أخبار وتقارير

ابتكارات لتوظيف الشعوب في حل مشاكل العالم العربي

القاهرة – ساهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال عبر الإنترنت في تسهيل الوصول الفوري إلى أعداد كبيرة من الناس، وربط الشركات بالجمهور العالمي، وإعطاء فرصة للإصغاء لصوت الجماهير. وسواء كان ذلك بهدف جمع الأموال أو جمع التوقيعات بخصوص قضية ما أو جمع محتوى يقوم بإنشائه المستخدمون، فإن إمكانيات الاستفادة من هذه المجموعة الهائلة من المواهب والمعارف والمهارات تبدو بلا نهاية.

وبينما تنظر الحكومات في العالم العربي إلى هذه القوة المتصاعدة للـ “الحشود” بعين الريبة، يسعى بعض الناس لاستخدامها لتحقيق المصلحة الاجتماعية. ويعتبر تامر طه، الباحث والاستشاري في سياسة الابتكار، واحداً منهم.

أطلق طه منصة عبر الإنترنت لاستقطاب الجمهور بهدف إيجاد حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية والبيئية والصناعية من خلال عملية اطلق عليها اسم “الابتكار التشاركي CrowdSolving”.

يساعد طه وفريقه شركات التقنية المنخفضة والمنظمات غير الحكومية على تحديد المشاكل التي يواجهونها وربطهم فيما بعد بالأشخاص الذين يمتلكون أفكار للحلول الإبداعية عبر منصة يُمكن Yomken.com. إذ يحصل الأشخاص الذين يساهمون في الوصول إلى الحلول الفائزة على جائزة مالية تسمح لهم بتطوير حلولهم أو تكوين نموذج مبدئي لها.

بعد بناء شبكة تضم أكثر من 3,500 مبتكر وتحقيق سجل حافل من الحلول الناجحة في مصر، وسّعت المنصة أنشطتها مؤخراً إلى بلدان أخرى في المنطقة من خلال شراكات في تونس والمغرب والأردن وفلسطين.

قال طه “يواجه العالم العربي مشكلة في تطبيق البحث العلمي لحل المشكلات الاجتماعية والصناعية بطريقة ابتكارية. ومن ناحية أخرى، هناك مبتكرون يتمتعون بإمكانات جيدة لا يعرفون كيفية تسويق أو تمويل أفكارهم.”

بحسب تقرير اليونسكو عن العلوم: نحو عام 2030، ساهم العالم العربي بنسبة 0.2 في المئة فقط من براءات الاختراع المقدمة إلى المكتب الأميركي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية في عام 2013. وفي الوقت ذاته، تضاعف عدد الأبحاث العلمية التي أنجزها العلماء في العالم العربي في الفترة بين عامي 2008 و 2014.

يرى طه بأن التفاوت بين هذه الأرقام يشير إلى وجود مشكلة في تحويل المعرفة العلمية إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق. ويعتقد أن بإمكان الابتكار التشاركي سد هذه الفجوة من خلال تقديم مشاكل فعلية للباحثين والعلماء لحلها، بدلاً من التدريبات النظرية.

تعمل منصة يُمكن، التي أطلقت في العام 2012، أيضاً كسوق للمبتكرين لعرض أفكارهم وإبداعاتهم. بالنسبة للصناعيين، يمكن أن يقلل الابتكار التشاركي من تكاليف الابتكار ويوفّر الحلول الممكنة المقدمة من أشخاص من مختلف التخصصات عبر نقطة اتصال واحدة.

وبما أن جودة الفكرة هي المعيار الرئيسي، سيكون في إمكان الاشخاص من مختلف الخلفيات الاجتماعية والتعليمية المشاركة. ويساعد ذلك على إلغاء مركزية الابتكار، مما يسمح للناس بالاستجابة للتحديات من أي مكان.

قال خالد حجاب، مؤسس مجموعة تك ترايبز، وهي منظمة غير ربحية في الأردن دخلت مؤخراً في شراكة مع شبكة يُمكن، “أعتقد بأن الابتكار التشاركي يوفر للجميع فرصة في أن يكونوا جزءً من الحل للمشاكل اليومية. يجمع هذا بين الشعور الديمقراطي بالمسؤولية والشعور بالمواطنة التي تستفيد من الإبداع والتقدم العلمي والمواهب المحلية.”

يُعتبر غياب القنوات المناسبة للمشاركة العامة من الأسباب التي دفعت حجاب لتأسيس منظمة تك ترايبز، والتي تساعد الشباب والجماعات التي تحركها قضية ما وغيرها من المنظمات غير الربحية على الاستجابة بشكل أفضل لقضايا المجتمع من خلال الأدوات الرقمية.

قال حجاب، المتخصص في الابتكار الاجتماعي الدولي وتطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض التنمية، “رغبت في إنشاء قنوات للمشاركة من شأنها أن تكسب ثقة الناس، قنوات تحترم آراء الناس بغض النظر عن خلفياتهم، وقنوات يسهُل فهمها وقبولها على نطاق واسع، والأهم من ذلك، أن تكون قنوات لا يعتبرها عامة الناس نخبوية.”

هناك دافع قليل للتعاون بين مجال الصناعة والأكاديميين في العالم العربي. الصورة من منصة يُمكن.

تعمل منصة لنبني فلسطين Build Palestine، وهي منظمة أخرى شريكة لـ “يُمكن”، على ربط الداعمين في جميع أنحاء العالم بمشاريع لها أثر اجتماعي في فلسطين. تعمل المنصة مع المجتمعات المحلية لتعزيز روح المبادرة الاجتماعية والابتكار التشاركي بهدف تطوير مشاريع أكثر ابتكاراً وتأثيراً.

قالت بيسان أبو جودة، مسؤولة الارتباط الرئيسي في منصة “لنبني فلسطين”، “سهّل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إمكانية الوصول إلى المجتمع والداعمين في جميع أنحاء العالم، من شيلي إلى فنلندا. هدفنا هو نقل تحديات الابتكار التشاركي من فلسطين وتقديمها للمجتمع بهدف حلها محليا ودوليا.”

في مناطق أخرى من المنطقة، تبرز مجموعات أخرى ذات نهج مختلف قليلاً لكنها تتوافر على جانب تعاون جماهيري قوي.

قال حجاب “إذا ما أردنا تحقيق اقتصاد عربي وطني ناجح، فإننا بحاجة إلى هذه المنصات العابرة للحدود الوطنية بهدف إيجاد حلول من داخل المنطقة.”

وفي واحدة من أمثلة التعاون العربي الناجحة، رغبت شركة بيدالو، وهي شركة شحن تونسية، في تحويل الطاقة الحركية لدراجات التوصيل الخاصة بها إلى طاقة كهربائية لشحن الهواتف المحمولة لسعاة البريد أثناء التنقل. حيث تم نشر التحدي على منصة يُمكن وتم شحن نموذج أولي للحل الفائز إلى الشركة من مصر.

قال عدنان بن حاجي، مؤسس بيدالو، إن صعوبة العثور على تكنولوجيا بتكلفة يسيرة في تونس قد شجعته على اللجوء إلى منصة يُمكن.

قال بن حاجي “لا يجتمع المبتكرون في تونس معاً، لذلك يصعُب الوصول إليهم. ولا تمتلك الشركات الصناعية، ولاسيما الشركات الناشئة، الموارد أو الوقت للذهاب إلى كل جامعة بهدف البحث عن المبتكرين. لقد كان الابتكار التشاركي بمثابة الحل السحري لأنه قام بربط جميع النقاط.”

وتشمل الحلول الأخرى المنشورة على الموقع الإلكتروني لمنصة يُمكن تصفية المياه الجوفية منزلياً، وآلة حصاد للقطن المصري طويل التيلة، وآلة لفرز الخضروات تلقائياً باستخدام الذكاء الاصطناعي.

تدعو المنصة الأكاديميين والباحثين والمهندسين ومصممي المنتجات للمساهمة في الحلول. كما أنها ترحب أيضاً بالمساهمات المقدمة من طلاب الجامعات وخريجي التعليم المهني، والذين غالباً ما يكونون أقل تقديراً في الدول العربية.

قال سمير سليمان، مدير المجتمع في شركة المقر كووركينغ سبيس Coworking Space، “يجب أن يتجاوز تفكير الشركات في بحثها عن حلول إبداعية موضوع الاستيراد. هناك أشخاص يستطيعون تقديم حلول محلية. ولدى خريجي التعليم المهني الكثير من الإمكانات، لكنهم بحاجة إلى مساعدة للوصول إلى العملاء.”

تخرج سليمان نفسه من التعليم المهني وتوجّه إلى منصة يُمكن بفكرة خلاقة.

فبواسطة معدات كان متوفرة في منزله، أنشأ سليمان عتبة محمولة تتحرك مع الباب لمنع الغبار والحشرات من الدخول الى المكان. وكان المنتج مفيداً في الأماكن التي لا يسمح فيها بعتبات ثابتة لاعتبارات السلامة أو سهولة دخول الكراسي المتحركة، كما هو الحال في المستشفيات. وقد ساعدت منصة يُمكن سليمان في تمويل وتسويق المنتج.

لكن هذا النهج الشعبي ينطوي على تحدياته الخاصة أيضاً.

قال أحمد شوقي موسى، مدير مكتب تسويق الابتكار التكنولوجي في جامعة القاهرة، “تعتبر حماية حقوق الملكية الفكرية مشكلة رئيسية بالنسبة لنموذج الابتكار التشاركي. كما أن الجائزة المالية عادة ما تكون غير كافية لمقدمي الحلول.”

يعتقد موسى أن هناك دافع قليل للتعاون بين مجال الصناعة والأكاديميين في مصر.

قال “ليست هناك حوافز للصناعيين الذين يعتمدون على الحلول المطورة محلياً للتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث. ومن ناحية اخرى، ليست هناك لوائح في مراكز الأبحاث والجامعات تربط التقدم الوظيفي بالتعاون مع الصناعات وعدد براءات الاختراع.”

لكن هذا الوضع قد يكون على وشك أن يتغير في مصر على الأقل.

فبحسب قانون الاستثمار الجديد الذى تمت الموافقة عليه العام الماضي، سيتم إعفاء الأموال التي ينفقها المستثمرون لدعم التعليم التقني وتمويل الدراسات والبحوث العلمية أو رعاية المبتكرين من الضرائب بشرط ألا تتجاوز قيمتها 10 في المئة من ارباح الشركة.

قال طه “سيشجع هذا بالتأكيد المزيد من الشركات على تحمل مخاطر الابتكار. وينبغي أن يحفّز مدراء المالية والمحاسبة أيضاً على تشجيع شركاتهم على الاستثمار في مثل هذه الأنشطة التي يمكن أن تحقق أرباحا أكبر إذا ما أجريت بشكل كاف.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى