مقالات رأي

قضية طارق رمضان وتكميم أفواه النساء المسلمات

يعتبر طارق رمضان، المفكر ذو الشهرة العالمية والوسيط الممكن بين بين الإسلام والغرب، من أحدث الشخصيات البارزة من الرجال الذين يتم اتهامهم بالعنف والإكراه الجنسي . لكن تسييس قضية رمضان يلقي بظلاله على قضية أكثر أهمية، وهي قدرة المرأة المسلمة على التحدث بأمان ضد التحرش والاعتداءات.

يواجه رمضان اتهامين بالاغتصاب في فرنسا. كما أخبرت عدد من النساء الأخريات المنظمات الإخبارية إنهن قد كن في علاقات بالتراضي مع الباحث المتزوج، أو أنه قد اقترح ذلك عليهن. ويشمل ذلك أربع نساء قلن لصحيفة سويسرية إنهن تعرضن للإغواء من قبل رمضان عندما كن طالبات في سن المراهقة في فصله في مدرسة ثانوية في سويسرا. وقد وصفت النساء، اللواتي اختار بعضهن عدم الكشف عن هويتهن، الوقوع تحت تأثير مفكر عام ومعروف، والذي تواصلن معه بهدف الحصول على المشورة أو التوجيه؛ وقالت النساء إن رمضان قام بتهديدهن في حال قيامهن بالكشف عن لقاءاته بهن.

وما أن برزت اتهامات الاغتصاب للعلن، حتى سارع رمضان لنفيها، قائلاً إنها جزء من “حملة تشهير مدبرة بوضوح من قبل خصومي الدائمين”. ومنذ ذلك الحين قال إنه يلتزم الصمت بناءً على طلب محاميه، لكنه عبّر عن ثقته في نظام العدالة.

في وقت سابق من هذا الشهر، وافق رمضان على أخذ إجازة من جامعة أوكسفورد، حيث يعمل كأستاذ للدراسات الإسلامية المعاصرة في كلية الدراسات الشرقية، حيث موّلت قطر كرسيه هناك. يدير رمضان أيضاً مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة في قطر، ويعمل كأستاذ زائر في كلية الدراسات الإسلامية هناك.

يذكر أن رمضان هو حفيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر. في خمسينيات القرن الماضي، ذهبت أسرته إلى المنفى في سويسرا، حيث ولد ونشأ. وقد مُنع من دخول العديد من الدول العربية بعد انتقاده لها بكونها غير ديمقراطية، كما كانت قدرته على الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية مركزاً لمعركة قانونية طويلة الأمد كسبها في نهاية المطاف.

ألف رمضان عشرات الكتب عن الإسلام والاندماج والإصلاح الديني، وهو متحدث عام ذو كاريزما وضيف متكرر على شاشات التلفزيون. وقد برز في التسعينيات عندما ظهر بصفته صوتاً وقائداً للشباب المسلمين في أوروبا.

يرى رمضان أن ارتداء النساء المسلمات للحجاب واجب ديني. ويعتبر ناقداً للعولمة والصهيونية ورهاب الإسلام “الإسلاموفوبيا”. ولطالما جادل بشأن قدرة المسلمين في أوروبا على التمسك بإيمانهم وممارسة مواطنيتهم بشكل كامل. ويدعو رمضان إلى قراءة سياقية ولكن متحفظة للقرآن.

https://www.bue.edu.eg/

قبل أن يتم تقديم الاتهامات الحالية في فرنسا – البلد الذي وصل فيه النقاش حول التهديد الذي يمثله الإسلام للعلمانية والهوية الوطنية إلى درجة الغليان – كان رمضان بالأساس مثيراً للجدل إلى حد كبير. فقد اتهم بأنه مخادع ومعادٍ للسامية، وبالانخراط في “كلام مزدوج” أثناء عمله سراً لصالح جماعة الإخوان المسلمين بهدف تقويض الجمهورية. (يقول الباحثون الذين درسوا أعماله بشكل مكثف إن خطاب رمضان متسق إلى حد كبير، وأنه إذا ما كان يبدو مخادعاً في بعض الأحيان، فان ذلك نتيجة لمحاولته الصعبة جداً في مخاطبة الكثير من الجماهير المختلفة).

لكن ماذا لو ثبتت الاتهامات الموجهة إلى رمضان، هل يمكن لها أن تقوض موقعه البحثي والفكري؟ سيكون ذلك بالتأكيد حجة لمنتقدي رمضان في فرنسا، والذين اعتبروا الفضيحة الجنسية بمثابة إدانة. وقد استخدموها لتفنيد جميع حجج رمضان، وإدانة أعمال العنف والنفاق للاسلام السياسي؛ وتشويه سمعة المثقفين اليساريين الذين وافقوا على الحوار مع رمضان على مر السنين ودافعوا عن حريته في التعبير؛ ولإدانة الإسلام نفسه.

قال احد طلاب رمضان في جامعة أوكسفورد لصحيفة “لو موند” الفرنسية، “في فرنسا، كان الأمر كما لو أن الاسلام نفسه يتعرض للمحاكمة.”

هذا النوع من الهجمات هو بالضبط ما يدفع العديد من المسلمين، وربما النساء المسلمات على وجه الخصوص، إلى السكوت عن الجرائم المرتكبة بحقهن والمشاكل داخل مجتمعاتهن. ففي هذا النوع من النقاش، لا أحد يهتم حقاً بالضحايا من الإناث – لا المروجين لرهاب الإسلام الذين يستخدمون بشكل متعمد معاناة المرأة لتسجيل نقاط أيديولوجية، ولا أولئك الذين يضغطون على النساء بهدف التزام الصمت لحماية دينهم ومجتمعهم.

وأول من اتهمتا رمضان في فرنسا، هند عياري، وهي امرأة تونسية جزائرية كتبت مذكرات حول انفصالها عن خلفيتها السلفية وتحولها إلى ناشطة علمانية. على الانترنت، اتهم أنصار رمضان عياري بأنها كاذبة مدفوعة من الصهاينة لتشويه سمعة العلماء؛ فيما ركز آخرون على مظهرها، وتوقيت كشفها للأمر، و”اغترابها” عن الإسلام.

يقول رمضان نفسه، والذي ينفي جميع التهم، إنه ضحية “مؤامرة لتشويه سمعته” من جانب “أعدائه المعتادين”. وقد قام بمقاضاة متهميه بالتشهير.

منذ اندلاع فضيحة مزاعم الاعتداء الجنسي ضد منتج الأفلام الأميركي هارفي وينستين في خريف هذا العام، كانت هناك حوار واسع النطاق على الانترنت حول الطريقة التي يسيء بها الرجال استغلال مناصب السلطة للتحرش الجنسي وإساءة معاملة النساء. لكن، وعلى حسب علمي، فإن قضية رمضان لم تتم تغطيتها كثيراً في وسائل الإعلام العربية. حتى أنني لم أتمكن من العثور على أية تغطية لتلك الاتهامات على موقع قناة الجزيرة الإخبارية، وهي القناة التي غالباً ما يظهر فيها رمضان كضيف.

إن ما يبعث على القلق بشكل خاص إزاء التهم الموجهة إلى رمضان هو أنه إذا كان ذلك صحيحاً، فهذا يعني بأنه قد استفاد من احترام النساء لتعلمه الديني وسلطته العلمية للايقاع بهن كضحايا. حيث أن من السهل دائماً على الرجال القيام بذلك ضمن الثقافات والمؤسسات التي تعاقب المرأة على التحدث عن الانتهاكات.

ترى فاطمة خميلات، وهي طالبة دكتوراه في فرنسا، بأن على المجتمعات الإسلامية الانضمام إلى الحوار العالمي بشأن التحرش الجنسي. وكتبت خميلات مؤخراً في صحيفة لوموند، “أليست [النساء المسلمات] نساء مثل الأخريات تماماً؟ أليس الرجال المسلمين مثل الرجال الآخرين؟ وهل تتوقف السلطة الأبوية عند أبواب المسجد، ليتم احتواؤها بالكامل داخل المساجد أو خارجها، بحسب وجهة نظر أحدهم؟ علينا إذن أن نعترف بأنه ليس هناك استثناء إسلامي في قضايا الفضيلة أو الاعتداء الجنسي.”

هناك أدلة كثيرة على أن التحرش منتشر في الجامعات العربية. وقد سمعت الكثير من القصص المحزنة والمزعجة على مر السنين. لكن، عندما تحاول الطالبات وأعضاء هيئة التدريس من النساء إثارة هذه المسألة، فإنهن غالباً ما يتعرضن للانتقاد والمعاقبة.

ففي إحدى الحالات الفظيعة، تم فصل رولا قواس، العميدة في إحدى كليات الجامعة الأردنية، من منصبها عام 2012 بعد أن قامت طالبات في فصلها الخاص بالنظرية النسوية بانتاج فيلم قصير يضم أنواع التعليقات الجنسية التي كان عليهن تحملها كل يوم في الحرم الجامعي.

مع ذلك، بُذلت جهود لتحسين المناخ المحيط بالمرأة في الجامعات. وكتبت الفنار للإعلام مؤخراً عن كيفية اتخاذ جامعة القاهرة خطوات لمعالجة شكاوى التحرش. من المؤكد أن المرأة بحاجة إلى أن تكون قادرة على التحدث بحرية وأمان ضد الشخصيات الدينية والأكاديميين الذين يسيئون استخدام سلطتهم.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى