مقالات رأي

الاعتماد الأكاديمي وتلبية حاجات الطلاب

يبلغ الطلب على التعليم العالي اليوم في العالم العربي أوجه. فالطلاب والعائلات والحكومات والمجتمعات جميعهم يعلمون أنّ التعليم العالي هو المفتاح الأساس للنجاح الفردي والوطني في الاقتصاد المترابط  والمعولَم.

وبالتالي فإننا نجد آلاف المؤسسات الأكاديمية التي تسعى لتلبية هذا الطلب. إلا أن التعليم العالي ليس موحداً في العالم العربي أو في العالم عامة، بل هو متنوّع إلى درجة مثيرة للدهشة. وتتراوح أحجام هذه المؤسسات من الصغيرة جداً إلى الضخمة، ومن المتخصصة جداً إلى الشاملة، ومن العامة إلى الخاصة غير الهادفة للربح والخاصة الهادفة للربح، مع تشكيلة واسعة من الأهداف والقيم. ومن المهم أن يجد كل طالب البرنامج الأكاديمي المناسب له في المؤسسة الأكاديمية المناسبة. ولكنه لأمر صعب أيضاً.

تكمن هذه الصعوبة في تنوع جودة المؤسسات والبرامج بشدة. كما تكمن في غياب أساليب عامة لقياس الجودة في التعليم العالي، فحتى أصغر المؤسسات تُعتبر معقدة. وتختلف البرامج بشدة من حيث المقاربة والأهداف والقدرات. وتعتز المؤسسات باستقلاليتها، ويعزّز التنوع المؤسساتي التجديد والمنافسة، ما يزيد الفرص للطلاب على تفاوت اهتماماتهم وقدراتهم وأهدافهم.

يشير غياب المؤشرات المعيارية وتنوع البرامج والمؤسسات غالباً إلى أن المعلومات حول التعليم العالي غامضة، ومحدودة، ويصعب الحصول عليها. وقد سمح ذلك للعديد من أنظمة التصنيف بالازدهار. وتدعي هذه الأنظمة إعطاء إنطباعات واضحة حول مختلف المؤسسات والبرامج ومزاياها، فهي تبدو موضوعية وعلمية. ولكنها ليست كذلك. فجميعها غير سليمة من حيث المنهجية التي تتبعها، كما أنها تزود معلومات غير ملائمة. إن الموضوعية الزائفة تسمح لأنظمة التصنيف بالتأثير بشدة وبشكل غير مبرر على آراء الطلاب والأهل والحكومات على حد سواء، وهي غالباً ما تبدل تماماً أولويات المؤسسة التي تريد أن تحسن تصنيفها من أجل تحسين سمعتها وعلامتها التجارية.

هناك مقاربة أخرى لتقييم الجودة وتزويد المعلومات وهي التي تعطيها مختلف أنواع الاعتمادات الأكاديمية. تضع الحكومات أحياناً أو الهيئات غير الحكومية أحياناً أخرى هذه الاعتمادات، وهي تقترح عادة مجموعة من المعايير أو المقاييس التي يتوجب على المؤسسة أو البرنامج أن يحترمها على الأقل، وذلك عبر عملية نقد وتقييم خارجية. نشرت الفنار للإعلام مؤخراً لائحة مفيدة تتضمن أكثر من 450 برنامج ومؤسسة في المنطقة تتمتّع بنوع من أنواع الاعتماد العالمي. إلا أنه من المهم أن يفهم المرء ما تعنيه أشكال الاعتماد هذه.

نجد شكلين أساسيين من الاعتماد، الاعتماد البرنامجي أو المتخصص والاعتماد المؤسساتي. أوّلهما هو الأكثر شيوعاً في العالم العربي ويتعلّق فقط بالبرامج الأكاديمية. وعلى الرغم من أن معظم الدول تتمتّ بأشكال اعتماد وطنية، إن الاعتماد العالمي ينمو ويلاقي عامة معايير أعلى من الجودة، ويزيد بذلك فرصة المتخرج بالتنقل في سوق العمل. وعلى سبيل المثال، تحصل برامج إدارة الأعمال على الاعتماد من منظمات اعتماد عالمية متعددة مثل AACSB, AMBA, EQUIS. يعترف الموظِّفون فوراً بالشهادة الصادرة عن برنامج حائز على أحد هذه الاعتمادات، ويزيد ذلك فرص توظيف المتخرجين وينوّع الأماكن التي يمكن أن يعملوا فيها. ويبذل الطالب الذي يهدف إلى الحصول على سيرة مهنية ناجحة في مجال محدد كل جهوده ليتسجل في برنامج معتمد في هذا المجال.

إلا أنّ البرامج الأكاديمية ليست معلّقة في الفراغ. فجميعها تقريباً يندرج ضمن مؤسسة أكاديمية. فاعتماد البرنامج لا يفصح سوى القليل حول المؤسسة الأكثر شمولية التي تحوي هذا البرنامج. فالمؤسسات ليست معقدة ومتنوعة فحسب، بل تتضمن أيضاً مجموعة من البرامج والخدمات والبنى التحتية الضرورية لدعمها.

تقع منظمات الاعتماد المؤسساتي الأكثر شهرة في الولايات المتحدة. وتتمتع هذه المنظمات التطوعية وغير الهادفة للربح بثقل كبير في أميركا، وذلك لأنّ معظم أشكال التمويل الحكومي للمساعدات المالية للطلاب والبحث العلمي تتطلب اعتماد مؤسساتي كشرط للحصول على التمويل. وفيما تمنح بعض المنظمات الأميركية الاعتماد لعدد محدود من المؤسسات الأكاديمية خارج الولايات المتحدة، إنّ تركيزها الأساسي يبقى محلياً.

تتمتّع الدول الأخرى في المنطقة العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بأشكال من الاعتماد الخاصة بها، وتسعى دول أخرى إلى تطوير الوسائل للقيام بذلك. إنّ الاعتماد المؤسساتي، بغض النظر عن موقعه، شكله ومعاييره، لا يتعلّق فعلياً بالتفوّق الأكاديمي، بل يتعلّق في الواقع ببلوغ عتبة معيّنة – أدنى معايير أو مقاييس في التقييم. إنّ نموذج العتبة هذا شائع لأنّه الوسيلة الوحيدة لاستيعاب تنوّع المؤسسات الأكاديمية في أيّ بلد أو مجموعة.

يعتبر البعض التعليمَ العالي الأميركي نموذجاً يُحتذى به ويسعون لتقليده، إلا أنّ جودة المؤسسات والبرامج الأكاديمية في الولايات المتحدة تختلف بشدة أيضاً. وتعني العتبة أو مقاربة الحد الأدنى المتّبعة في الولايات المتحدة أن المؤسسة الأضعف بين المؤسسات الحاصلة على الاعتماد يحق لها أن تصرّح أننها حائزة على الاعتماد نفسه الذي حازت عليه جامعتا هارفرد وستانفورد. تظهر هذه السخافة أنّ اعتماد العتبة عديم الجدوى تماماً من حيث التفوق.

لكن الاعتماد بمختلف أشكاله هو وسيلة مفيدة للتحقق، وطريقة لفصل البرامج والمؤسسات الجيدة عن غير المعتمدة. ويتوجب على الطلاب أن يتفحّصوا عن قرب أيّ برنامج أو مؤسسة قد يثير اهتمامهم. فالاعتماد، شأنه شأن أنظمة التصنيف، لا يمكن أن يكون موضوعياً تماماً ولا يروي قصة البرنامج أو المؤسسة كلّها. قد يكون الاعتماد شكلاً من أشكال حماية المستهلك، إلا أنّه لا يحدّد إذا ما كان برنامج أو مؤسسة معينة مناسبة لفرد معيّن. وفي العالم العربي، تسعى الهيئات الحكومية وغير الحكومية بشدة لتزويد المعلومات الوافية، ولكن يعود الأمر في نهاية المطاف للطلاب والأهل في التمعّن في جميع الأوجه الممكنة للفرص الدراسية والمؤسسات، مع العلم أنّ المعلومات ليست كاملة أو سهلة المنال أبداً.

قد يكون التعليم العالي أهم استثمار يقوم به المرء في حياته. ومجرد النظر إلى التصنيفات أو تفقد الاعتمادات غير كافٍ للتحضير للاختيارات التي يتضمنها هذا الاستثمار.

تشيستير هاسكيل، أحد الشركاء في مجموعة إيدو-آلايينس، هو مستشار في التعليم العالي ويعمل مع جامعات في العديد من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة والمكسيك وهولندا واسبانيا والبرازيل. يتمتّع بخبرة طويلة في قيادة الجامعات في الولايات المتحدة، وقد شغر مناصب عليا طيلة 13 سنة في جامعة هارفرد وترأس كلية في كاليفورنيا لأكثر من عقد من الزمن. كما أنّه عضو في مجلس الأمناء في جامعة الغرير في دبي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى