مقالات رأي

المغرب: جدل أكاديمي-ديني حول علم الجنس والأخلاق

الرباط – قبل بضعة أسابيع، زعم رجل دين مغربي بأن الجنس خارج إطار الزواج يتسبب في حدوث السرطان. فقامت إحدى عالمات الاجتماع المغربيات بالرد على ذلك بدعوة السلطات ووسائل الإعلام إلى عدم توفير منصات لشخصيات دينية تتفوه بـ “حماقات” تمثل الجهل الذي ينطوي عليه خطر عام.

بدأ ذلك في 18 كانون الثاني/ يناير، عندما استمعت سمية نعمان جسوس إلى حلقة من برنامج “دين ودنيا” على إذاعة شدى أف ام، وهي محطة إذاعية مغربية رئيسية، استضافت الداعية الديني المعروف عبد الرحمن السكاش.

تدرّس جسوس، الأكاديمية البارزة وعالمة اجتماع، في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء. وقد أصبحت مشهورة في الثمانينيات، عندما كتبت كتاباً كان الأكثر مبيعاً في حينها بعنوان “بلا حشومة” حول الحياة الجنسية للنساء المغربيات، بالاعتماد على مئات المقابلات. كتبت جسوس للصحافة وهي مؤيدة نشطة لحقوق المرأة في المغرب.

صُدمت جيسوس للغاية وشعرت بالغضب بسبب ما سمعته من الداعية لدرجة أنها توجهت إلى الفيسبوك لكتابة رسالة مفتوحة طويلة للجمهور والسلطات والتي قامت في وقت لاحق بنشرها على موقع هاف بوست المغرب.

ادعى الشيخ في برنامجه بأن علماء غربيين قد اكتشفوا مؤخراً بأن المرأة عندما تقيم علاقات جنسية، فإن السائل المنوي لشريكها سيترك رمز جيني في مهبل ورحم المرأة. وإذا ما كان للمرأة علاقات جنسية مع رجل آخر، فإن ذلك سيؤدي للإصابة بسرطان الرحم وسرطان عنق الرحم. وأوضح بأن فترة العدّة – وهي فترة الأربعة أشهر وعشرة أيام التي يتوجب على الأرامل والمطلقات أن ينتظرن فيها قبل الزواج مرة أخرى، بحسب الشريعة – هي بالضبط الوقت اللازم لمحو ذلك الرمز الجيني.

في منشورها على الفيسبوك، وصفت جسوس الداعية بـ “الهذيان” لقوله “ما اكتشفه العلماء الغربيون للتو، عرفه النبي بالفعل قبل 14 قرناً. لقد عرف بأن الرحم يحتاج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام لتغيير الرمز الجيني للحيوانات المنوية. كيف يمكن أن يعرف هذا لو لم يكن الأمر بالمعجزة الإلهية؟”

اعترضت جسوس على ذلك وكتبت “خلال السنوات الثلاثين الماضية، وبصفتي عالمة اجتماع وشخص عادي، درست القرآن والحديث والفقه، واستشرت علماء حقيقيين ومحترمين، لم أسمع أبدا عن هذا الرمز” (كما أن البحث السريع على الإنترنت عن موضوع الاكتشافات العلمية لم يُشر إلى أي ذكر لهذا الاكتشاف المزعوم المتعلق بالرمز الجيني للحيوانات المنوية وسرطان الرحم).

كتبت جسوس “هل من الطبيعي، في المغرب في القرن الحادي والعشرين، البلد الذي يمتلك طموحات كبيرة لتحديث وتثقيف سكانه ومكافحة الظلامية الدينية، السماح بمثل هذه الأنواع من الحماقات؟ وهل من المقبول بالنسبة لرؤساء المحطات الإذاعية أن يقدموا منبرا لهؤلاء الفقهاء الجاهلين بهدف إعلام وتوجيه شعبنا؟”

تشير جسوس إلى أن التفسير المعترف به لفترة العدّة هو أنه يتيح الوقت للتأكد من أبوة الأطفال. وأشارت أيضاً إلى أن كلمات السكاش قد تقنع النساء المخلصات لأزواجهن بأنهن لا يحتجن لإجراء الكشف عن السرطانات التي يُفترض أنها تنتج عن الجنس خارج إطار الزواج فقط.

وذكرت الأستاذة بأن المغرب قد أنشأ في العام 2014 معهداً جديداً لتدريب الدعاة الدينيين. وهذا يعني ضمان أن أولئك الذين يتوافرون على مستوى معين من التعليم والذين يتبنون الخطاب الديني السائد وحدهم من سيشغلون وظائف في المساجد. وتساءلت جسوس عن سبب عدم دعوة وسائل الإعلام لعلماء الدين والدعاة المدربين هؤلاء، وعن سبب عدم مراقبة السلطات، التي تدعي دعم الإسلام المعتدل المستنير، للخطاب الديني عن كثب.

أثارت الرسالة المفتوحة لجسوس نقاشاً على وسائل التواصل الاجتماعي أولاً ومن ثم في وسائل الإعلام التقليدية. وطرحت مجموعة من الأسئلة، بدءً من العلاقة بين المعرفة العلمية والسلطة الدينية، وحركة “المعجزات العلمية” المتنامية، التي تحاول إثبات أن جميع الاكتشافات العلمية الحديثة قد تنبأت بها الآيات في القرآن.

وكانت هناك أيضا مسألة ما إذا كان على وسائل الإعلام والسلطات القيام بالمزيد لمنع نشر أشكال معينة من الخطاب الديني غير المسؤول أو المتعصب، في حين أنها تفرض رقابة على حرية التعبير في كثير من القضايا السياسية. ومن الأسئلة الأخرى موضوع كيفية مناقشة الواقع الجنسي لحياة المغاربة، والذي قال العديد من الباحثين طوال سنوات عديدة إنه مختلف تماماً في الممارسة عمّا هو مقبول قانونياً واجتماعياً ودينياً.

لم يتم تناول معظم هذه الأسئلة أثناء نقاش لمتابعة القضية على إذاعة شدى اف أم، حيث رفضت المحطة الاعتذار ودافعت عن تصريحات الداعية باسم حرية التعبير وقالوا إنها قد تم إخراجها من السياق. لكنها قامت بدعوة جسوس إلى برنامج آخر، لمناقشة الداعية السلفي محمد الفيزازي، وهو شخصية دينية أخرى مثيرة للجدل.

شاهدتُ ذلك النقاش وذهلت بالسرعة التي تم تغيير مسار الحوار فيها عما اعتقدتُ بأنه السؤال الأساسي المتمثل في صحة الادعاءات العملية الزائفة للسكاش، وكيفية التأكد من عدم إثارة الرجال المتمتعين بالسلطة الدينية لادعاءات ونصائح مشكوك فيها.

لكن إذاعة شدى اف ام بدت وكأنها لم تعتبر النقاش فرصة لتخليص نفسها فحسب بل فرصة أخرى لعرض قصة مثيرة للمستمعين. فقد تم الإعلان عن النقاش كمناقشة لظاهرة “العلاقات الجنسية المتعددة خارج إطار الزواج”. ففي البداية، سأل المقدم كلاً من جسوس والفيزازي أسئلة مثل “هل أنت مع أو ضد الجنس خارج إطار الزواج؟ وهل أنت مع أو ضد تعدد الزوجات؟ وهل أنت مع أو ضد الصيام في شهر رمضان؟” وكانت للداعية إجابات بسيطة على كل هذه الاسئلة. فيما وازنت إجابات جسوس الأكثر دقة بين كل من الحرية الشخصية وحقوق المرأة والمعتقد الديني.

وسرعان ما كان الشيخ يقول للباحثة “أنت تتحدثين عن شيء ليس من اختصاصك. أنت لا تفهمين القرآن.” فأجابت جسوس عن ذلك بالقول “القرآن لي كما هو لك.”

بعد المناقشة، كتبت جسوس في منشور طويل على موقع الفيسبوك أن العديد من أصدقائها وزملائها قد نصحوها بعدم المشاركة في الحوار. وكما توقعت جسوس، انخرط الفيزازي في “مهاجمة شخصي وإيماني وكرامتي ودوري كأستاذة بدلاً من أفكاري”. واتهمها الداعية بأنها غربية التوجّه وباستيراد أفكارها من الخارج، وبأنها تدعم الجنس خارج إطار الزواج والفساد الأخلاقي وبأنها كافرة.

تقول جسوس إنها كانت مقتنعة بقرارها في الدفاع عن أفكارها علناً. وقالت بأن الطريقة التي أطرّت بها المحطة الإذاعية النقاش والطريقة التي هاجمها بها الداعية أثبتت وجهة نظرها الأصلية، حسب رأيها، والمتمثلة في وجود حاجة ماسة لتغيير الخطاب الديني والتغطية الإعلامية له.

الآن، طالبت الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري إذاعة شدى اف ام بتوضيح موقفها. ومع ذلك، فقد أصدرت الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري بالفعل ثلاثة تحذيرات للداعية السكاش – لورود إشارات تمييزية وتحريضية في خطابه – من دون أي تأثير يُذكر.

في هذه الأثناء، يبقى الثمن باهظاً بالنسبة للأكاديميين، مثل جسوس، والذين يجرؤون على التشكيك في سلامة ما تقوله شخصيات دينية. حيث أنهم يواجهون تشويه سمعة علني بل وقد يتلقون تهديدات تمس سلامتهم الشخصية في أحيانٍ أخرى.

كتبت جسوس في روايتها عن الحوار الإذاعي، “دور الفقيه هو الاستماع إلى الآخرين لإبلاغهم عمّا إذا كانوا يخطئون وتوجيههم في الاتجاه الصحيح وليس محاولة تدميرهم في عيون الرأي العام من خلال اتهامهم بالكفر. وحده الله من يمكنه أن يحكم في كون المرء مؤمن جيد أو لا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى