مقالات رأي

اعتقالات تطال أصواتاً مستقلة في المملكة العربية السعودية

في الأسبوع الماضي، تم اعتقال ما يقرُب من ثلاثين داعية وعالم دين ومثقف ناشط في مجال الإصلاح في المملكة العربية السعودية. العدد غير معروف على وجه الدقة لأن السلطات السعودية لم تطلق قائمة بأسماء المعتقلين أو التهم المحددة الموجهة إليهم. إلا أن مسؤولاً أمنياً لم يكشف عن اسمه ادعى بأن المعتقلين تلقوا دعماً مالياً من دول أجنبية وكانوا في صفوف جماعة الإخوان المسلمين والحوثيين، وهي جماعة متمردة تقاتلها المملكة العربية السعودية في اليمن. وزعم المسؤول أن هدفهم هو “زعزعة استقرار المملكة، كخطوة تهدف للإطاحة بالحكومة لصالح جماعة الإخوان المسلمين”.

واستناداً إلى ما هو متداول حالياً، فإن الشيء الوحيد التي يشترك فيه من ألقي القبض عليهم يتمثل في أنهم كانوا أصواتاً مستقلة وناقدة. ينتمي المعتقلون لطيف يشمل الدعاة الأكثر رجعية وعلماء الدين المعتدلين وحتى بعض الشباب التقدميين، بحسب ستيفان لاكروا، المتخصص في شؤون المملكة العربية السعودية وأستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة ساينس بو في باريس.

ومن بين المعتقلين دعاة وعلماء دين من أمثال عايض القرني وعلي العمري. كما أفادت التقارير باعتقال الشاعر زياد بن نحيت والاقتصادي عصام الزامل، وهو شخص ذو نفوذ يتكلم بصراحة عن الاقتصاد السعودي. وقد انتقد الزامل، على حسابه المعروف على موقع تويتر، السياسات الاقتصادية للحكومة، بما في ذلك قرار بيع جزء من شركة النفط الحكومية، أرامكو السعودية.

سلمان العودة، صورة ملفه الشخصي على تويتر

من أبرز المعتقلين أيضاً سلمان العودة، وهو واعظ سعودي حاصل على شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي ويتابعه  أربعة عشر مليون شخص على تويتر. وقد ألف العودة خمسين كتاباً عن الإسلام وهو محرر النسخة العربية من موقع الإسلام اليوم. وقد اعتقل بعد فترة وجيزة من تغريده برسالة تعبر عن أمله في حدوث مصالحة بين السعودية وقطر.

تتهم السعودية والإمارات العربية المتحدة قطر بدعم الإرهاب، على الرغم من أن شكواهم الحقيقية تتمثيل في حقيقة أن لقطر سياسة خارجية تدخلية خاصة بها. فعلى مدى أحداث الربيع العربي، دعمت قطر جماعات سياسية وعسكرية تختلف عن تلك التي حظيت بدعم جيرانها. ويقود المواجهة مع قطر، فضلاً عن الحرب في اليمن، إلى حد كبير محمد بن سلمان، ولي العهد ووزير الدفاع الذي برز في العام الماضي كوريث للعرش السعودي.

وكان العودة قد قضى خمس سنوات في السجن لانتقاده أسرة آل سعود الحاكمة، أبان حرب الخليج الأولى، لسماحها للجنود الأميركيين في التمركز في المملكة. ومنذ ذلك الحين، تطور تفكيره وأصبح أكثر تسامحاً.

وبحسب مضاوي الرشيد، عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية والأستاذة السعودية الزائرة في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، كان العودة في عام 2003 على قائمة وضعتها السلطات السعودية “للمساعدة في محاربة تشدد الشباب السعوديين، والوساطة بين الحكومة والجهاديين، وتقديم تفسيرات دقيقة للنصوص الإسلامية.”

لكن النظام لم يثق أبدا بالعودة، كما كتبت الرشيد، ويرى في استقلاليته وشعبيته العالمية تهديداً. “لأن العوده يعتبر أخطر داعية في المملكة العربية السعودية”. إذ كان العودة داعماً لانتفاضات الربيع العربي على النقيض من النظام الملكي السعودي الذي لم ينظر إلى الثورات في مصر وتونس وليبيا والبحرين المجاورة على وجه الخصوص نظرة ترحيب. ففي عام 2012، نشر كتابا بعنوان “أسئلة الثورة”، منح فيه الشرعية الدينية للانتفاضات الشعبية، لينهي بذلك تقليداً طويلا انتهجه علماء الدين يدين الثورات باعتبارها غير مشروعة ومصادر لفوضى خطيرة. وفي عام 2013، وجه رسالة مفتوحة إلى الملك عبد الله دعا فيها إلى إجراء إصلاحات وإطلاق سراح السجناء السياسيين.

وفي مقاله الأخير في صحيفة “لوموند” الفرنسية، يقول الباحث الفرنسي المتخصص في الاسلام فرانسوا بورجا إن العودة قد جمع بشكل مبتكر في كتابه عن الثورة بين تدريبه السلفي وبين المراجع الغربية مثل “توكيفيل” و “الماجنا الكارتا” أو الميثاق الأعظم. فبحسب بورجا، يتجنب العودة التجاور الثنائي للثورة والخضوع الأعمى للحاكم ويتبع “طريقة إصلاحية ثالثة، تضفي الشرعية على الدفاع عن الحقوق الفردية والمعارضة السياسية، والحد الدستوري من سلطة الملك.”

واستهدفت الاعتقالات أيضاً أعضاء من الجيل الإصلاحي الأصغر سناً، بما في ذلك عبد الله المالكي، أحد الموقعين والمروجين لبيان معروف بعنوان “نحو دولة الحقوق والمؤسسات”، والذي دعا إلى إجراء إصلاحات في المملكة العربية السعودية. والمالكي أيضا مؤلف لكتاب “سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة“، الكتاب الذي أثار نقاشا حيوياً عند نشره عام 2012.

ومن بين المحتجزين أيضاً، مصطفى الحسن، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وقد كتب الحسن كتباً عن إصلاح الفكر الديني وعن شخصيات مثل الباحث الجزائري محمد أركون. وكان منظماً لمنتدى للإصلاحيين الشباب في الخليج، باسم (ملتقى النهضة)، والذي تعرض لهجوم من قبل المحافظين دينياً.

يشير إدراج الأصوات التقدمية إلى جانب العديد من الواعظين المحافظين إلى أن الهدف من الاعتقالات ليس محاربة التطرف بل كل أشكال المعارضة على الأحرى. قال لاكروا، الأستاذ في جامعة ساينس بو، إن هذه الاعتقالات “انتقام لعامي 2011 و 2012” وأنها تظهر “تصميماً على إسكات جميع الأصوات المستقلة.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى