أخبار وتقارير

التعليم يبني أفريقيا الوسطى

بانغوي، جمهورية أفريقيا الوسطى- بسبب الحرب أصبحت إيما مباثاس معلمة.

فقبل أربعة اعوام، هاجم أعضاء مسلحون سابقون من الميليشيات المسلمة التي تعرف باسم سيليكا موظف محكمة يبلغ من العمر 31 عاماً في مولانغو، وهي قرية تقع جنوب العاصمة بانغوي.

قالت ” أطلقوا النار على أحد الجيران من على مسافة قريبة قبل أن يضرموا النار في كوخه. كان مشهداً رهيباً.”

ولكونها على دراية بأن المقاتلين السابقين في حركة سيليكا كانوا يمارسون بشكل روتيني أعمال الاغتصاب والنهب والقتل – وقد أطاحت الحركة بحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2013، وسيطرت على البلاد لمدة عام تقريباً –  فرت مباثاس وأسرتها نحو الغابة.

يعتبر المقاتلون السابقون في سيليكا أولئك الذين رفضوا تسريحهم بعد تولي قواتهم السابقة، حركة سيليكا، السلطة في الحكومة. وقد سبق صعود الحركة للسلطة عقدان من حرب أهلية مزقت البلاد.

ومنذ ما يقرب من ثلاث سنوات، لجأت مباثاس وزوجها وأطفالها الأربعة إلى مجتمعات الأقزام حيث عملت في فصول محو الأمية مقابل الحصول على المأوى. وعندما عادت إلى قريتها في نهاية المطاف، سأل مسؤولون من أبرشية الروم الكاثوليك في بانغوي والهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين عمّا إذا كانت مباثاس ستساعدهم على تثقيف الصغار في مشروع جديد باشروا بإنشائه مؤخراً.

قالت في اجتماع لمدرسي المدارس الريفية عقد في أيلول/ سبتمبر في مباتا، وهي بلدة تقع على بعد حوالي 90 ميلاً إلى الجنوب من بانغوي، “لم أستطع ردّ اليد التي قدمها الناس في مجتمعي لمساعدة أطفالنا. لقد بدأت بالفعل بتعليم الأقزام من دون أن يعرفوا أن ذلك بمثابة دعوة القدر. وكنت أرغب في المشاركة في تنمية بلدي من خلال التعليم.”

إيما مباثاس، 31 عاما، معلمة في مدرسة قريتها مولانغ 1، جنوب غرب العاصمة بانغي (الصورة: كريستيان لوكا)

وبتدريسها لمرحلة تتألف من ثمانية تلاميذ حالياً، تعتبر مباثاس واحدة من بين 60 معلماً في المدارس الابتدائية ممّن يعلمون الأطفال في بلدة مبايكي المجاورة منذ أواخر العام الماضي. ويُطلق عليهم اسم “معلمي الآباء” لأنهم، وبينما يفتقرون إلى التدريب الرسمي كمعلمين، فقد اختارهم القرويون لتعليم أطفالهم.

قال الأب آلان لو باتريك، كاهن الرعية في مباتا والمشرف المحلي على المشروع، “نظراً لوجود نقص في المعلمين في المدارس، قرر الآباء ان يختاروا بأنفسهم الأشخاص الذين يستطيعون القراءة والكتابة لتعليم أطفالهم. لم يخضع هؤلاء الناس للتدريب الكلاسيكي، وهم مدربون على الوظيفة.”

وشارك مدربون آخرون في الاجتماع قصصاً مماثلة.

كان دانيال مبوروبو، 65 عاماً، المدرس المتقاعد في مخيم بيشيه Camp-Pêcheur، على بعد حوالي 60 ميلاً جنوب بانغوي، عندما فرّ وآخرون من هجمات مسلحي حركة سيليكا السابقين في كانون الثاني/ يناير 2014. وعندما أصبح الوضع آمناً بالقدر الذي يسمح بالعودة بعد بضع سنوات، وجد مبوروبو القرية في حالة من الفوضى.

قال مبوروبو، الأب لـ 11 صبياً وفتاة صغيرة، “لم يعد هناك أي تعليم. كان بعض الأطفال في الشوارع من دون أدنى تعليم، فيما غادر آخرون القرية مع ذويهم. لقد توجب علينا القيام بكل شيء مرة أخرى.”

 يعلم مبوروبو الآن 15 تلميذاً في الصف الثالث في مدرسة كاثوليكية في قريته.

دانيال مبوروبو، 65 عاما، “معلم ” في مدرسة في مباتا، جمهورية أفريقيا الوسطى. (الصورة: كريستيان لوكا)

قام الموظفون الكاثوليك بتقديم دورات تدريب المعلمين لأولياء الأمور استمرت لمدة 5 إلى 10 أيام في مجالات التربية وعلم نفس الأطفال واللغة الفرنسية والرياضيات والمواطنة والتربية السلمية.

قال نوربرت تيبوغتو، الذي يشرف على التعليم الابتدائي في وزارة التعليم في جمهورية أفريقيا الوسطى، “إن توفر بعض المعرفة في علم نفس الأطفال أمر مهم لإبقاء الأطفال في المشهد وعدم النظر إليهم على أنهم نسخ مصغرة من البالغين. لذلك، يجب أن يكون هناك نهج منهجي لكل درس يتم تدريسه.”

تأمل الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين، وهي منظمة دولية غير حكومية، في بناء 50 مدرسة في جميع أنحاء جمهورية أفريقيا الوسطى في السنوات الخمس المقبلة.

وهناك بالفعل حاجة ماسة لذلك.

تعتبر جمهورية أفريقيا الوسطى من أفقر البلدان في العالم. ويبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة 57 في المئة، بحسب منظمة اليونيسف. وفي عام 2017، حققت البلاد معدل نجاح بنسبة 3 في المئة في منح درجات البكالوريوس، وهو أدنى معدل في العالم.

المدرسة الابتدائية الكاثوليكية في بيابو، جمهورية أفريقيا الوسطى، التي بنيت كجزء من مشروع بدأته أبرشية بانغي بتمويل من منظمة غير حكومية لمساعدة لاجئين. (الصورة: كريستيان لوكا)

ولاتستطيع الحكومة توفير الأمن للمؤسسات التعليمية، كما أنها تفتقر إلى الأموال اللازمة لدفع رواتب المعلمين وغيرهم من الموظفين ذوي الصلة بقطاع التعليم. وفي هذا العام، تأخرت المدارس الحكومية في فتح أبوابها لعدة أشهر بسبب مطالبة المعلمين بدفع رواتبهم، والتي تعتبر ديوناً متأخرة.

قال بيير ماري كبورون، أستاذ التعليم بجامعة بانغوي، “في عدة مناسبات، دفعت الدول المجاورة أو شركاء التنمية رواتب موظفي الخدمة المدنية في جمهورية أفريقيا الوسطى. تكافح الدولة من أجل الوفاء بمهمتها، بينما تحاول مشاريع مثل تلك التابعة لأبرشية بانغوي سد هذه الفجوة. إذا ما كانت هناك حرب، فمن واجبنا أن نثقف الناس من أجل السلام، والتعليم هو الأساس لكل شيء، لأن العقول المدربة جيدا تعزز التنمية.”

لكن المعلمين يواجهون عقبات عديدة.

فخلال العامين الماضيين، قتل رجال مسلحون اربعة أشخاص يعملون مع الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين. وكان آخرها في آب/ أغسطس عندما تعرض عامل للطعن في بامباري، وهي مدينة تقع على بعد نحو 240 ميلا شمال شرق بانغوي.

قال أندرياس كاهلر، مدير الوكالة اليسوعية في جمهورية أفريقيا الوسطى، “لقد اتخذنا إجراءات للتصدي للتحدي الأمني. ونحن نعمل مع المنظمة الدولية للسلامة، منظمة غير حكومية تقدم المشورة في مجال السلامة من خلال التدريب والإحاطة ونظام الإنذار السريع. كما أن لدينا أيضا حراسة أمنية لمنشآتنا ومشاورة أمنية دائمة مع مقرنا الرئيسي في روما.”

تحاول المجموعات الكاثوليكية توظيف مدرسين جدد، لكن المهمة صعبة.

قال الأب لو باتريك في مباتا بأن الوضع كان محبطاً بعد جهود التوظيف الاولى بسبب “عدم التمكن من إيجاد أشخاص آخرين قادرين على القراءة والكتابة في بلدية يبلغ عدد سكانها 37 ألف نسمة، 90 في المئة منهم من الأميين.”

مع ذلك، يعتقد المربون والآباء أن العائدات من ذلك تستحق الأخطار والإحباط.

سوق بيتيفو ، بانغي، جمهورية أفريقيا الوسطى. تقول الفتاة في الملصق: “لدي الحق في الذهاب إلى المدرسة” (الصورة: كريستيان لوكا)

تدرس بياتريس بوسيبا، الطالبة في الصف الثاني والبالغة من العمر 6 سنوات، في مدرسة كاثوليكية في مباتا بعد أن أمضت عاماً ونصف العام في جمهورية الكونغو، حيث لجأ والداها بعد هجمات من قبل مسلحي حركة سيليكا السابقين في آذار/ مارس 2015. نسيت الفتاة الصغيرة كيفية العد من واحد إلى 10 وهي تتحدث لغة السانجو فقط، وهي إحدى لغات شعوب الكريول ومن اللغات الوطنية في جمهورية أفريقيا الوسطى، على الرغم من أن اللغة الفرنسية هي أيضا لغة وطنية يتم التحدث بها على نطاق واسع.

قال جان ألفريد بوسيبا، والد بياتريس، إن ابنته تتعلم اليوم.

قال بوسيبا “منذ أن عادت إلى المدرسة، أصبح في إمكانها أن تعد حتّى الرقم 20 وقراءة نصف حروف الأبجدية الفرنسية.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى