مقالات رأي

ترميم بناء أثري لدعم الثقافة في القاهرة

القاهرة – في نهاية زقاق صغير في وسط مدينة القاهرة، بعد مشاغل الميكانيكيين والكراسي البلاستيكية التي ترقد أمام المقاهي، يقع مبنى غريب. يعود نصف هذا المبنى إلى تسعينيات القرن التاسع عشر، أما النصف الآخر، فيُعاد بناؤه حالياً باستخدام الآجر الأحمر المكشوف.

إن هذا المبنى هو مقر”تاون هاوس”، وهو صالة عرض للفنون المعاصرة ومعلم ثقافي في القاهرة. أسست الصالة في العام 1998، ولعبت دوراً أساسياً في رعاية الفن المستقل في المدينة. وافتتحت في العام 2006 مسرحاً يُدعى “روابط” في المبنى المجاور لها.

لا يقتصر تاون هاوس على المعارض الفنية فهو يقدم مكتبة ومكان إقامة للفنانين ومجموعة واسعة من المبادرات التربوية والخطابات العامة. ولا يزال يستمر في نشاطه اليوم مع أنه أُجبِر على الإغلاق مرتين في السنوات الأخيرة – الأولى حين داهمته السلطات في العام 2015، والثانية حين انهار جزء من المبنى في العام 2016. ليُعاد بناؤه اليوم.

ليس من الصعب تخمين حالة المبنى الحالية – متضرر وليس مدمر، ينبثق من جديد تحت ظل ظروف صعبة – تماماً مثل الحياة الثقافية في القاهرة.

التقيتُ هناك في زيارتي الأخيرة بمريم النزهي وسارة بهجت، وهما مديرتا المشاريع في صالة العرض. جلسنا في مستودع كبير مقابل المبنى القديم، فقد نقلت صالة العرض جميع نشاطاتها إلى هذا المكان منذ ربيع 2016، بعدما انهار جزء من المبنى الأساسي الذي يعود إلى سنوات الـ1890.

جاءت الشرطة إلى الموقع وقالت إن بحوزتها أمر بهدم المبنى. فاندفع جميع الموظفين والأصدقاء للاتصال بالبلدية وإدراج المبنى كموقع أثري.

تقول بهجت وهي تتذكر تلك الفترة “كان أسبوع من الأخبار الجيدة والسيئة. كنا نذهب إلى منازلنا كل يوم من دون أن نعلم إذا كنا سنجد المبنى لدى عودتنا في اليوم التالي أم لا.”

https://www.bue.edu.eg/

وتتابع قائلة إن مشارفة المبنى على الزوال أدت إلى موجة كبيرة من الدعم. فمُنع الهدم وتآزر السكّان وأصحاب المشاغل الذين في المبنى والشارع كله لدفع كلفة التصليحات.

يحوي اليوم المستودع المعروف بـ”المصنع” المعارض والمكاتب والمكتبة الفنية التي تتضمن 400 كتاب. والمكتبة التي جلسنا فيها مزودة بالسبّورات والكراسي والطاولات المصنوعة من الصناديق الخشبية المُعاد توظيفها. وتستقبل إطلاق الكتب وأحداث العرض التي تقدم أعمال فنانين مصريين شباب يمكن لأي شخص أن يدخل إليها ويجلس فيها ويطّلع عليها.

تتم حالياً عمليات إعادة بناء مبنى تاون هاوس.

وتقول مريم النزهي إنه بما أن صالة العرض صارت الآن “في الشارع حرفياً”، إنها تستقبل عدداً أكبر من الزوار والمارين الفضوليين. “لم يعد هناك سلم يشكل حاجزاً أمام الناس. فنراهم يدخلون ويتفاعلون مع المعرض والمساحة ككل.” ولكن هذا الانفتاح يثير في الوقت عينه القلق حيال الخصوصية والأمن في بعض الحالات.

اضطر تاون هاوس كغيره من المواقع الثقافية في مصر إلى العمل في بيئة سياسية قمعية.

بعد المداهمة التي قام بها ضباط في العام 2015، أغلق المبنى من دون تقديم أي مذكرة أو توجيه تهم. وأخيراً، بعد أشهر عديدة، أُعيد فتح الصالة.

قيّدت السلطات في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي حرية التعبير والتجمع بشدة، ويفيد منظمو المواقع الثقافية في وسط مدينة القاهرة، وهو حيّ كان في قلب مظاهرات العام 2011 التي أطاحت بحكومة الرئيس السابق حسني مبارك، إنهم يتعرضون للمضايقات باستمرار.

وقد عُلّق عرض الأفلام المعتاد في تاون هاوس لأنه من الصعب جداً الحصول على موافقة الرقابة – وهو شرط ضروري لعرض أي فيلم الآن.

تقول بهجت “ليس من السهل أن تواجه هذا الكم من القيود. إنه مرهق.” يمكن أحياناً أن يؤدي التعامل بشكل مبدع مع القيود إلى عمل مثير. ولكن التحدي، بحسب النزهي وبهجت، يكمن في معرفة إلى أي حد يجب على المعرض أن يتنازل ليستمر في العمل من دون أن يخسر مهمته أو هويته.

منذ أواخر العام 2014، استضاف صالون التاون هاوس سلسلة شهرية من الحوارات غير الرسمية يترأسها ضيوف كتّاب أو فنانون أو نقّاد يشاركون مع الحاضرين نصوص حساسة أو غيرها من الأعمال. وقد ترأس الصالونات الروائيون نائل الطوخي متحدثاً عن استخدام العربية العامية في الأدب، والشاعرة إيمان مرسال، والكاتب المغربي عمر برادة مناقشاً العرق والهجرة، والمؤرخة عليا مسلّم مقدّمة أفكارها حول “الحكايات التي نتمنى لو أننا رويناها، وتلك التي تروي نفسها رغماً عنا.”

في الواقع، يبدو أن العديد من المبادرات التي تقوم بها الصالة حالياً تبحث باهتمام في الروايات (كيف نفهمها وكيف نبنيها) وتعطّش للتفكير النقدي.

نظم المعرض مؤخراً ندوة تحت عنوان “إعادة كتابة النقد” هدفت إلى توسيع إطار الحوارات النقدية حول الثقافة المعاصرة في مصر على الرغم من البيئة المقيدة. قدّم أكثر من 150 شخص من شتى الخلفيات الأكاديمية والمهنية للأماكن الإثني عشرة المتوفرة. ومن شباط/فبراير حتى آب/أغسطس 2017، حضر “المفكرون والكتّاب المحليون الناشئون” الذين تم اختيارهم للمشاركة في حلقات مكثفة مع فنانين، نقاد فن أو كتاب معروفين لمناقشة مواضيع مثل كيفية “فهم وفكّ تشفير” لغة النقد.

كان أحد أهداف الندوة وضع “معجم حيوي للنقد الثقافي”. تشير النزهي إلى أنه اليوم “حتى اللغة مقيدة” وعلينا تفادي بعض المصطلحات مثل “الحكومة”، “السياسي” أو “الرقابة”. ولكن جوابها للقيود هي “فلنضع لغة جديدة، فلنجد طريقة لإحباط محاولاتهم”.

سينشر تاون هاوس السنة القادمة إصداراً يتخلل كتابات حرّرها بعض المشتركين في الندوة وصححها المشرفون عليهم، إلى جانب صور من الأعمال الفنية التي نوقشت.

يحتفل تاون هاوس في العام 2018 بعيده العشرين. ويأمل العاملون فيه أن يكون المبنى القديم قد أصلح بأكمله حينها. فبعدما أوشكت الكارثة على الحلول بهم، إنهم يعملون على الحفاظ على إرث صالة العرض. سيطلقون العام المقبل منصة لرقمنة الأعمال الفنية المعاصرة، بدءاً بأرشيف تاون هاوس الخاص ثم الأعمال الأخرى.

والأهم من ذلك هو أن صالة العرض تركز على المستقبل، فهي مصممة على الاستمرار في تأمين مكان للقاء والمشاركة والتفكير بصوت مرتفع.

قالت النزهي “إذا لم يتوفر المكان، لا تظهر الأفكار.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى