أخبار وتقارير

الأردن: السياسات الحكومية المتغيرة تضر بالتعليم المهني

عمان- أنهى سيف حسن، 20 عاماً، دراسته الثانوية المهنية تخصص نجارة وديكور بنجاح العام الماضي. وعلى الرغم من رغبته باستكمال دراسته الجامعية في نفس تخصصه المهني، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك.

قال “يتيح نظام التعليم المهني الثانوي للطلاب الناجحين في الامتحان النهائي من الالتحاق بجامعات في نفس تخصصهم المهني في جامعة البلقاء التطبيقية الحكومية، لكن الجامعة غيرت سياستها في قبول الطلاب مؤخراً وقررت تخفيض أعداد الطلاب المقبولين لديها مما لم يمكنني من استكمال دراستي في التخصص الذي درسته لثلاث سنوات متتالية.”

تعتبر جامعة البلقاء التطبيقية الجامعة الوحيدة في الأردن التي تركز على التخصصات الهندسية والتقنية وتسمح بالتحاق طلاب التعليم الثانوي المهني بكلياتها في حال حصولهم على معدلات جيدة. لكن سياسات القبول الجامعي المتغيرة بصورة مستمرة في الأردن، والتي تركز بشكل أساسي على مجموع الدرجات النهائية لامتحان الثانوية العامة فقط، لا تشجع على التحاق الكثيرين بالتعليم المهني.

يدرس حسن اليوم في تخصص الفيزياء في جامعة آل البيت في محافظة المفرق، شمال شرق العاصمة، والتي اختارها لانخفاض تكاليف الدراسة فيها.

حسن واحد من الطلاب القلائل الذين يختارون طواعية الالتحاق بالتعليم المهني في الأردن، حيث لم يتجاوز عدد الطلاب الملتحقين بالدبلوم المهني في الجامعات الحكومية 414 طالب منهم 175 طالبة في العام الدراسي 2014 / 2015  طالب، فيما لم يلتحق أي طالب في ذات العام بالتخصصات المهنية في الجامعات الخاصة بحسب التقرير الإحصائي السنوي حول التعليم العالي في الأردن. علماً بأن عدد المعاهد والكليات الحكومية والخاصة والتابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” والتي تمنح شهادتي البكالوريوس والدبلوم في تخصصات التعليم المهني والتقني تصل لنحو 69 جامعة وكلية ومعهد، منها 10 جامعات حكومية و19 جامعة خاصة، و40 كلية مجتمع حكومية وخاصة.

يعتقد كثيرون أن تغيير السياسات الحكومية المتعلقة بنظام التعليم المهني في المملكة هو السبب الرئيسي في ضعف أعداد الطلاب الملتحقين بهذا النوع الدراسي.

قال فاخر دعاس، منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة (ذبحتونا)، “انخفاض أعداد المنتسبين والخريجين في التخصصات المهنية طبيعي في ظل غياب السياسة الحكومية الواضحة تجاه الهدف من هذا التعليم وسبل تطويره وعدم وجود آليات لتعريف الطلاب والأهالي بماهية التعليم الفني وتخصصاته والفرص التي يتيحها في سوق العمل.”

وكانت وزارة التربية والتعليم قد أقرت في حزيران/ يونيو من العام الماضي تحويل كل الطلاب الحاصلين على معدل أقل من 60 في المئة في الصف الأول ثانوي إلى التعليم التطبيقي، وهو نوع من التعليم المهني الثانوي يستمر لمدة عامين يتمكن الطالب بعده من الدراسة في كليات متوسطة تقنية دون الحاجة للتقدم لامتحان الثانوية. في حين يحتاج الطالب للتقدم لامتحان الثانوية العامة في التعليم المهني وفي حال نجاحه يمكنه متابعة دراسته في التخصصات المتاحة له في الجامعة كعلوم الكمبيوتر والهندسة الكهربائية والزراعة أو المحاسبة.

في ذلك الوقت، أعلنت الوزارة أن التعليم التطبيقي يشجع الطلاب على الالتحاق بالتعليم المهني أكثر لكونه لا يتطلب اجتياز امتحان الثانوية العامة ويتضمن برامج تدريب عملية في مؤسسات فعلية. لكن الوزارة قامت بعد شهر بتخفيض معدل القبول في التعليم التطبيقي إلى أقل من 50 في المئة عوضاً عن 60 في المئة بسبب عدم وجود عدد كافي من المدارس التطبيقية لاستيعاب الطلاب. ثم قامت الوزارة الشهر الماضي بإلغاء نظام التعليم التطبيقي برمته واعتماد فقط نظام التعليم الثانوي الأكاديمي والمهني. وقامت الوزارة أيضاً بتحويل الطلاب الذي التحقوا بالتعليم التطبيقي العام الماضي للتعليم المهني مجدداً.

تعتقد حملة “ذبحتونا” أن اتخاذ قرار إلغاء التعليم التطبيقي يثبت تخبط سياسات التعليم عموماً والتعليم المهني خصوصاَ في الأردن وارتباطها بأهواء المسؤولين بعيداً عن وجود خطط واستراتيجيات حقيقية تهدف التي تطويرها. قال دعاس ” لايتجاوز الخطاب الرسمي الذي يدعو للتوجه نحو التعلّم التقني والمهني كونه شعارات وبروباغاندا إعلامية، فعلى الأرض لا يوجد أي رؤية واضحة أو إنجاز حقيقي.”

وكانت الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية للأعوام 2016/ 2025 ، التي تبنتها الحكومة الأردنية لإصلاح قطاع التعليم والتدريب المهني والتقني والفني، قد اعتبرت أيضاً تعدد المرجعيات المشرفة على التعليم المهني وتخبط القرارات الناجمة من التحديات الكبيرة التي تواجه تطوير التعليم المهني في الأردن، بالإضافة الى السياسات المتتالية التي تشجع على الانخراط في التعليم الجامعي على حساب التعليم المهني والتقني. وأوصت الاستراتيجية بزيادة التركيز على التدريب العملي، وتوسيع برامج التدريب الصناعية، والتأكد من كفاءة المدربين، وخلق مسارات أوضح لنجاح طلبة التعليم المهني، والإستعانة بأرباب العمل لزيادة مشاركتهم في تطوير المناهج الدراسية المهنية.

قال عمر الرزاز، وزير التربية والتعليم في اجتماع حضره العاهل الأردني الملك عبد الله الشهر الماضي لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الشهر الماضي، “يجب تغيير ربط التعليم المهني بحصول الطلاب على درجات منخفضة، حيث يتوجب ربط التعليم المهني باحتياجات سوق العمل وأولوياته.”

بدوره، يعتقد أحمد عوض، مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية – مؤسسة بحثية غير حكومية مستقلة –  أن أحد أهم تراجع التعليم المهني في الأردن يكمن في ” التركيز على التعليم الجامعي على حساب التعليم التقني والمهني خلال العقود الثلاث الماضية، حيث تراجعت أعداد كليات المجتمع التي كانت تخرج فنيين بمختلف التخصصات مع ضعف الإنفاق على التدريب المهني، وضعف مدخلاته من الطلاب خاصة وأن المقبولين به غالباً من الطلاب غير المتفوقين.”

في المقابل، لا تلبي التخصصات الجامعية احتياجات سوق العمل بصورة كاملة بحسب عوض. قال “يوجد أكثر من مليون عامل وافد في المملكة يعملون في القطاع المهني، مما يعني وجود فرص عمل في السوق لكن لا يشغلها أردنيون.”

وبحسب دراسة لمؤسسة التمويل الدولية والبنك الإسلامي للتنمية في عام 2011 ، فإن 10 في المئة فقط من أصحاب العمل بالأردن، كانوا راضين عن “المهارات التقنية” للخريجين المهنيين، في حين أن 16 في المئة منهم فقط كانوا راضين عن “المهارات الشخصية”، في وقت كانت فيه معدلات الرضا لدى صاحب العمل بالسعودية تزيد على هذه النسب ثلاثة أضعاف.

يتفق دعاس وعوض مع كثيرين غيرهم أن النوايا الطيبة والخطط والاستراتيجيات الحكومية لتطوير التعليم المهني ليست كافية، وأنه لابد من اتخاذ إجراءات فعلية مدروسة لتحقيق التطوير المنشود.

قال دعاس “الطالب وحده من يدفع ثمن تخبط الخطط الحكومية، يجب تغيير ذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى