مقالات رأي

هل يمكن إيجاد حل وسط لخصخصة التعليم في المغرب؟

الرباط، المغرب– مؤخراً، برزت النقاشات حول الحق في التعليم المجاني في المغرب الى السطح من جديد، تماماً كما يحدث دورياً في العديد من البلدان في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

نظرياً، التعليم المجاني للجميع حق مكفول في المغرب. مع ذلك، فإن الملايين من الشباب المغاربة لا يذهبون إلى المدرسة أبداً؛ أو يتسربون منها على طول الخط، أو أنهم يدرسون لسنوات للتخرج فحسب في حين أنهم لا يزالون أميين من الناحية الوظيفية. وبدلاً من إصلاح نظام المدارس الحكومية، اتجهت الحكومة نحو الخصخصة كحل للمشكلة.

اعترض برلمانيون ونقابات المعلمين في المغرب على مقترح قانون جديد من شأنه أن يفرض بعض الرسوم على الأسر ذات الدخل المرتفع في المدارس الثانوية والجامعات. لا يحدد القانون ماهية ما سيكون عليه هذا الدخل، مما تسبب في قلق العديد من الطلاب وأسرهم.

وقال موقع الجزيرة نيوز في كانون الثاني/ يناير بأن “عدد من نواب الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة قد هددوا بالتصويت ضد هذه الخطوة، مشيرين إلى أن القانون المقترح يسيء إلى حق المغاربة في التعليم المجاني. ويحذر معارضو مشروع القانون من أن التشريع الجديد سيؤدي إلى انخفاض خطير في جودة النظام التعليمي في البلاد.”

يتفق الجميع على أن النظام التعليمي في البلاد قد شهد بالفعل تراجعاً خطيراً، وأن ﺧﺻﺧﺻﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟﻣدرﺳﻲ اﻟﻣﻐرﺑﻲ جارية على قدم وساق ﻣﻧذ ﺳﻧوات بتشجيع من اﻟﺣﻛوﻣﺔ (اﻟﺗﻲ تنظر إليها بمثابة طرﯾﻘﺔ ﻟﺗوﻓﯾر اﻟﻣﺎل) واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﯾن (وﺑﻌﺿﮭم يمتلك سلسلة ﻣن اﻟﻣدارس اﻟﺧﺎﺻﺔ أنفسهم). وأنا على استعداد للمراهنة على أن معظم أبناء أعضاء البرلمان يدرسون في مدارس خاصة.

وجدت دراسة حديثة أن واحداً من كل ثلاثة أطفال في الدار البيضاء يدرس في مدرسة خاصة الآن. وبإرسال أطفالهم إلى المدارس الخاصة، حتى عندما لا يستطيعون تحمل تكلفتها، تحاول العائلات المغربية الاستفادة من النخبة في البلاد. فلطالما كان الالتحاق بالمدارس الخاصة (وغالباً ما تكون مدارس فرانكوفونية) بمثابة الطريق للوصول إلى جامعات جيدة والحصول على وظائف جيدة. واليوم، تعتبر فكرة كون المدارس الخاصة أفضل من المدارس الحكومية فكرة شائعة، حتى لو كان هناك القليل من الأدلة لدعمها. كما يعني انتشار المدارس الخاصة بأن العديد من تلك المدارس ليست ذات جودة عالية.

من غير المستغرب أن تحاول الدولة خفض نفقاتها على التعليم. ففي ميزانية عام 2018، حصلت وزارة التعليم على مخصصات أعلى من أي وزارة أخرى، بواقع 59 مليار درهم (6.5 مليار دولار أميركي)، أي ما يعادل ربع الميزانية بأكملها، مع ذهاب معظم هذه المخصصات كمرتبات للموظفين. كما قفز معدل الالتحاق بالجامعة من 433,000 طالب وطالبة في عام 2010 إلى ما يقرب من ضعف ذلك اليوم. وقالت الحكومة إنها تأمل في أن تلبي الجامعات الخاصة ما يصل إلى 20 في المائة من هذا الطلب.

قبل عامين، أعربت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن قلقها إزاء النظام التعليمي المغربي وسياساته واتجاهه نحو الخصخصة. حيث يتواجد في المغرب نظام مدرسي شديد الفصل، نظام يعتبر، بدلاً من كونه وسيلة للتقدم الاجتماعي، آلة لتكرار انعدام المساواة وتوطيدها.

صُنفت المدارس الحكومية المغربية على أنها تتمتع بأدنى مستويات الاختلاط الاجتماعي في العالم. ووصفت صحيفة لوكونوميست المغربية النظام الحالي بأنه “مدرسة واحدة للأغنياء والطبقة الوسطى، وأخرى للفقراء. والمدرسة الأولى خاصة وتدرب أغلبية قادة ونخب المستقبل، في حين أن المدرسة الثانية حكومية – فاشلة وغير جذابة – وتفقد ما يقرب من 70 في المائة من طلابها قبل التخرج من المدرسة الثانوية.”

يخشى معارضو فرض الرسوم المدرسية من أنه في حالة فرض رسوم متواضعة اليوم، ستبدأ المدارس في فرض المزيد والمزيد. ومع ذلك، حققت بعض المدارس الحكومية التي جربت مطالبة أولياء الأمور بتقديم مساهمات متواضعة تبلغ قيمتها 100 درهم (10 دولارات) سنوياً، نتائج إيجابية. قد يكون دفع رسوم متواضعة بمثابة وسيلة لتمكين الأسر من الحصول على سيطرة أكبر على تعليم أطفالها. كما يعيد ذلك تأكيد المبدأ القائل بأن التعليم الحكومي ذو قيمة – على عكس الموقف السائد بأن التعليم المجاني تعليم بلا قيمة.

وفي الوقت نفسه، تدفع الأسر بالفعل بطرق غير مباشرة حتى في مدارس القطاع الحكومي، بسبب الممارسات الفاسدة: حيث يطالب معلمو المدارس الحكومية في المناطق الريفية بـ “هدايا” من الأسر؛ ويعرض معلمو المدارس الثانوية تقديم دروس خصوصية يصعب من دونها اجتياز الامتحانات؛ ويحدد أساتذة الجامعات الكتب المنهجية الخاصة بهم ويعتمدون تدريسها.

أنا أؤيد وأؤمن بالتعليم الحكومي المجاني. ويجب على الدولة ألا تضع حواجز إضافية أمام أولئك الذين يكافحون بالفعل من أجل الالتحاق بالمدرسة. لكن اكتشاف كيفية الحصول على تعليم جيد، وبأسعار معقولة، يبدو لي أكثر أهمية من الحصول على تعليم مجاني للجميع لا يرضي أحداً ولا يرغب أحد في استخدامه إذا ما كان في إمكانه ذلك.

في كثير من الأحيان، يبدو النظام التعليمي في المغرب وفي بلدان أخرى في المنطقة وكأنه خدعة تُمارس على العائلات والطلاب، وكأنها طريقة لإبقاء الشباب مشغولين وجاهلين إلى حد كبير، ولتسليمهم فتات الأمل مقابل قدر هائلة من وقتهم وطاقتهم وأموالهم.

ينطوي تعزيز الخصخصة من دون الاعتراف بها ونفي التخلي عن المدارس الحكومية على قدر من السخرية وانعدام المسؤولية. لكن العظمة السياسية القائمة على ابهار الجمهور والتي تصر على مبدأ التعليم المجاني دون تحمل المسؤولية عن جودة هذا التعليم غير مجدية أيضاً. فما الفائدة من إبقاء المدارس والجامعات الحكومية مجانية إذا لم تكن أكثر من كونها أماكن لحصر المغاربة الأكثر فقراً، والذين سيعانون من الإحباط والفشل هناك ويتسربون منها بمعدلات مذهلة؟

يتمثل السبيل الوحيد لوضع حد للخصخصة وانعدام المساواة في تحسين المدارس الحكومية. وهذا يعني إجراء مناقشة صادقة تأخذ في نظر الاعتبار جميع البدائل، بما في ذلك الرسوم المدرسية المعقولة القائمة على الدخل. وإلا فإن المرء سيتشبث بالوضع القائم الناتج عن انعدام الصدق والأفكار والمبادرة السياسية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى