أخبار وتقارير

تراجع القدرات التعليمية: التأثير الخفي لسوء التغذية

مرة أخرى يعود موضوع سوء التغذية ليتصدر عناوين أخبار الشرق الأوسط مرفقاً بصور الرضع ذوي الأطراف الهزيلة كالعظام والبطون المنتفخة. لكن وراء الأزمة الإنسانية في بلدان مثل اليمن تكمن مشكلة طويلة الأمد تتمثل في: الآثار المعرفية على الأطفال الذين نشأوا دون الحصول على طعام كاف.

يعاني أكثر من خمسة ملايين طفل من سوء التغذية في العالم العربي، بحسب جاستين فورسيث، نائب المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسف. ففي بيان له صدر مؤخراً، قال إن حوالي 1.4 مليون من هؤلاء الأطفال معرضون لخطر الموت، لكن بالنسبة لأولئك الذين بقوا على قيد الحياة، ستكون آثار الجوع الذي يعانون منه اليوم ملموسة طوال حياتهم.

يقول الخبراء إن الأطفال الذين لا يحصلون على ما يكفي من المواد الغذائية خلال الأيام الألف الأولى من حياتهم يمكن أن ينتهي بهم الأمر ليواجهوا صعوبات في التعليم في مرحلة المراهقة وحتى مرحلة البلوغ.

قال آرييه شتاين، أستاذ الصحة العالمية وعلم الأوبئة في جامعة إيموري في الولايات المتحدة الأميركية، “يتوجب علينا القلق إزاء هذا الأمر على مستويات مختلفة. لأن الأطفال الذين يعانون من نقص في الغذاء أكثر عرضة للموت وأقل مقاومة للعدوى. لكن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية لن يمتلكوا أيضاً الطاقة للعمل أو تعلم الكثير. إنهم لا يستكشفون وهكذا سيتعلمون أشياء أقل في سن مبكرة.”

مضيفاً “إنها قضية إنسانية على المدى القصير وقضية اجتماعية على المدى الطويل.”

ليس هناك وقت جيد في حياة الشخص ليعاني فيه من سوء التغذية، لكنه ضار بشكل خاص عندما يحدث في الرحم وأول سنتين من الحياة عندما يكون الدماغ لا يزال في طور التطور.

قال فورسيث، “يمكن أن يكون التأثير طويل الأمد لتقزم الدماغ مدمراً. يؤدي ذلك لتقليل الأداء المدرسي، مما يؤدي إلى انخفاض في دخل البالغين بنسبة 22 في المئة في المتوسط.”

إن تعقيد القضايا الأخرى المحيطة بالمجاعة يجعل من الصعوبة بمكان على الباحثين التأكد من أن سوء التغذية هو السبب الوحيد لهذه المشاكل. حيث أن العديد من الشباب في المنطقة الذين يعانون من توقف النمو والذين يعيشون كلاجئين في الوقت ذاته قد تعرضوا أيضاً للعنف أو انقطاع تعليمهم أو فقدان أحد الوالدين.

قالت مورين بلاك، أستاذة طب الأطفال السريري في كلية الطب بجامعة ميريلاند، “لا يحدث سوء التغذية في فراغ. من المستحيل استبعاد كل شيء آخر لأن الأمور السيئة تميل إلى التراكم.”

في العالم العربي، ليس من المستغرب أن تضم البلدان التي تخوض صراعات طويلة الأمد النسبة الأعلى من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. تظهر البيانات التي تم جمعها من الوزارات في تلك البلدان والوكالات الإقليمية والمقدمة من خلال الفنار للإعلام صورة عن انتشار تقزم نمو الأطفال الرضع على نطاق واسع بسبب سوء التغذية في جميع أنحاء المنطقة.

وفي اليمن تتواجد أعلى نسبة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في المنطقة حيث صُنف 46.5 في المئة من الأطفال هناك بأنهم مصابون بتوقف النمو قبل بلوغهم سن الخامسة.ويحل السودان ثانياً بعد اليمن.

الرجاء استخدام الخريطة التفاعلية القابلة للنقر أدناه للإطلاع على المعلومات الخاصة بسوء التغذية في كل دولة على حدة.

قالت فيلما تايلر، المستشارة الإقليمية لشؤون التغذية في منظمة اليونيسف، “لا نزال نواجه مشكلة خطيرة في السودان. نحن نسميها حالة الطوارئ المنسية مع وجود أكثر من 500,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.”

تعاني سوريا أيضاً من ارتفاع معدلات سوء التغذية لدى الأطفال، حيث يعاني 27.5 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة من توقف النمو بسبب سوء التغذية. لكن هذه البيانات ترجع للعام 2009 قبل بدء الحرب في سوريا، مما يعني أن الوضع هناك من المرجح أن يكون أسوأ بكثير مما تشير إليه البيانات.

ليست البلدان الأكثر فقراً في المنطقة وأكثرها تعرضا للصراعات وحدها المعرضة لهذا الخطر.

تقول تايلر إن من المستبعد أن يعاني الأطفال في دول الخليج الغنية من الجوع، لكنهم لا يزالون يعانون من نقص التغذية بشكل كبير بسبب نظام غذائي يفتقر إلى الفواكه والخضروات. أما بخصوص كون جميع سكان تلك الدول بما في ذلك العمال المهاجرين وأسرهم يحصلون على ما يكفي من الغذاء فهو سؤال مفتوح بلا إجابة.

لكن هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها في ظل غياب إحصاءات صحيحة، وهو ما تفتقر إليه معظم دول الخليج.

قالت “نحن ندعو لتوفير المزيد من البيانات حتى نتمكن من فهم الوضع الحالي وكيف يمكننا معالجته. نحن نسمي هذا بالجوع الخفي في بعض الأحيان.”

يعتبر عدم الحصول على المواد الغذائية الصحيحة – سواء بسبب المجاعة أو الوجبات الغذائية السريعة – مضر على الدوام لكنه مؤذٍ على وجه الخصوص في سن مبكرة.

ومن الواضح أن الآثار السلبية تدوم طويلاً. فقد تناولت إحدى البحوث التي أجريت مؤخرا مجاعة غانا عام 1983، وظهر أن آثارها تباينت اعتماداً على الجغرافيا. وقد نظر الباحثون فيما إذا كانت اختبارات الذكاء التي أجريت بعد 20 عاما من المجاعة ترتبط بشدة المجاعة.

تشير نتائجهم إلى وجود صلة قوية بين شدة المجاعة وانخفاض معدل الذكاء، لكنها تطرح مسألة ما إذا كان السبب هو سوء التغذية نفسه أو عوامل الإجهاد الأخرى المصاحبة له. ولأن عقدين من الزمن قد مرّا بين سوء التغذية والاختبارات، فإن البيانات تشير إلى أن الآثار تستمر حتى مرحلة البلوغ. قال شتاين، “يعني ذلك حرمان البلاد من جيل من القدرات البشرية.”

وفي بلدان مثل اليمن، حيث يعاني أكثر من 40 في المئة من الأطفال من نقص التغذية، فإن ذلك يعني أن المدارس والجامعات ستحتاج إلى أن تكون مجهزة للتعامل مع هذا التغيير حيث سينضج هؤلاء الأطفال ليصبحوا طلاباً جامعيين في المستقبل.

ووجدت دراسة غانا أن للاستثمارات في توفير الكتب المدرسية ونوعية المدارس والفصول الدراسية تأثير محدود بمجرد حدوث الضرر المعرفي. وعوضاً عن ذلك، يقترح مؤلفو الدراسة القيام باستثمارات في تحسين صحة الأطفال واستهلاك المواد الغذائية في جميع الأعمار.

تتفق بلاك من جامعة ميريلاند مع ذلك. قالت “يمكن للمدارس ضمان حصول الأطفال على التغذية الكافية أثناء تواجدهم في المدرسة لأننا نعلم بأنه وبغض النظر عن تاريخ تغذية الطفل، فإنه إذا لم تتوفر لهؤلاء الأطفال التغذية الكافية في وقت التعليم، فلن يكون في إمكانهم التركيز.”

أن مجرد معاناة الأطفال من سوء التغذية وانخفاض قدراتهم لا يعني أنه لن يكون في إمكانهم التعلم وتحقيق التقديم في حياتهم المهنية. لكن هذا يعني أنهم يمكن أن يجدوا المزيد من التحدي في تعليمهم ومهنهم المبكرة مما كان يمكن أن يكون عليه الحال لو أنهم قد حصلوا على التغذية المناسبة في طفولتهم.

تنصح بلاك قائلة “لا تقلق بشأن ماضي الطالب لأنه لا يمكنك تغيير ذلك. أنت تريد أن يكون لديك برامج فاعلة لضمان حصولهم على الاهتمام المناسب في الفصل الدراسي.”

وتوصي بلاك بوجوب تدريس الطلاب وفقاً لقدراتهم. قالت، “يجب ان نقوم بتقييمهم ومن ثم وضعهم في صفوف تتناسب مع مستوى مهاراتهم.”

مع ذلك، تقول تايلر إن المدارس والجامعات يجب أن تكون حريصة على عدم إنشاء برامج منفصلة تماماً “للتعليم الخاص” من شأنها عزل الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم عن بقية الطلاب. قالت “نحن نؤيد دائما إدماج الأطفال من ذوي الإعاقة مع الآخرين. يتوجب علينا عدم عزلهم ومفاقمة مشكلتهم.”

يرى أخصائيو التربية إن التوازن بين الإدماج والاهتمام الخاص أمر مهم لتحقيق ما هو صائب. ومن بين الحلول فصل الصفوف حسب القدرة ومستوى التعلم، مع وجوب التأكد من أن هناك تداخل بين جميع الطلاب في ذات العمر خلال النهار من خلال بعض الحصص الدراسية. إذ يتوجب أن تتمتع الفصول الدراسية القائمة على القدرة بالمرونة بحيث يمكن للطلاب التقدم إذا ما تحسن مستواهم أو الحصول على الدروس التي يحتاجون إليها إذا ما تأخر أداؤهم.

لكن في البلدان التي تعاني من سوء التغذية وعواقبها، تقول تايلر إن المسار الأول للعمل يجب أن يؤكد دائما على حصول الأطفال على الغذاء. قالت “للتغذية نفسها العائد الأفضل في الاستثمار.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى