أخبار وتقارير

تفاوت في نتائج تعليم اللاجئين في ألمانيا

برلين، ألمانيا – بعد سنتين من بدء توافد السوريين إلى ألمانيا بمئات الآلاف، حصلت ألمانيا على نتائج متفاوتة في دمج الوافدين الجدد في نظامها التعليمي. لا يتعلّم الأولاد الكبار في السنة التي تلي وصولهم إلى البلاد إلا اللغة والثقافة الألمانية، ويمكن للأولاد الأصغر سناً الذين يتعلّمون اللغة بسرعة أكبر أن ينضمّوا إلى أقرانهم في الصف.

وفقاً للخبراء يكمن جزء من المشكلة في المقاربة اللامركزية والمخصصة لتعليم اللاجئين في ألمانيا. فقد اضطرت المدارس إلى اعتماد السياسات في عجلة بعد أن قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بإعلان قرارها التاريخي في العام 2015 لفتح حدود البلاد أمام الهاربين من النزاعات في الشرق الأوسط والمناطق الأخرى – وهو قرار سرعان ما جعل من ألمانيا الوجهة الأوروبية الأولى للاجئين.

تقول جوليان كاراكايالي، وهي أستاذة في علم الاجتماع في جامعة برلين البروتيستانت للعلوم التطبيقية، “يدرك الجميع أن هذه الإجراءات مؤقتة. لذا، يبررون عدم القيام بتغييرات هيكلية طويلة الأمد، فهم يظنون أنها ستكون حالة فريدة لن تتكرر.”

وبحسب إحصاءات المكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين، استقبلت ألمانيا حتى شهر أيلول/سبتمبر 2017 حوالى 1.4 مليون لاجئ، 37 في المئة منهم تقريباً هم من الأطفال دون سنّ الثامنة عشر.

يعمل النظام بشكل مفيد بالنسبة لبعض الوافدين الجدد. ومن بينهم ابنتَيْ محمد الصغيرتين، وهو لاجئ يبلغ من العمر 27 عاماً من مدينة حمص في سوريا، ويعيش اليوم في بلدة نيوكولن في جنوب برلين. يتعجب محمد، الذي طلب ألا نفصح عن اسمه كاملاً، أمام ما أنجزته عائلته منذ فرورهم من سوريا في آب/أغسطس 2015. وصلوا إلى ألمانيا بعد ستة أشهر مرّوا خلالها في لبنان والكويت.

ولكن فور وصولهم، بدأوا يواجهون المصاعب. سلبهم مهربون في محطة قطار برلين الرئيسية. وفي مآوى اللاجئين، غالباً ما اضطروا إلى التخييم خارجاً في الشتاء مع طفل صغير وفتاة رضيعة بانتظار توفر الأسرّة. أما اليوم فيعيشون في شقة بفضل مساعدة مجموعة إغاثة خاصة.

على الرغم من الصعوبات التي تواجهها العائلة، ما يعزي محمد هو تقدّم ابنتيه لورا، 6 سنوات، وتالا، سنتين، في النظام المدرسي الألماني. تتكلّم لورا الألمانية بطلاقة. قال “نحاول أحياناً أن نتعلّم منها. إنّها لا تخجل من التكلم”.

يسمح صغر سن ابنتَي محمد لهما بالدخول مباشرة إلى الصفوف الألمانية العادية. إنهما محظوظتان. فيصعب على الكثير من الأطفال اللاجئين أن يحرزوا تقدماً ولو بسيطاً في ظل استراتيجية ألمانيا اللامركزية لتعليم اللاجئين.

يُسجَّل معظم التلاميذ اللاجئين والمهاجرين الذين يتخطى عمرهم السادسة أو السابعة في “صفوف استقبال” منفصلة عن غيرها وتدوم سنة كاملة، ويتم التركيز فيها على تعليم اللغة والثقافة الألمانية. تهدف هذه الصفوف إلى تحضير التلاميذ الأجانب للبرنامج التعليمي المتطلّب المتّبع في مدارس البلد التقليدية.

قال كلاوس هورلمان، وهو أستاذ الصحة العامة والتربية في جامعة هيرتي للحوكمة، وهي جامعة خاصة في برلين، إنّ صفوف الاستقبال تهدف أيضاً إلى تسهيل انخراط التلاميذ اللاجئين في نظام التعليم الألماني من دون إرباك المدارس الألمانية المصممة من أجل التلاميذ الألمان المتجانسين.

يقسم نظام ألمانيا التربوي، وهو من آثار ماضي ألمانيا البروسي، التلاميذ إلى واحد من ثلاثة مسارات في المرحلة الثانوية بالاستناد إلى جدارتهم، فلا يُعطى إلا أفضلهم الفرصة في ارتياد الجامعة.

إيلا، 12، وشقيقتها الصغرى، يد، 5، تلعبان خلال جولة في مدرسة عزيز نيسين، المدرسة الألمانية المزدوجة اللغة الوحيدة في برلين.

يصعب الانتقال بين المسارات، وغالباً ما يتخلف الأطفال اللاجئون عن غيرهم. فكان أداء التلاميذ القادمين من خلفية لاجئين في ألمانيا أسوأ بنسبة 50 في المئة مقارنة مع أقرانهم الألمانيين في مواد مثل الرياضيات والعلوم، وذلك حتّى بعد أخذ بعين الاعتبار حالتهم الاقتصادية والاجتماعية، بحسب دراسة قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2015.

يُعزى هذا التباين بشكل أساسي للصعوبة في إتقان اللغة الألمانية، فيما يقول البعض إن هذا يدعم فلسفة صفوف الاستقبال بتعلّم الطفل اللاجئ الألمانية فقط  لمدة سنة كاملة على حساب مواد أخرى.

قال هورلمان “تعليم اللغة بالغ في الأهمية في هذه الصفوف، كما هو التعرف إلى قوانين الحياة اليومية في المدرسة الألمانية والاعتياد عليها.”

ومع أنّ هذا النموذج يبدو مثالياً للبعض، قال هورلمان “تُطرح العديد من الأسئلة حول إذا ما كانت سنة واحدة كافية لسدّ كلّ هذه النواقص. ولكن ما هي البدائل المتوفرة لنا؟”

أحد المسائل التي تثير القلق حول صفوف الاستقبال هي أنّها تختلف تماماً من ولاية إلى أخرى. فكلّ من ولايات ألمانيا الستة عشر مسؤولة عن نظام تعلميها الخاص، مع قدر قليل من الإشراف الفدرالي.

وتقول كاراكايالي التي قامت بدراسة صفوف يحضرها 12 ألف تلميذ لاجئ في برلين، إنه نظراً لغياب برنامج فدرالي للصفوف، إنّ معظم الأساتذة في صفوف الاستقبال غير مدربين ويبتكرون المحتوى من دون سابق تحضير.

ففي برلين على سبيل المثال يجب أن يكون الأستاذ متدرب على تعليم اللغة الألمانية وفقاً للسلطات التربوية في المدينة. إلا أنّ اتحاد برلين للتربية وساينس وهو فريق من حزب العمال، يقولا إنّ ما يقارب نصف الأساتذة الجدد الذين وُظفوا في برلين في هذا العام لا يتمتعون بخبرة سابقة في التعليم.

يشعر معظم الأساتذة أن صفوف الاستقبال تفصل التلاميذ اللاجئين عن غيرهم عوضاً عن أن تعطيهم الأدوات التي يحتاجون إليها للنجاح. تقول كاراكايالي إنه يمكن للصفوف أن تكون مقصرة أمام التلاميذ الأكبر سناً الذين من المفترض أن يتعلموا مواضيع أخرى في مواد أساسية، وليس اللغة الألمانية فحسب.”يخسر المراهقون سنة كاملة من سنوات الدراسة ليتعلموا اللغة الألمانية فقط. إنه تصميم غير فعّال. علينا أن نجد نموذجاً لهؤلاء التلاميذ يمكّنهم من محاولة التعلم في صفوف عادية بالتزامن مع تعلمهم الألمانية.”

ولكن وفقاً لكاراكايالي ليست صفوف الاستقبال إلا “جزء صغير” من المشاكل التي تواجهها ألمانيا في تعليم اللاجئين بشكل لائق ودمجهم في المجتمع. “ينفذ كلّ شيء في حالة هلع. المشكلة في أنّه غالباً ما تكون سياسة التعليم مضللة.”

اختبر محمد مشاكل نظام تعليم اللاجئين بنفسه. فقد اضطر هو وزوجته سودة البالغة من العمر 28 عاماً أن يلتحقا بصفوف لغة واندماج مكثفة تديرها الدولة، من أجل الحصول على التأشيرة الألمانية.

يعتقد محمّد أنه وبالرغم من كون التعليم في صف زوجته يتمّ باللغة الانكليزية بالكامل، نادراً ما تنطق كلمة ألمانية في صفه. فيخاطب الأستاذ التلاميذ باللغة الانكليزية وغالباً ما يترجم محمد من الانكليزية إلى العربية لزملائه. قال “أساعد في صفي الناس الذين لا يمكنهم التمييز بين أحرف الأبجدية الأجنبية. نعتبر كلّنا متساوين. لقد أضعت ستة أشهر من حياتي على هذه الأمور. هباء.”

تمكّن محمد من تعليم نفسه اللغة الألمانية للمحادثة، وهي مهارة سمحت له بالحصول على عمل بدوام جزئي كحارس في المبنى الذي يسكن فيه. ويأمل أن يحسّن لغته ليتمكن أخيراً من الحصول على تدريب كميكانيكي للدراجات النارية، مهنته قبل مغادرته سوريا.

كما ولديه آمال كبيرة لابنتيه. فيقول له أساتذتهما إنّهما متفوقتان في المدرسة.

قال “أود أن تصبح لورا طبيبة أسنان. تليق لها فكرة إصلاح أسنان الناس. أما الصغرى فأريدها أن تصبح محامية، فهي تدافع عن أمها دائماً حين نتحاور”.

تعتقد كاراكايالي أنه للأسف لا يمكن للاجئين الآخرين الذين يحاولون الحصول على التعليم في ألمانيا أن يكونوا بهذا التفاؤل. قالت “ببساطة، من غير العادل أن نترك هؤلاء الأطفال والمراهقين في هذه الحالة المريعة والمتزعزعة. هل نريد أن نعيش في مجتمع رجعي كهذا حيث من غير الواضح إذا ما كانت مجموعة من الناس تتلقى الفرص نفسها التي يحصل عليها الآخرون؟”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى