مقالات رأي

باحثة وأم تطالب بتكافؤ فرص التعليم

منذ ما يقترب من ربع قرن التحق ابني الكبير أحمد، والذي يعاني من ضعف شديد بالسمع ويرتدي باستمرار سماعة ويتواصل مع من حوله بقراءة الشفاه، بمدرسة حكومية. لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق لكننا لم نرغب بإلحاقه بمدارس خاصة بذوي الإعاقة والتي تحمل اسم مدارس “الأمل” لكونها لا تحمل “أملاً” بإلحاق طلابها بالتعليم العالي.

كنت أدرس وأعلمه المناهج الدراسية قبل أن يتم تدريسها له في المدرسة لمساعدته على التغلب على صعوبات التواصل. كان مجتهداً شغوفاً حريصاً على التواصل مع زملائه. يطلب من زميله أن يكتب له السؤال الذي يلقيه أستاذه، ثم يرفع يده طالباً السماح له بالإجابة. يُفاجئ أستاذه بإجابته الصحيحة ويصفق زملاؤه إعجاباً بتفوقه لترتسم على وجه أحمد ابتسامة لا تنسى.

مع ذلك، وفي السنة الرابعة للتعليم الابتدائي، عاد أحمد باكياً من المدرسة بعد أن قررت المدرسة عدم السماح له باستكمال تعليمه في المدرسة النظامية وتحويله لمدارس خاصة بذوي الإعاقة. كانت الصدمة كبيرة، لكننا لم نستسلم وتحملنا مسؤولية تعليمه في المنزل.

نجح أحمد بالثانوية العامة، لكن الفرحة لم تكتمل بسبب قرارات المجلس الأعلى للجامعات المصرية والتي تحدد الكليات التي يمكن للطلاب ذوي الإعاقة الالتحاق بها ليس بناء على نتائجهم الدراسية ولكن استناداً لإعاقتهم فقط مهما كان نوعها. (اقرأ القصة ذات الصلة: خيارات محدودة لذوي الاحتياجات الخاصة بالجامعات المصرية).

لم نعتقد أن هذه القرارات تحقق التمكين الذي يضمنه الدستور لابننا. ولأن أحمد تميز منذ طفولته بقدرة مبهجة على رسم شخصيات الأسرة بتفاصيل مميزة، سعينا ليكمل دراسته العالية في الفنون التطبيقية.

لكن مسؤول كبير في المجلس الأعلى للجامعات تعجب من رغبته بدراسة الفنون، قائلاً “هذه كلية للمتفوقين، اشكري الله أن دراسة الحقوق والأداب متاحة أمامه.” بينما أبدت موظفة أخرى من تمكن أحمد من اجتياز الثانوية العامة وهو أصم.

لم يكن أمامنا سوى التوجه لمعهد خاص بمصروفات كبيرة على أسرة متوسطة لديها ولدين فاقدين للسمع بما يتطلبه هذا من معينات سمعية وصيانة وبطاريات.

في المعهد العالي للفنون التطبيقية تخلص أحمد من اسم شهرته في المدرسة الابتدائية (أحمد سماعات)، واختار لنفسه لقبا أحبه (أونا) وصار اسم شهرته فيما بعد. كما أتيحت له دراسة عملية أحبها وتميز بها في قسم التصميم والإعلان. وهنا لابد من الإشارة إلى المساعدات التي قدمها المعهد لمساعدته على التغلب على مشكلات التواصل، إذ حرصت إدارة المعهد على توفير معظم المحاضرات في صورة مكتوبة، وكان الأساتذة أثناء الاختبارات يكتبون تنبيهاتهم الشفوية لأحمد. كما أتيحت له جلسات فردية بدعم المعيدين للإجابة على استفساراته في بعض المواد النظرية.

منح المعهد أحمد مجتمعاً محباً داعماً سواء من قبل أساتذته أو حتى زملاءه، الذين كانوا يحرصون على التأكد من فهمه لكل المحاضرات وإشراكه في أي نشاطات داخل المعهد بما في ذلك انتخابه في اتحاد الطلاب.

حصل أحمد على بكالوريوس الفنون التطبيقية بتقدير جيد جداً على الرغم من إقامته في مدينة بعيدة عن الأسرة. وفرضت موهبته في التصميم نفسها بحيث حصل على وظيفة في شركة عالمية موظفوها متعددو الجنسيات واللغات ويتواصلون مع بعضهم البعض بالكتابة باللغة الإنجليزية لتتضاءل مشكلات صعوبة التواصل كثيراً بالنسبة له.

أؤمن بموهبة ابني وإرادته القوية، وأدرك أهمية دعمنا كأسرة له والدور الذي لعبناه لتأمين تعليم جيد له. لكنني أدرك أن هذا ليس متوفراً لكل الطلاب من ذوي الإعاقات المختلفة. تلعب الأسر دوراً كبيراً في دعم تعليم أطفالها ذوي الإعاقة، لكن غياب وجود سياسات فعلية تضمن فرصاً تعليمية جيدة متساوية أمام جميع الطلاب دون استثناءات بسبب إعاقات لا ذنب لهم فيها يجعل من تجربة أحمد استثناء لا يتكرر بسهولة أبداً.

 *سهير عبد الحفيظ، كاتبة حاصلة على دكتوراه في التربية وأخصائية في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى