مقالات رأي

باحث مغربي يدرس أشكال جديدة من الهجرة

الرباط، المغرب – التقيت مهدي عليوة بعد ظهر يوم الجمعة في حي أكدال في العاصمة المغربية. كان في طريقه إلى هناك لتناول وجبة الكسكس التقليدية كعادته أسبوعياً مع زملائه في مجموعة “مناهضة العنصرية لمرافقة الأجانب والمهاجرين والدفاع عنهم”.

يرأس عليوة، وهو عالم اجتماع يدرس الهجرة ويدرّس في الجامعة الدولية للرباط، حالياً المجموعة المعروفة بالاختصار الفرنسي GADEM. أسس عليوة وآخرون GADEM عام 2006 بينما كان لا يزال يعمل على أنهاء أطروحة الدكتوراه الخاصه به. وتدافع الرابطة عن حقوق اللاجئين والمهاجرين في المغرب، وكانت مؤثرة في الضغط وتشكيل عملية “تنظيم” جديدة سمحت لعشرات الآلاف من المهاجرين بالحصول على إقامة قانونية هنا.

يعتبر عليوة مثالاً للأكاديمي المنخرط في قضايا المجتمع – فتراه سلساً على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى استعداد لإجراء مقابلات وتوقيع الالتماسات، ومهتماً في التأثير على السياسة وملتزماً بالتضامن مع المجتمعات التي يدرسها. وهو يستشهد بعالم الاجتماع الأمريكي روبرت إزرا بارك، الذي وضع أعمالاً رائدة حول “البيئة الحضرية” والعلاقات العرقية في الولايات المتحدة، كمثال يُحتذى به.

عاد عليوة إلى المغرب عام 2011 تاركاً منصب تدريسي في جامعة تولوز 2 لوميراي. يدرس عليوة تقاطع الديناميات المحلية والانتقالية على طول طرق الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا. ويركز بشكل متزايد على “دبلوماسية الهجرة” في المغرب – المتمثلة في جهود البلاد لتوسيع نفوذها في غرب أفريقيا جزئيا من خلال الترحيب بالمهاجرين من البلدان المجاورة – وعلى المغرب كنموذج جديد لبلد يمثل مصدر للهجرة ومعبر للمهاجرين ومكان جذب للمهاجرين.

يقول عليوة إنه مهتم بتجارب المهاجرين ووجهات نظرهم – والكيفية التي ينظمون أنفسهم بها، وكيف يغيرون أماكن عيشهم، وكيفية خلقهم لروابط بين مواقع مختلفة. قال “أنا أبدأ من القاع وأتحرك باتجاه القمة وليس العكس.”  في يومنا الراهن، لم يخلق المهاجرون شبكة كثيفة من التنقل بين غرب أفريقيا ومناطق الصحراء والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا وأوروبا فحسب، بل أنهم أصبحوا أكثر انخراطاً في النشاط العام أيضاً. فهم يدافعون عن حقوقهم، ويضغطون من أجل حرية الحركة، ويناضلون ضد وحشية الشرطة والعنصرية.

في عام 2013، أعلن ملك المغرب عن تغيير جذري في سياسة الهجرة في المغرب، لجعلها أكثر إنسانية وترحيباً. وإلى جانب الأوساط الأكاديمية الأخرى والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، كان عليوة جزءً من المشاورات حول كيفية تطبيق السياسة الجديدة.

وفي نهاية المطاف، سمحت القواعد الجديدة لغالبية المهاجرين الذين لا يحملون وثائق في المغرب، والذين ينحدرون في الغالب من بلدان أفريقية أخرى – حوالي 24,000 شخص من أصل 27,000 متقدم حتى الآن – بالحصول على أوراق الإقامة.  وأقرّ البرلمان قانوناً لمكافحة تهريب البشر، غير أنه لم يتم بعد إقرار القوانين المقترحة الأخرى التي من شأنها وضع اللمسات الأخيرة على التغييرات التي تطرأ على القوانين التي تنظم حقوق طالبي حق اللجوء والمهاجرين الذين يسعون للحصول على الإقامة.

يلقي عليوة مسؤولية ذلك التأخير على الأحزاب السياسية التي تفتقر للخبرة أو ليست لديها مصلحة في هذه المسألة. مع ذلك، يقول إن حملة التنظيم كانت بمثابة “انتصار حقيقي، وتقدم حقيقي. لقد تمكنا من أن نصبح بلداً مستقبلاً للمهاجرين.”

بطبيعة الحال، لا تزال هناك بعض العيوب: حيث يواجه بعض المهاجرين صعوبات في تجديد إقامتهم ويواجهون الفساد والعنصرية وما يسميه عليوة “سلطة الغيشيه” Guichet (وهي النافذة التي يقوم المسؤولون الحكوميون من خلالها بمعالجة ملفات المواطنين). مع ذلك، لم يعد الأجانب يتعرضون للمضايقات المنهجية، ومن الناحية النظرية أصبح في إمكانهم الحصول على الخدمات العامة في المدارس والمستشفيات.

وأتاحت عملية التنظيم أيضاً إمكانية إجراء دراسة علنية للهجرة في المغرب للمرة الأولى. ويعتبر عليوة المؤلف المشارك في دراسة استطلعت أكثر من 1400 مهاجر تقدموا بطلب الحصول على حق الإقامة في المغرب. ووجدت الدراسة، من بين أمور أخرى، أن الأغلبية قد وصلوا إلى البلاد على متن الطائرة وأن 92 في المئة منهم جاءوا من المدن. وأظهرت أن 87 في المئة من المشاركين في الاستطلاع قد أكملوا الدراسة الثانوية فيما يحمل 50  في المئة منهم شهادة جامعية.

ينتمي هؤلاء المهاجرين إلى الطبقة الوسطى في أفريقيا التي لم تتمكن من أن تصبح طبقة وسطية، بحسب عليوة. وقال 65 في المئة من المستطلعة آراؤهم أنهم جاءوا إلى المغرب وهم يفكرون في الاستقرار هناك. وتخصص المملكة حصة من المقاعد الجامعية وحتى المنح الدراسية لمواطني البلدان الأفريقية المجاورة.

وبينما يعتقد عليوة أن المسؤولين المغاربة يسيرون في الاتجاه الصحيح، فإن أكثر ما يثير مخاوفه هو الزيادة الملحوظة في العنصرية ضد الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء الكبرى. ويرى عليوة أن ذلك يعود إلى كون هؤلاء المهاجرين أكثر وضوحاً، ويُنظر إليهم بشكل متزايد على أنهم منافسون اقتصاديون ومستفيدون من الخدمات الشحيحة. ويتوقع أن يكون للمغرب في غضون 20 عاماً حزبه السياسي المناهض للمهاجرين، تماماً كما تفعل العديد من الدول الأوروبية الآن.

على الرغم من ذلك، يلاحظ عليوة أن العديد من المواطنين المغاربة أنفسهم مهاجرين إلى دول أخرى – حيث يعيش ما لا يقل عن أربعة ملايين مغربي في أوروبا اليوم. لكن، حتى الأشخاص الذين اعتادوا على عبور الحدود سيشكلون هويتهم على أساسها.

قال عليوة “نحن بحاجة إلى حدود لاختراع أنفسنا”، في إشارة إلى عمل المؤرخ وعالم السياسة بنديكت أندرسون، والذي اشتهر بمفهومه حول كون الأمم “مجتمعات متخيلة”.

وأضاف “يرغب الناس في الإيمان بها [الحدود]، وتشارك وسائل الإعلام في تعميم فكرة الداخل / الخارج.”

ويهدف عمل عليوة إلى مساعدة مجتمعات المهاجرين على التعبير عن المشاكل والاحتياجات الخاصة بهم. قال “نحن نعمل معاً لإيجاد الحلول، وأثناء العمل، أقوم بالتحليل.” وقال بإنه يشارك هذه التحليلات مع زملائه الناشطين والمجتمعات حيث يجري أبحاثه أولا، ويمكن أن تكون انتقاداتهم قاسية في بعض الأحيان.

وفي حين أنه يتحدث عن العديد من القضايا، لكنه يقول بأنه يحاول ألا يتكلم باسم المهاجرين واللاجئين.

قال “لقد عشت بين فرنسا والمغرب منذ أن كنت في السادسة من عمري. لقد كنت أنا نفسي مهاجراً. لقد واجهت صعوبات في الاندماج في المغرب، وصعوبات للاندماج في فرنسا. وأنا أعلم مدى صعوبة الانضمام إلى عوالم مختلفة؛ أنا وسيط في ذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى