أخبار وتقارير

ليبيا: نقص السيولة النقدية يزيد من معاناة الطلاب

قبل أيام، احتفل أسامة الصالحين، 26 عاماً، بتخرجه من كلية الصيدلة من جامعة العرب الطبية –جامعة أهلية مستقلة-  في مدينة بنغازي بعد ثماني سنوات تخللها انقطاعات مستمرة عن الدراسة بسبب الوضع السياسي القائم في ليبيا منذ اندلاع ثورة 17 فبراير عام 2011.

قال “منذ عام 2011 والدراسة في الجامعة متقطعة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، توقفت عن الدراسة لحوالي سنتين قبل أن أتمكن من استئنافها مجدداً العام الماضي.لا أصدق أنني أتخرج أخيراً.”

يعتبر أسامة واحد من بين أكثر من 342 ألف طالب وطالبة يدرسون في الجامعات الليبية ويعانون من صعوبات كثيرة لاستكمال تعليمهم الجامعي بسبب الصراع على السلطة في ليبيا، بحسب تقرير للمنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات صادر في أيار/ مايو العام الماضي.

كانت ليبيا تعتبر واحدة من أغنى الدول في المنطقة، لكن تصاعد الفوضى في البلاد نتيجة الصراع الداخلي على السلطة والمستمر منذ عام 2014 بين ثلاث حكومات ومليشيات تابعة لهم تهدد بتقسيم البلاد وجر شبابها إلى مصير مجهول. فمنذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، تتصارع ثلاث حكومات على الحكم في ليبيا، اثنتان منها في العاصمة طرابلس، هما حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج (المعترف بها دولياً)، وحكومة الإنقاذ بقيادة خليفة الغويل، إضافة إلى حكومة ثالثة برئاسة عبد الله الثني في مدينة البيضاء شرق البلاد. وتتسبب حالة الانقسام السياسي بوقوع اشتباكات  بين الفصائل المتصارعة على السلطة، لا سيما في طرابلس ومحيطها غرباً، وبنغازي وجوارها شرقاً، وسبها ومحيطها جنوباً. كما تتسبب بأزمة اقتصادية خفضت من قيمة الدينار الليبي والسيولة النقدية المحلية من البنوك مما يؤخر صرف المرتبات في كافة أنحاءالبلاد فضلاً عن انهيار القطاع الصحي ونقص في الأغذية والمياه والأدوية وتزايد انقطاع التيار الكهربائي ويفاقم من معاناة سكان البلاد.

أسامة الصالحين في مخبر كلية الصيدلة في جامعة العرب في مدينة بنغازي.

قال الصالحين “كثيراً ما كانت الدروس تعلق بسبب وقوع اشتباكات بالقرب من حرم الجامعة، وحتى عند توقف الاشتباكات كانت المحاضرات قليلة بسبب نقص الأساتذة وانقطاعات التيار الكهربائي لفترات طويلة.”

يوجد في ليبيا حالياً، أكثر من 16 جامعة من بينها 12 جامعة حكومية، بحسب مصادر في وزارة التعليم. لكن الدمار أصاب عدداً منها تحديداً في مدينة بنغازي، حيث دمر أحد مباني كلية الأداب في الجامعة وتوقفت الدراسة في الكليات الجامعية الأخرى وتحولت إلى ساحة قتال.

قال ياسين طه كريوي، طالب في السنة الثانية في كلية تقنية المعلومات بجامعة طرابلس، “يفترض أن تشكل الدروس العملية 75 في المئة من إجمالي المحاضرات في الجامعة، لكن الأوضاع الأمنية المتدهورة وضعف الإمكانات المالية للجامعة والطلاب تجعل أكثر من 90 في المئة من الدروس نظرية.” مشيراً إلى أن كليته تضم أكثر من ألفي طالب وطالبة ونحو 20 أستاذ فقط.

تتفق ليلى مغربي، التي درست الزراعة سابقاً وتدرس حالياً في قسم الإعلام بجامعة طرابلس المفتوحة، مع كريوي على ضعف المستوى التعليمي المقدم حالياً في الجامعات الليبية. قالت “مناهجنا قديمة جداً لا تواكب التطور، إذ لايوجد أي مادة تتعلق  بالصحافة الإلكترونية على سبيل المثال. كما أن أساليب التدريس والامتحان قديمة والنتائج غير موثوق بها.”

مع ذلك، تعتقد مغربي أن غياب الأمن داخل الجامعة هو المعضلة الأكبر. قالت “المليشيات التي تحرس الجامعة تحت مسمى الحرس الجامعي ترتكب خروقات من بينها التحرش بالطالبات الذي أصبح ظاهرة مرعبة ومتفاقمة، بالإضافة طبعاً إلى وقوع اشتباكات بين الحين والأخر في محيط الجامعة مما يمنع الطلاب والأساتذة من الوصول إلى قاعات المحاضرات.”

تضم جامعة طرابلس، أكثر من 70 ألف طالب وطالبة موزعين على 19 كلية مختلفة من مدينة طرابلس نفسها وأيضاً من الطلاب النازحين من مدن أخرى كبنغازي وسرت ودرنة، بالإضافة إلى نحو 2800 أستاذ. ومع الأحداث الأمنية المحيطة بالجامعة، والتي تسببت منذ عام 2014 بتكرر انقطاع الدراسة في الجامعة، تعاني الجامعة من مشكلات مالية كبيرة. إذ توقفت معظم المشاريع العلمية والعمليات البحثية مع نهاية 2015 وتوقف الإنفاق على كل إدارات ومراكز وكليات الجامعة. وعلى الرغم من استمرار الوزارة في تسديد أجور الأساتذة، إلا أنهم غير قادرين على سحب أكثر من ثلث مرتباتهم من البنوك نتيجة أزمة نقص السيولة.

قال أسعد عون الله، الأستاذ بكلية الإعلام والفنون ورئيس قسم التصميم الإعلاني في الجامعة، “تعمل الجامعة حالياً تحت سلطة وزارة التعليم التابعة لحكومة الوفاق. من حسن الحظ، أن كافة الحكومات المتعاقبة في طرابلس حرصت على عدم التاثير على جامعة طرابلس كونها القطاع الوحيد الذي يواصل عمله رغم كل الأوضاع المتردية المحيطة.”

وبحسب عون الله فان جامعة طرابلس شهدت ثلاث موجات من هجرة أعضاء هيئة التدريس بسبب غياب الاستقرار. أولها حدثت بعد الثورة المباشرة حيث تم إيقاف بعض أعضاء هيئة التدريس المحسوبين على النظام السابق في حين هاجر أخرون خوفاً من الاعتقال. ثم هاجرت دفعة أخرى  بعدد أقل بعد إعلان عملية فجر ليبيا،وهي عملية عسكرية تشنها كتائب الثوار والدروع والإسلاميين لدحر ما تسميه تمرداً على الشرعية بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بسبب رفضهم للعملية ومعارضتهم للقوات الإسلامية التي سيطرت على ليبيا في النصف الأخير من 2014.

أما الموجة الأخيرة والتي تحدث حالياً فتأتي بحسب عون الله بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تشهدها البلاد. فمع توقف تصدير النفط، سحب كبار المودعين أموالهم من المصارف الليبية بما يقدر بنحو 30 مليار دينار ليبي ويتجاوز 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي،  الأمر الذي تسبب في نقص حاد في السيولة لدى البنوك الليبية.

جامعة طرابلس، ويكيميديا كومنز

قال “يسعى كثيرون للحصول على عقود عمل في بعض الجامعات العربية كالأردن وسلطنة عمان، وهو أمر لا يلاموا عليه لكنه يعتبر خسارة كبيرة للجامعات الليبية.”

https://www.bue.edu.eg/

تؤكد نوال العمراني، الأستاذة في كلية التقنية الهندسية في جامعة الزاوية بمدينة زوارة على النقص الشديد في عدد الأساتذة مما يدفع بإدارة الجامعات للإستعانة بالخريجين الجدد من حاملي البكالوريوس للتدريس. قالت “الوضع صعب ، لايتجاوز راتب الأستاذ الجامعي 1800 دينار ليبي (600 دولار أميركي)، مع ذلك مؤخراً بات الحصول على 500 دينار(83 دولار أميركي) منه أمراً شبه مستحيل مع عدم وجود سيولة نقدية لدى البنوك.”

كحال الأساتذة، يعاني الطلاب من جراء أزمة السيولة النقدية التي تجتاح البلاد. فخلال فترة حكم القذافي، كان الطلاب الليبيون يحصلون على منحة دراسية بقيمة 800 دينار ليبي (133 دولار أميركي) في الفصل الدراسي الواحد. لكن المنحة تم تخفيضها بعد الإطاحة بالقذافي إلى 400 دينار فقط (66 دولار أميركي). مؤخراً، يشكو الطلاب من تأخير تسليمهم مستحقات المنحة.

قالت  ليلى، طالبة في السنة الثانية في كلية العلوم بجامعة عمر المختار في البيضاء والتي طلبت عدم الكشف عن اسمها كاملاً، “انقطع العديد من زملائي عن الدراسة بعد توقف صرف المنح الدراسية والتي كانت تساعدنا على شراء مستلزمات الدراسة وتسديد مصاريفها. الدراسة في الأقسام العملية باتت صعبة ومكلفة.”

قبل أيام، أصدر وزير التعليم في حكومة الوفاق الوطني عثمان عبد الجليل بياناً وعد فيه بحل كافة المشكلات المالية قريباً، لكن الأمل بحدوث تغيير يخفف من معاناة الطلاب يبدو ضعيفاً.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى