أخبار وتقارير

مخاطر تهدد تقاليد النقاشات السياسية في جامعات السودان

الخرطوم – أدت الحملة التي شنتها القوات الحكومية ضد مظاهرات الطلاب هذا العام إلى تهديد تقاليد النقاش العام بين الطلاب في حرم جامعة الخرطوم، وهي تقاليد ترجع في تاريخها إلى استقلال السودان عام 1956.

في كانون الثاني/ يناير، احتج طلاب جامعة الخرطوم على ارتفاع الأسعار في مقاهي الجامعة، نتيجة لانخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي. وعلى نطاق أوسع، أدى انخفاض قيمة العملة إلى أزمة اقتصادية ارتفعت فيها أسعار جميع السلع الأساسية بشكل حاد، بحيث تضاعف سعر الخبز تقريباً.

في اليوم الثالث من الاحتجاجات، اعتقلت شرطة الجامعة خمسة طلاب. وبإصرار الطلاب على مواصلة احتجاجهم على ارتفاع الأسعار والاحتجاج على الاعتقالات نفسها، قاموا بتنظيم اعتصامات وقاطعوا المحاضرات رافضين استكمال متطلبات المقررات الدراسية.

على مر السنين، كانت ثقافة “أركان النقاش” – حيث يجتمع الطلاب لمناقشة القضايا السياسية والاجتماعية – جزءً مهمًا من الحياة في جامعة الخرطوم. إذ لعبت هذه الأركان دوراً حيويًا في تشكيل المناخ السياسي في السودان. وتستخدم الأحزاب السياسية ممثلي الطلاب لنشر منصاتها السياسية. لكن هذا التقليد دخل في صراع حاد مع رغبات الحكومة العام الماضي.

في آب/ أغسطس 2016، أصدرت الحكومة قراراً بإنشاء وحدة شرطة خاصة – وتُعرف أيضاً باسم “الشرطة الجامعية” – لتحل محل حراس الأمن في حرم الجامعات الحكومية. نادراً ما يثير مفهوم نشر الشرطة الجامعية مخاوف الطلاب، وعوضاً عن ذلك فإنها غالباً ما تؤدي إلى اندلاع مشاجرات داخل الحرم الجامعي. قال طالب من جامعة الخرطوم “الأمر يشبه كوننا مجرمين تحت المراقبة.” وبوجود ما يقرب من 17,000 طالب وطالبة، تعد جامعة الخرطوم واحدة من أكبر الجامعات في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

غالباً ما تؤدي الحوادث العنيفة داخل مؤسسات التعليم العالي في السودان إلى تعطيل البرنامج الأكاديمي. يمكن أن يتأخر الطلاب والمدرسون عن الموعد المحدد على حساب الأهداف الأكاديمية. في السنوات الخمس الماضية، تم تعليق الدراسة في جامعة الخرطوم أربع مرات لفترات استمرت عدة أشهر – مرتين في عام 2014 ومرة واحدة في عام 2016 وآخرها في عام 2018. في كل مرة، كان التعليق بسبب الاحتجاجات الطلابية أو الاعتصامات التي استمرت لعدة أيام.

أعرب أحد الطلاب عن إحباطه بسبب انقطاع الدراسة. قال “لا يمكننا متابعة الجدول السنوي المُعد. تتغير الأمور على الدوام، لذا يجب علينا التكيف دائماً، مهما كان الوضع.”

في حادثة قيل إنها وقعت في 11 كانون الثاني/ يناير في جامعة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، فتح ضابط مسلح النار على الحرم الجامعي بعد أن رفضت طالبة الحديث معه. قتل الضابط اثنين من الطلاب قبل أن يقتل نفسه. بعد ذلك، تجمع الطلاب للاحتجاج. داهمت قوات الأمن الجامعة وأخلت مباني الجامعة وبيوت الشباب لمنع حدوث المزيد من العنف.

لا يقتصر العنف الذي تقوم به قوات الدولة رداً على احتجاج الطلاب على الجامعات فحسب. ففي  8 كانون الثاني/ يناير، وفي حادثة متصلة بارتفاع الأسعار هذا العام، شارك المئات من طلاب المدارس الثانوية في الجنينة في غرب دارفور في مسيرة سلمية للاحتجاج على زيادة سعر الخبز. كان معظم الطلاب في سن 15 و16 عام. تم إطلاق الذخيرة الحية على الحشد مما أسفر عن مقتل طالب واحد واصابة ستة آخرين بجروح. وبعد الحادث، أوقف وزير التعليم بغرب دارفور الفصول الدراسية لجميع طلاب المدارس الابتدائية والثانوية لمدة أسبوع واحد.

لطالما خشيت الحكومة في الخرطوم من احتمالية أن يؤدي الاحتجاج الطلابي إلى تغيير سياسي. فقد بدأت انتفاضة 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1964، والتي أسفرت عن الإطاحة بالحكم العسكري لإبراهيم عبود، في جامعة الخرطوم، في حادثة تعتبر واحدة من أقدم الثورات الشعبية العربية ضد نظام عسكري. بدأت الثورة عندما دخلت قوات الأمن حرم جامعة الخرطوم لتفريق الطلاب المشاركين في ركن نقاشي. أثارت تلك الغارة هيجان الطلاب وأدت إلى اضطراب أدى في النهاية إلى إشعال ثورة عام 1964.

يتتبع المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، وهي منظمة غير حكومية غير ربحية تعمل على مراقبة وتعزيز احترام حقوق الإنسان والإصلاح القانوني في السودان، انتهاكات حقوق الطلاب منذ العام 2013.

وفي بيان له، قال طيفور الأمين، مساعد برنامج المركز، “يكرس المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام جهوده لإيجاد سودان ملتزم بجميع حقوق الإنسان وحكم القانون والسلام، حيث يتم فيه احترام حقوق الفرد وحرياته ويتمتع جميع الأشخاص والجماعات بحقوقهم في عدم التمييز والمساواة والعدالة. بالإضافة إلى ذلك، يدين المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام بشدة جميع أنواع العنف ضد الطلاب، سواء أكانت تلك التي ترتكب من قبل موظفي الجامعة أو الطلاب.” وأخيراً، قال مساعد البرنامج، الذي بدا وكأنه يتجاهل أي دور حكومي في العنف، بأن “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام يناشد جميع مؤسسات التعليم العالي لضمان منع العنف واتخاذ الاجراءات الصحيحة عند حدوث أعمال العنف تلك.”

ومن بين نتائج العنف الذي تمارسه الدولة ضد الاحتجاجات والنقاش في الحرم الجامعي تحول بعض الطلاب ليصبحوا ساخرين وغير مبالين عندما يتعلق الأمر بالمشاركة النشطة في السياسة. ويخشى بعض الطلاب من الانخراط في النشاط بسبب احتمالية حدوث رد فعل عنيف.

على جانب آخر، هناك تفاعل أكثر إيجابية بين الطلاب يتمثل في زيادة العمل التطوعي وخدمة المجتمع. ففي جامعة الخرطوم، ظهرت العديد من المؤسسات التي يقودها الطلاب في السنوات الأخيرة. تهدف منظمة التكافل، وهي منظمة تطوعية، إلى مساعدة طلاب الجامعات على تحصيل الرسوم الدراسية، وجمع التبرعات لرعاية الأيتام وتوزيع حزم الطعام الرمضانية للفقراء. كما بدأ الطلاب مؤسسات علمية مثل فرع جامعة الخرطوم لمعهد المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين، وهي المنظمة المهنية الأولى للمهندسين، والتي يطلق عليها أكبر رابطة عالمية للمهنيين التقنيين، والفرع السوداني للنساء العرب في مجال الحوسبة في السودان، وفرع شبكة الإبداع العربي بجامعة الخرطوم.

قال أحمد، وهو زعيم مدني، “إنها ظاهرة ملحوظة لجيل منفصل عن السياسة التقليدية، لكنه، ومع ذلك، يمتلك الكثير من الإمكانات المدنية. إنه بمثابة ضوء في نهاية النفق.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى