أخبار وتقارير

جودة التعليم العالي العربي: جعجعة بلا طحن

يكشف التقرير أدناه نتائج المسح الذي قامت به الفنار للإعلام لتوثيق إجراءات تنظيم وضبط جودة التعليم العالي في المنطقة العربية. شارك في إعداد وإجراء المسح أكثر من عشرين باحثاً وصحافياً ومحرراً في مختلف الدول العربية. مازال المشروع قيد التطوير والتحديث ليشمل كامل الدول العربية.

القاهرة– لا يبدو الحصول على ترخيص لإنشاء جامعة أو افتتاح كلية جديدة أمراً بسيطاً في المنطقة العربية، إذ يخضع ذلك لقوانين حكومية وأنظمة متشددة في الغالب في إجراءات منح التراخيص. مع ذلك، لا تبدو معايير ضمان ومراقبة جودة مؤسسات التعليم العالي مماثلة في التشدد أو الوضوح في المنطقة.

إذ يكشف بحث قام به فريق من مراسلي الفنار للإعلام، على مدى عام كامل، أن أليات التحقق من جودة الخدمات التعليمية وضمان الالتزام بشروط منح تراخيص المزاولة ليست مفعلة بشكل حقيقي وفي أحيان كثيرة غير موجودة. شمل البحث 17 دولة عربية هي: الجزائر، والبحرين، والكويت، واليمن، والعراق، وسوريا، والأردن، وتونس، والسودان، ومصر، وقطر، وفلسطين، والإمارات العربية المتحدة، ولبنان، وليبيا، والمغرب والصومال. كما نعمل حالياً على استكمال جمع المعلومات لباقي الدول العربية.

قال جابر نصار، الرئيس السابق لجامعة القاهرة، “معايير ضمان وقياس الجودة مازالت حبراً على ورق حتى الأن في مصر وغالبية الدول العربية.”

في المقابل، يخضع افتتاح جامعات أو كليات جديدة في أكثر من نصف الدول العربية إلى سلسلة طويلة من الإجراءات ويتطلب موافقات حكومية من

وزارة التعليم العالي أو من هيئات تابعة لها كما في الجزائر وقطر والبحرين والسودان والأردن واليمن وتونس، ومن رئاسة مجلس الوزراء في

أحوال أخرى كما في العراق. وقد يتطلب في بعض الدول كمصر وسوريا توقيع مرسوم رئاسي. كما يتطلب الحصول على الترخيص استيفاء قائمة طويلة من الشروط تتعلق برأس المال اللازم توفره، والذي يتراوح بين 5,000 ألاف دولار أميركي وأكثر من 100 ألف دولار أميركي، ومواصفات الحرم الجامعي ومرافقه من مكتبات ومختبرات وملاعب وسكن جامعي، والتخصصات الدراسية والمناهج المزمع تقديمها والطاقة الاستيعابية المتوقعة للطلاب، بالإضافة إلى تحديد كفاءات رئيس الجامعة ومجلس إداراتها وموظفيها وأساتذتها. كما تفتقر بعض الدول، كالصومال، إلى أي قوانين ناظمة للتعليم العالي رغم النمو السريع للجامعات الخاصة.

(يمكن التعرف على شروط الترخيص الخاصة في 17 دولة عربية من خلال الضغط على الخريطة التفاعلية هنا).

ندرة المتابعة

طالب يمني خلال امتحانات القبول الجامعي (جيتي ايماجيس)

تبدو معايير مراقبة جودة الخدمات الجامعية بعد منح تراخيص العمل فضفاضة وغير فعالة وفي أحيان كثيرة غير موجودة. إذ وجد فريق الفنار للإعلام مؤسسة حكومية واحدة على الأقل، في 5 دول عربية من أصل 17 هي: الأردن والبحرين والإمارات العربية المتحدة ولبنان، تتولى مهمة الإشراف ومراقبة جودة التعليم العالي في الجامعات الحكومية والخاصة. فعلى سبيل المثال، توجد لجنة في دولة الإمارات العربية المتحدة مسؤولة عن فحص مؤسسات التعليم العالي وبرامجها الدراسية كل خمس سنوات للتأكد من عملها وفق شروط الترخيص. كما يوجد في لبنان لجنة معينة من قبل الحكومة لفحص المؤسسات الأكاديمية بعد ثلاث سنوات من حصولها على الترخيص وقبل تخرج أول دفعة من طلابها.

تتبع هذه اللجان في الغالب وزارة التعليم العالي وفي بعض الأحيان تتبع لرئاسة مجلس الوزراء مباشرة. مع ذلك، لا تمتلك كل هذه المؤسسات أليات واضحة لمتابعة عمل الجامعات وضمان جودة خدماتها ولاحتى صلاحيات لاتخاذ أي إجراء في حال وجود أي مخالفة.

قال محمد الدشت، نائب رئيس الشؤون الأكاديمية في جامعة البوليتكنيك في فلسطين، “هناك صرامة كبيرة في عملية منح تراخيص العمل للجامعات، لكن بمجرد منح التراخيص تصبح عملية المتابعة ضعيفة إن لم تكن معدومة.” موضحاً أن “الضامن لجودة الخدمات فعلياً هو إيمان إدارة الجامعة بأهمية تقديم خدمات جامعية عالية المستوى والتزامها بشروط الترخيص الذي حصلت عليه.”

كما يشكو البعض من عدم استقلالية هيئات مراقبة وضمان الجودة في المنطقة وتبعيتها لجهات حكومية تقلل من كفاءتها.

قال حمادي عطية، رئيس الهيئة الوطنية للتقييم وضمان الجودة والاعتماد في تونس، “تبعيتنا المباشرة لوزارة التعليم العالي تجعلنا مكبلين مئة في المئة وغير قادرين على مباشرة مهامنا بالإضافة إلى البيروقراطية التي تعيق فاعلية عملنا في الإشراف.”

يتفق حسين بوجرة، كاتب عام جامعة التعليم العالي في تونس، مع عطية حول أهمية استقلال هيئة مراقبة الجودة.

قال “لا يمكننا الحديث عن تقييم فعلي وموضوعي لجودة التعليم العالي في تونس في ظل تبعية الهيئة للوزارة ولوزير التعليم العالي شخصياً. ومن المؤسف أن تقارير التقييم توجه إلى الوزير مباشرة ولا يتم نشرها في إطار إرساء مبدأ الشفافية،” مشيراً إلى أن بعض لجان الإشراف تعمل بمنطق “الرقيب” على الأساتذة.

قال “منذ أيام الرئيس المخلوع بن علي حتى اليوم مازالت لجان المراقبة ضعيفة وتعمل وفق أجندات سياسية وليست أكاديمية.”

من جهة أخرى، تفتقر قوانين مراقبة الجودة في العديد من الدول العربية إلى وجود أي بند أو فقرة تتعلق بمكافحة الفساد داخل الجامعات وضمان عدم تضرب مصالح إدارة الجامعة مع الهدف الذي من أجله تم تأسيس الجامعة وذلك بحسب دراسة فريق الفنار للإعلام لقوانين ترخيص الجامعات في 17 دولة عربية. فبحسب المعايير الدولية، لايجوز الجمع بين منصب حكومي وملكية ولو جزئية في المؤسسات التعليمية الخاصة. كما لايمكن قبول الطلاب في الجامعات أو منحهم درجات عليا بسبب نفوذ سياسي أو طائفي أو بعد تلقي رشاوى. لكن الوضع يختلف في العديد من الدول العربية حيث يمتلك قادة سياسيون جامعات خاصة وتتبع بعض الجامعات لكتل سياسية بصورة غير معلنة رسمياً لكنها معروفة.

حكومات تشدد الإجراءات

بالرغم من ضعف معايير ضمان جودة التعليم العالي في المنطقة العربية، إلا أن بعض الحكومات أظهرت تشدداً واضحاً في بعض الحالات وقامت بإغلاق بعض المؤسسات المخالفة.

جامعة الخليج العربي، في البحرين (تصوير جوسيب ماسكي / أغف / إيغ عبر جيتي إيماجيس)

ففي البحرين، تم إغلاق جامعة دلمون الخاصة بعد شكاوى متكررة من الطلاب وذويهم حول التلاعب بدرجات الطلاب وشهاداتهم العلمية مما دفع الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي لتقصي الوضع. وبعد رفض الجامعة تسليم الكشوفات الأصلية والإلكترونية لنتائج طلابها فقد تم اتخاذ قرار إغلاقها نهائياً “لإلحاقها ضرراً بالسمعة التعليمية للبحرين وبالمؤهلات العلمية الصادرة عن مؤسساتها والإضرار بمصالح الطلبة ومستقبلهم إلى جانب عدم توافر الشروط الأكاديمية المناسبة في البرامج التي تقدمها الجامعة،” بحسب بيان صادر عن الأمانة.

في الأردن، قرر مجلس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي إيقاف قبول طلبة جدد في كلية الطب بالجامعة الهاشمية لحين تعيين عميد للكلية وتعيين العدد اللازم من أعضاء هيئة التدريس لتغطية أعداد الطلبة الفعليين في الكلية، وتصحيح التجاوز الحاصل على الطاقة الاستيعابية المقرة للكلية.

قال أحمد منصور، مدير ضمان الجودة في هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها بالمملكة الاردنية الهاشمية، “لدينا لجان متخصصة بمتابعة التزام الجامعات بمعايير الجودة المعتمدة في المملكة، لحرصنا على مستوى التعليم المقدم للطلاب الأردنيين ولرغبتنا أيضاً في اجتذاب طلاب أجانب.”

لا ينكر منصور أن إجراءات المتابعة قد تبدو بطيئة وروتينية، لكنه يعتقد أنها مجدية في النهاية. قال”اتخاذ قرارات بوقف أو سحب ترخيص كلية أو جامعة ليس أمراً هيناً وعلينا التفكير بوضع الطلاب الملتحقين في الجامعة حالياً وأيضاً بالخريجين منها.”

بالطبع، تتسبب النزاعات السياسية والحروب في تراجع معايير جودة التعليم في العديد من الدول العربية. مع ذلك، أغلقت توزارة التعليم العالي في اليمن 12 جامعة خاصة بشكل نهائي و49 برنامج دراسي في عدد من الجامعات الخاصة بصورة جزئية   بسبب مخالفتها لشروط الترخيص والاعتماد التي حددتها الوزارة.

قال يحيى الهادي، وكيل وزارة التعليم العالي، “لجأت بعض الجامعات للقضاء في محاولة لإيقاف قرار الإغلاق، لكننا مصرون على موقفنا بعدم السماح باستمرار عمل جامعات مخالفة لقواعد الترخيص رغم ظروف الحرب التي تشهدها اليمن.”

لكن عبدالله يايه، نائب رئيس الجامعة اليمنية، جامعة خاصة، يعتقد أن معايير الاعتماد وضمان الجودة في اليمن ليست واضحة بشكل كافي. قال “مازال مفهومي الجودة والاعتماد غير واضحين للكثير من المسؤولين وإدارات الجامعات لعدم وجود تعريف كافي وتدريب جيد للكوادر الأكاديمية عليه.”

الجودة: حبر على ورق

في شباط/ فبراير الماضي، ناقش أكاديميون متخصصون في الجودة من 14 دولة عربية أكثر من 87 بحثاً حول آليات تطبيق معايير ضمان جودة التعليم العالي، وإدارة الجودة، وتقويم نماذج في ضمان جودة التعليم العالي ومؤشرات تقييم الأداء ضمن المؤتمر الدولي السابع لضمان جودة التعليم العالي والذي عقد في جامعة أسيوط بصعيد مصر 350 كم جنوب القاهرة.

خلال المؤتمر، أقر غالبية الحاضرين بضعف إجراءات مراقبة وضمان جودة التعليم في مؤسسات بلادهم الأكاديمية.

قال محمد عيسى، أستاذ في جامعة عين شمس، “في كليات التعليم العالي التابعة للجامعات المصرية الحكومية نجد أن الجودة هي جودة ورقية فقط. إذ غالباً ما يتم تقديم تقارير شكلية لا علاقة لها بما يجري فعلياً داخل الجامعات.”

بحسب عيسى، فإنه يوجد 25 جامعة حكومية في مصر، تضم 400 كلية ومعهد، لم يحصل منها على ضمان الجودة والاعتماد سوى 94 كلية. وتعتبر جامعة القاهرة هي الجامعة الأولى التي حصلت 14 كلية فيها على اعتماد الهيئة، تليها جامعة أسيوط باعتماد 9 كليات. بينما تعتبر الجامعة الأميركية في القاهرة الجامعة الوحيدة من بين 23 جامعة خاصة – تضم 140 كلية ومعهد- حصلت على شهادة ضمان الجودة والاعتماد منذ عام 2010.

تعتقد يوهانسن عيد، رئيسة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد التابعة لرئيس مجلس الوزراء في مصر، أن  دور الهيئة هو اعتماد الجودة فقط  وفق عدداً من المعايير المتفق عليها دولياً. بينما يعتبر الوصول للجودة مسئولية الجامعات ودور الهيئة يقتصرعلى التحقق من التزام الجامعات بالمعايير المحددة سلفاً، وتدريب أساتذتها على التقييم الذاتي.

قالت “في مصر، الهيئة لاتمتلك أي دور رقابي أو إشرافي، نحن نعمل لمساعدة الجامعات على تطوير جودة خدماتها.” في الوقت نفسه، تؤكد عيد أن الهيئة قادرة على سحب اعتماد أي جامعة لاتلتزم بمعايير الهيئة.

جامعة الخرطوم، (جيتي ايماجيس)

في السودان، مازال الحديث عن معايير ضبط الجودة خارج دائرة الاهتمام اللازم كما تعتقد علوية حسن عبد الله، الأستاذة المساعدة في جامعة النيلين.

قالت “تطبيق قواعد الجودة والالتزام بها يتطلب فهماً جيداً لمضمونها وأهدافها ونتائجها على العملية التعليمية، كما يتطلب إيماناً من قبل الإدارات بها ليتم اعتمادها بصورة فعلية وليس شكلية.” مضيفة أن غالبية إدارة الجامعات منشغلة باستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب دون إيلاء الاهتمام الكافي بانعكاس ذلك السلبي على مخرجات التعليم.

مزامنة ضبط الجودة

يبدو توحيد معايير ضبط الجودة بين البلدان العربية هدفاً بعيد المدى حالياً، لكنه هام ومؤثر. قال  محمد علي الضو، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة بخت الرضا 150 كم جنوب الخرطوم،. “مع الأسف، يحتاج الطالب العربي إلى معادلة شهادته الجامعية التي حصل عليها في بلده الأم في حال انتقل إلى أي دولة عربية أخرى. إذ لا تعترف الجامعات العربية بشهادات نظيراتها من دول عربية أخرى. لكن في حال تم الاتفاق على معايير موحدة، فستلغى الحاجة إلى معادلة الشهادات العربية في الدول العربية.”

تؤكد غالبية الهيئات الرقابية على جودة التعليم في الدول التي تناولتها دراسة الفنار للإعلام على وجود خطط سنوية لتطوير نظام المراقبة والإشراف وجعله أكثر فاعلية. لكن مجدداً لا يبدو أن الخطط تمتلك استراتيجات واضحة لتحقيق ذلك.

قال شكري مبخوت، رئيس جامعة منوبة، “لتطوير جودة التعليم العالي يجب أولا إيجاد آليات حقيقية للتقييم مع التأكيد على أهمية استقلالية الهيكل المعني بالمراقبة إدارياً ومادياً، إضافة إلى وضع سياسات تشجع الجامعات على الاهتمام أكثر بجودة الخدمات بحيث تصبح جزءاً من مبادئ الجامعة وليست مجرد شرط ضمن شروط الترخيص والاعتماد.”

*ساهم في إعداد التقرير: طارق عبد الجليل من مصر، وأسماء جوابرة من فلسطين، وتسنيم محمد من السودان، وخولة سليتي من تونس، ومختار إبراهيم من سوريا، وإيمان كامل من قطر، وسمر قائد من اليمن، وإسلام الزيني من البحرين، وتوفيق بوقاعدة من الجزائر، وجلجامش نبيل من تركيا، وصبا أبو فرحة من الأردن، وعائشة الجيار من الكويت، وحبيب بطاح من  لبنان، وميلاني سوان من الإمارات العربية المتحدة، وابتسام برادو من المغرب، ودورين أجيامبو وأمين أوالي من الصومال.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى