أخبار وتقارير

طلاب دارفور: حاضر ومستقبل قاتم

القاهرة قبل ثلاثة أعوام جاء الهادي عبدالله، 25 عاماً من إقليم درافور غرب السودان، إلى الخرطوم لاستكمال دراسته الجامعية في كلية الصحافة في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا تاركاً خلفه عائلته النازحة والموزعة على ثلاث مخيمات أقامتها الأمم المتحدة للهاربين من جحيم الحرب على أطراف الإقليم. وعلى الرغم من وصوله للسنة الدراسية الثالثة، إلا أن عبدالله لم يتمكن من حضور معظم محاضراته الدراسية هذا العام لاضطراره للعمل كعامل بناء لتأمين مصروفاته الشخصية والدراسية.

قال “أحتاج للعمل أسبوعين كل شهر لتأمين مصروفي مما ينعكس سلباً على تحصيلي العلمي، لكن ما باليد حيلة أخرى.”

منذ بداية عام 2003، تخوض قوات الحكومة السودانية وإحدى الميليشيات الإثنية المعروفة باسم “الجنجويد” نزاعاً مسلحاً ضد جماعتين متمردتين هما حركة تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة. وعلى الرغم من محاولات توقيع اتفاقيات سلام بين الفريقين المتنازعين خلال الأعوام الماضية، إلا أن القتال في دارفور بين الحكومة وجماعات المتمردين لم يتوقف. إذ يرفض المتمردون التفاهم مع الحكومة السودانية، التي بدورها تستمر في شن حملات إحراق وتدمير لمئات القرى لتهجير سكانها. أسفر النزاع عن سقوط أكثر من 300 ألف قتيل ونزوح نحو 3 ملايين شخص، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ويعتبر شباب دارفور، الذين يتطلعون إلى استكمال تعليمهم الجامعي، من الضحايا المخفيين للصراع.  يبلغ عدد الطلاب من درافور نحو 70 ألف طالب وطالبة، منهم 35 ألف في جامعة الخرطوم وحدها، بحسب إحصائية لتجمع روابط أبناء دارفور في الجامعات السودانية. تنص اتفاقيات السلام الموقعة في 2006 و 2011 على إعفاء طلاب الإقليم من رسوم الدراسة في الجامعات السودانية، لكن وزارة التعليم السودانية ألغت الإعفاء  أواخر العام الماضي وأعادت فرض الرسوم الدراسية على الطلاب بعد انتهاء مدة سريان الاتفاقيات.

قال محمد علي الضو، أستاذ علم النفس التربوي في جامعة بخت الرضا (150 كم جنوب الخرطوم) “ينتهي الإعفاء من الرسوم مع انتهاء مدة الاتفاقية، والتي كانت مرتبطة  بتشكيل السلطة الانتقالية لدارفور وإجراء الاستفتاء الذي حسم لصالح تقسيم الإقليم إلى ولايات، وهو ما حدث. وبالتالي لايمكن الاستمرار في إعفاء الطلاب من تسديد الرسوم.”

يكافح طلاب الإقليم لتحصيل قوت يومهم ومصاريف دراستهم. يكسب عبدالله 60 جنيهاً سودانياً من جراء عمله في قطاع البناء (حوالي 9 دولار أميركي)، بينما يحتاج شهرياً لما لايقل عن 700 جنيه سوداني ( 100 دولار أميركي) كمصرفات معيشة وسكن فضلاً عن 2100 جنيه سوداني (315 دولار أميركي) كرسوم دراسية سنوية.

قال “أتشارك السكن مع ستة شباب أخرين، وأحاول الإكتفاء بوجبتين خلال اليوم لتقليل المصروفات. مع ذلك، أضطر أحياناً لطلب بعض المال من أهلي القاطنين في المخيم.”

كما يواجه الطلاب المعترضين على سياسة الحكومة السودانية مخاطر عديدة. إذ تم فصل بوش عمدة علي بوش، 23 عاماً طالب، من كلية الهندسة المدنية بجامعة بحري في الخرطوم على خلفية مشاركته في الاحتجاجات ضد قرار إجبار طلاب الإقليم على دفع رسوم للدراسة في جامعات السودان. بعد الفصل، عاد بوش إلى دارفور وحصل على شهادة جديدة في الثانوية العامة ليلتحق بعدها بقسم علم الاجتماع في جامعة النيلين. كما يعمل حارساً للأمن في شركة خاصة بأجر شهري يبلغ 300 جنيه سوداني (45 دولار أميركي) لتسديد رسوم دراسته الجديدة.

قال “أسعى جاهداً لاستكمال دراستي الجامعية، لكن الأمر لايبدو ممكناً.”

يحتاج بوش لدفع 4 آلاف جنيه سوداني (600 دولار أميركي) رسوم دراسية، لم يسدد منها سوى 500 جنيه حتى الآن، مما تسبب بحجب نتائج امتحاناته في الفصل الدراسي الأول ويهدد بطرده مجدداً من الجامعة.

قال “يعمل والدي كمزارع في فصل الخريف ويمتهن مهن أخرى موسمية خلال العام، لايتجاوز دخله 800 جنيه سوداني (120 دولار أميركي)، بينما يبلغ عدد أفراد أسرتي 16. لا فرصة لي إطلاقاً في طلب مساعدته.”

يشكو الطلاب أيضاً من التمييز والعنصرية بحقهم أيضاً. لم يواجه عبد الله أي مشكلة في التعامل مع زملاءه السودانيين، لكن العلاقة مع الأساتذة لاتبدو جيدة دوماً.

قال “علاقتي بزملائي في الجامعة ممتازة، لكن الأساتذة لايبدون تعاطفاً مع وضعنا. يحاول البعض البقاء على الحياد، لكن أخرين يتعاونون مع النظام ويقدمون شكاوى ضدنا.”

وعلى الرغم من وجود أربع جامعات في إقليم دارفور، هي: جامعة الفاشر وزالنجي ونيالا والجنينة إضافة إلى فرعين لجامعتي أم درمان الإسلامية بنيالا وبالفاشر، إلا أن قلة التخصصات في هذه الجامعات وضعف البنية التحتية وعدم اعتمادها دولياً يدفع بالكثير من الطلاب لتفضيل الدراسة في الخرطوم رغم ما يواجهونه من صعوبات. فإلى جانب صعوبة تأمين مصاريف الدراسة، يواجه الكثيرون صعوبات في تأمين السكن.

قال بوش “يستضيفني زملائي سراً في السكن الجامعي، إذ أن إقامتي بصورة رسمية في السكن الجامعي ستعرضني للكثير من الملاحقات الأمنية بسبب  تعقب السلطات لنشاطنا السياسي في الجامعة.”

وكانت منظمة العفو الدولية قد وثقت في تقرير – صدر مطلع العام الحالي- مجموعة من الاعتداءات التي وقعت على مدار ثلاثة أعوام على الطلاب الملتحقين بالجامعات السودانية، داعية الحكومة السودانية لوضع حداً للاعتداءات ذات الدوافع السياسية والتي تكون أحياناً قاتلة.

قال موثوني وانييكي، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي ومنطقة البحيرات العظمى في بيان صحفي، “إن عشرات من الطلاب قتلوا، وأصيبوا بجروح، وطردوا من الجامعات منذ عام 2014 بسبب تنظيم مظاهرات ومجاهرتهم بالاعتراض على انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور.”

ووفقاً للتقرير، اعتقلت طالبة عضو في “رابطة طالبات دارفور” في جامعة الخرطوم، مرتين في عام 2014 بسبب نشاطها في الحملات ضد عمليات الإخلاء القسري للطالبات الدارفوريات من مجمعهن السكني. خلال اعتقالها واستجوابها الأول، تعرضت للسبّ، والضرب بالهراوي وبعقب بندقية وبخراطيم وعصي، وتعرضت للتعذيب بالصعقات الكهربائية. وفي المرة الثانية، خدرها  أربعة من رجال المخابرات واغتصبوها في مكاتبهم في الخرطوم.

وفي كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، تم اعتقال طالب آخر، عندما فضّ عملاء الأمن والطلاب الموالون للحكومة، حاملين السكاكين والقضبان الحديدية والبنادق الرشاشة، مظاهرة سلمية لطلاب دارفوريين في جامعة الجنينة. قال الطالب خلال مقابلة مع فريق التقرير “لقد ضربوني  بلا رحمة بأنبوب مياه بلاستيكي أسود على كل  أنحاء جسمي، وعلى ظهري العاري وعلى قدميّ.”

تعرض بوش للاعتقال ثلاث مرات أيضاً، قضى خلالها 70 يوماً في السجن بسبب مواقفه السياسية ودفاعه عن مطالب أبناء دارفور. كما أصيب في أحد المرات بجرح خطير في يده ولم يجد العلاج اللازم بسبب قلة الاموال.

قال “المستقبل مظلم هنا، أتمنى الحصول على منحة دراسية في الخارج. فحتى لو تخرجت من الجامعة، سيكون من الصعب جداً العثور على عمل في السودان لكوني من دارفور.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى