزية بطريقة تبقي على معنى النص. نحن نناقش في كثير من الأحيان ما فقدناه في الترجمة وما تم اكتسابه.”

تُدرّس مارغريت ليتفين، الأستاذة المشاركة في اللغة العربية والأدب المقارن في جامعة بوسطن، الموضوع بطريقة معاكسة. ففي مساقها ثنائي اللغة “مقدمة في الأدب العربي الحديث”، يبدأ الطلاب باللغة الإنجليزية وينقلون النصوص إلى اللغة العربية مرة أخرى. تعتقد ليتفين بأن هذا “يسمح للطلاب بالتلاعب بنقاط قوتهم، والعمل على نقاط ضعفهم، ورؤية بعضها البعض في أكثر من زاوية، والبدء في دمج أنفسهم كطلاب للفنون المتحررة وكمتعلمين.” تدرّس ليتفين “الترجمة أولاً”، حيث تقول “الغالبية العظمى من طلابي ستتخرج من دون تحقيق الطلاقة في اللغة العربية. وسيموت معظمهم دون تحقيق ذلك. وماذا في ذلك؟”

تشعر ليتفين بأن الطلاقة اللغوية الكاملة ليست الكأس المقدسة للتعليم. ولذلك تركز، عوضاً عن ذلك، في مساقها الدراسي، على ما يمكن للطلاب القيام به من خلال المهارات المتوفرة لديهم حاليًا. قالت “الناس يبجلون الطلاقة، لكنها .

ليست الخطوة الأكبر في تعلم اللغة. أكبر خطوة هي الانتقال من عدم فهم أي شيء لفهم شيء ما.”

التركيز على الأدب المشرقي  

تمثل الروايات المصرية، وعلى نطاقٍ واسع، الجزء الأكثر تمثيلاً من الأدب العربي في اللغة الإنجليزية. ويرجع ذلك جزئياً إلى الإنتاج الكبير لكل من نوال السعداوي ونجيب محفوظ، وهما المؤلفان الأدبيان اللذان يحتمل أن تشكل أعمالهما معظم الأعمال المترجمة إلى الإنجليزية. كما أن المصريين أيضا ينشرون باللغة العربية بشكل يفوق بكثير ما ينشره الكتاب من أي جنسية أخرى. ففي السنوات التي تلت عام 2016، وعندما بدأت الجائزة العالمية للرواية العربي بإصدار بيانات عن مدخلاتها من كل بلد على حدة، قدّم المصريون نسبة تتراوح ما بين 18 و27 في المائة من الطلبات.

نجيب محفوظ،الصورة: ويكيميديا كومنز.

ومع ذلك، لم أعثر بعد على مساق يركز بالكامل على الأدب المصري. تتمحور جميع المساقات الخاصة ببلد محدد تقريباً على لبنان، مثل “التراث الأدبي للحرب في لبنان” لغنوة حايك أو العديد من المساقات التي تركز على الأدب الفلسطيني.

تميل المساقات الدراسية عن الأدب الفلسطيني إلى تضمين جانب سياسي. على سبيل المثال، يتناول المساق الذي يدرسه فيليب ميترس في جامعة جون كارول في أوهايو الأدبين الفلسطيني والإسرائيلي جنباً إلى جنب. فيما يتحدث جوزيف فرج، الذي يدرس مساقاً عن “الأدب والسينما الفلسطينية” في جامعة مينيسوتا، عن الطرق التي يجب أن ينتقل بها مساق حول الفن الفلسطيني بعناية بين السياسة والجماليات. عند دراسة الأدب “الغربي”، يتم تشجيع الطلاب على دراسة وتقدير الجوانب الصياغية والفنية له، واستبعاد سياقها السياسي في كثير من الأحيان. فكم مرة يضع المدرسون شكسبير في لحظاته السياسية عند تدريس مسرحية ريتشارد الثالث على سبيل المثال؟ (هذا ليس سؤالاً بلاغياً – سأكون مهتمة حقاً بمعرفة الإجابة). أنا أسعى لمواجهة هذا الاتجاه من خلال التركيز على الجمال الأدبي والإبداعات والتحولات في الأدب الفلسطيني.

أمّا بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى حيث اللغة العربية هي اللغة الرئيسية للأدب – مثل تونس والكويت وليبيا – فلم تتم ترجمة سوى القليل من النصوص الأدبية لمساق كاملة. لكن أليكس إلينسون، الأستاذ بكلية هانتر، والذي التقيت به للحديث عن مساق الأدب المغربي المفترض، يقول بان الأمور تتغير. قال، “أشعر وكأنني مستعد الآن للبدء بالتفكير في ايجاد مثل هذا المساق الدراسي.”

في الجامعات العربية

تدرّس عدد من الجامعات في الدول ذات الأغلبية العربية الأدب العربي المترجم إلى الإنجليزية. ففي الفصل الدراسي الربيعي لعام 2018، زارت الجامعة الأميركية في الكويت موقع ArabLit أكثر من أي جامعة أخرى. أما بالنسبة لسلسلة “التدريس من خلال الأدب العربي المترجم”، فقد تحدثت مع رنا عيسى وبلال أورفالي ورولا بعلبكي من الجامعة الأميركية في بيروت، بالإضافة إلى تحية عبد الناصر ومي حواس ومنيرة سليمان من الجامعة الأميركية في القاهرة. وجميعهم يستخدم الأدب العربي المترجم إلى الإنجليزية في مساقاتهم الدراسية.

يختلف تدريس الأدب العربي المترجم في القاهرة عن تدريسه في كنساس، بحسب حوّاس، ويرجع ذلك جزئيا إلى افتراضها بأن طلابها لا يجيدون اللغة العربية ولا اللغة الإنجليزية بطلاقة. قالت حواس، “ربما يكون من الأفضل أن نفكر بأننا جميعاً أجانب بالنسبة للنص.” في الوقت ذاته، استخدمت عيسى قدرات طلابها في اجادة لغتين وجعلتهم يترجمون النصوص المفضلة.

لكن معظمهم أكدوا على الأدوات والمهارات المختلفة التي يأتي بها الطلاب المختلفون إلى الفصل الأدبي، من الناطقين بالعربية كلغة أم إلى متعلمي اللغة وحتى أولئك الذين يأتون من دون أن يكونوا قد سمعوا عن الفلافل. غطت المناهج المستخدمة مجموعة من الموضوعات التي كانت، في الوقت الذي اطلعت فيه عليها، في طور التوسع. تحدثت شير آلون من جامعة واشنطن آند لي عن مساق يتمحور حول قصص الجن (الجن عبارة عن كائنات خارقة للطبيعة يمكن أن تأخذ شكلاً بشريًا أو حيوانيًا)؛ وقدمت كاتي لوغان من جامعة فرجينيا كومنولث مساق حول أدب الرحلات العربي المترجم، فيما أنشأت أمل إقعيق في كلية ويليامز مساقاً حول كتابة المذكرات من قبل المرأة العربية. وقد ساعد المساق الأخير بدوره شادي روحانا، في كلية مكسيكو El Colegio de Mexico في مكسيكو سيتي، على إنشاء مساق عن الكتابة النسوية العربية. تتمثل الخطوة التالية بالتأكيد في جعل هذه المناهج الدراسية وغيرها من الموارد التعليمية متاحة لمجموعة واسعة من المدرسين في جميع أنحاء العالم.

*ماريس لنكس كويلي، المحررة المؤسسة لموقع ArabLit والمشاركة في استضافة بودكاست بولاق. وهي مساهمة أيضاً في تدريس الأدب العربي الحديث المترجم، والذي أنشأته جمعية اللغة الحديثة هذا العام.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى