أخبار وتقارير

قصتنا: مشروع لتوثيق حكايات من قلب سوريا

لندن ـ على مدى السنوات الخمس الماضية، يدير الفنان والمخرج الإسباني خوان ديلغادو مشروعاً لجمع ونشر القصص الشخصية وذكريات السوريين داخل البلاد وفي الشتات السوري.

يهدف المشروع الذي يحمل اسم “قصتنا” باللغة العربية – لبناء أرشيف للتاريخ الشفوي وسجل من تجارب حياة السوريين العاديين بطريقة منفصلة عن الرواية اليومية للسياسة والحرب الأهلية.

يعتبر مشروع قصتنا أو Talking Syria – وهو اسم المشروع باللغة الإنجليزية – “مثال استثنائي لأرشيف يحافظ على أصوات النازحين والمجتمعات الممزقة من أجل المستقبل ويعمل بمثابة محرك لمقاومة المجتمع في الوقت الحاضر”، بحسب مجموعة التراث المجتمعي والمحفوظات في المملكة المتحدة، والتي منحت المشروع أعلى جائزة للتميز في عام 2017.

تتواجد الآن حوالي 100 قصة على موقع قصتنا، باللغتين الإنجليزية والعربية، و”المئات من القصص الأخرى التي لا تزال قيد الإنجاز،” على حد قول ديلغادو، الذي أشار إلى أن القصص لا تزال قيد الكتابة  والتحرير والترجمة من قبل فريق المتطوعين في المشروع.

تخلق القصص معاً صورة لسوريا ذات الياسمين والمقاهي ذات الطراز القديم، والمباني الحجرية، والشوارع الضيقة والأسواق. وحتماً، يتم تلوين الصورة بطابع حزين.

كما تلتقط القصص أيضاً أصوات أولئك الذين  يقصّون الحكايات. حيث يقول ديلغادو إن الحفاظ على اللهجات المحلية وأشكال اللغة العربية العامية التي يتم التحدث بها في جميع أنحاء البلاد جانب مهم من مهمة المشروع.

قال “منذ البداية، لم نرغب في التركيز على قصص من دمشق وحلب فقط. لقد رغبنا في الحصول على قصص من أماكن نائية مثل دير الزور أو درعا أو القامشلي [في الركن الشمالي الشرقي من سوريا، بعيداً عن العاصمة]، والتي يمكن أن يتعلم منها أهل دمشق أو حلب.” وأضاف “تشبه سوريا بلداً يتألف من جزر: حيث لا يعرف الناس من اللاذقية [على ساحل البحر الأبيض المتوسط] سوى القليل عن الناس من دير الزور [في الصحراء الشرقية].”

يعتقد ديلغادو بأن لكل شخص قصة ليرويها، وفي السنوات الأخيرة شارك في مشاريع تعاونية مكرسة لعمل تقديم قصص النازحين في فيلم سينمائي وعلى الإنترنت.

تُحكى القصص على موقع قصتنا من قبل أشخاص التقى بهم ديل غادو وآخرون وجهاً لوجه أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يتطلب تحديد قصة الشخص وجلبها إلى الوجود الثقة بين الشخص الذي يروي القصة والشخص الذي يقوم بتدوينها.

قال ديلغادو “سيقول لنا بعض الناس: من سيهتم بقصتي؟”. لهذا يتطلب بناء علاقة تتسم بالثقة الكثير من الوقت.”

منع الخوف الكثير من رواية قصصهم. قال “في البداية، كان الناس يقولون: سأكتب لك قصة لكنني أخشى من وضع اسمي عليها لأن عائلتي لا تزال في سوريا وأخشى على سلامتهم. وهذا القلق حقيقي.”

ففي مجتمع منقسم، حيث كانت هناك، حتى قبل اندلاع الحرب، بيروقراطية ومخابرات ومخبرين في كل مكان، غالباً ما يخشى الناس في البداية من التحدث علانية.

في العديد من الحالات، تكون تجربة النزوح خام أو حديثة جدًا بالنسبة لشخص ما ليروي قصة عنها. قال ديلغادو “في أثينا، التقيت بخمسة شبان من القامشلي الذين كانوا ينتظرون العبور إلى أوروبا. كانوا يعرفون بأنهم تحت رحمة المهربين للوصول إلى المكان الذي يريدون الذهاب إليه – فرنسا أو الدنمارك. قلت لأحدهم “أود أن أكتب قصة ما حدث لك. فقال لي: أريد أن أنسى ذلك.” تمكنت من رؤية الإحباط والصدمة التي كان أولئك الناس يتحملونهما. قلت: من المؤلم جدًا أن نتذكر ما حدث، لكنه مهمٌ جداً بالنسبة لابنتك التي تبلغ من العمر عامين. ستحتاج لمعرفة قصة عبور والدها للحدود ووصوله بسلام. في النهاية قام بكتابة قصته. لم يكن كاتبًا، كما أن الناس الذين يكتبون لنا ليسوا كتّاباً أيضاً. لكن قصته قوية جداً، واطلق عليها عنوان “وجه ابنتي“. لقد كتب القصة لأنه عرف بأن ابنته ستقرأ القصة عندما تكبر. وهنا تكمن قوة رواية القصص.”

يسجل مشروع قصتنا ما يسميه ديل غادو “قصصًا من القلب” ويتجنب السياسة. وفي بلد منقسم بسبب الحرب الأهلية، ليس هذا بالأمر اليسير دائمًا. قال “هناك شباب في سن 21 أو 22 لم يكن لديهم خيار سوى القتال إلى جانب هذا الطرف أو الآخر. سنحتاج لبعض الوقت لفهم ما حدث. لم يرغب الشبان السوريون في المشاركة في هذه الحرب.” وبصفته إسباني، يعتبر ديل غادو مواطناً من بلد ما زال يحاول تفهم حربه الأهلية، حتى لو كانت قد انتهت قبل ولادته. قال “إنها رغبة دائمة للشعب السوري للحفاظ على ثقافته حية وهذا ما يجعلني أستمر.”

هناك خطط لتوسيع المشروع بطريقة تستجيب للوجه المتغير للأزمة السورية. ففي جنوب تركيا، يقدر عدد الأطفال الذين تيتموا بسبب الحرب بحدود 20,000 طفل. قال ديلغادو “نريد تقديم ورشة عمل لهم حول سرد القصص.” سيكون الهدف من ذلك علاجياً بشكل أساسي ويتمثل في “بناء مجتمع يضم هؤلاء الأشخاص والكبار الذين يعتنون بهم”، ويعني ذلك العمل مع المستشارين والمهنيين في مجال الدعم النفسي الاجتماعي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى