أخبار وتقارير

التعليم العالي في اليمن: فوضى ويأس بسبب الحرب

صنعاء، اليمن – عندما بدأ غسان دراسة العلوم في إحدى الجامعات الخاصة في العاصمة اليمنية قبل ثلاث سنوات، كان يخطط لنيل درجة البكالوريوس بسرعة ومواصلة دراسته ليصبح أستاذاً جامعياً. لكن، بدلاً من ذلك، كانت دراسته بطيئة وسببت له الكثير من الحرج، حيث اضطرت والدته لبيع أساورها الذهبية لدفع رسوم جامعته.

قال “الظروف المعيشية قاسية جداً في ظل الحرب على الرغم من أننا لسنا قريبين من مناطق الاشتباك.”

يعتبر غسان واحد من آلاف الطلاب اليمنيين، أو من سيصبحون طلاباً، والذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى التعليم العالي في ظل سلسلة من الصراعات التي اندلعت على شكل حرب أهلية واسعة النطاق قبل عام. حتى قبل الحرب، كانت اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط. وهي تواجه الآن نقصاً في الغذاء والامدادات الطبية والكهرباء. وتضطر حوالي 80 في المئة من الأسر للاستدانة أو اقتراض المال بهدف إطعام أطفالهم. تأكل الأسر الآن كميات أقل وتختار أغذية أرخص أو تضطر لتخطي وجبات الطعام، بحسب تقرير جديد أصدرته منظمة اليونيسف.

منذ العام 2015، دخل تحالف من دول عربية بقيادة السعودية الصراع في محاولة لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة بعد أن طرده الحوثيون من شمال البلاد والمدعومون من إيران من صنعاء. ذكرت وكالات تابعة للأمم المتحدة بأن أكثر من 10 آلاف شخص لقوا حتفهم، وأكثر من ثلاثة ملايين شخص مشردون داخل البلاد. كما فرّ مئات الآلاف من البلاد بشكل تام، على الرغم من كون حدود البلاد مع جيرانها المباشرين، سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، بعيدة ومسيطر عليها بإحكام. وتمكن بعض اليمنيين من الفرار عبر البحر إلى جيبوتي، لكنهم لم يجدوا سوى القليل من الفرص التعليمية هناك.

في اليمن، هناك عدد قليل من الجامعات التي لحق الدمار بمبانيها. وأظهرت دراسة أجراها محمد الصوفي، أستاذ التربية في جامعة صنعاء، أن 12 مبنى جامعي حكومي قد تعرض للدمار بشكل تام، كما تعرض 25 مبنى جامعي آخر للدمار الجزئي. ويظهر شريط مقطع فيديو نشره أحد الصحافيين على موقع يوتيوب دمار جامعة تعز ومكتب العميد الذي كان يستخدم كوكر للقناصين.

قال يحيى هادي، وكيل وزارة التعليم العالي في حكومة صنعاء التابعة للحوثيين، “نحن نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على ديمومة العمل بأقصى حد ممكن.”

تمتلك كل من الحكومتين المتنافستين وزيراً للتعليم العالي خاصاً بها، وقد حاولت كل منهما السيطرة على البنك المركزي. نتيجة لذلك، لم يستلم الكثير، إن لم يكن معظم، موظفو الخدمة المدنية في البلاد والبالغ عددهم 1.2 مليون موظف بما فيهم الأساتذة رواتبهم منذ شهور.

https://www.bue.edu.eg/

عطلت المشاكل المرتبطة بالتمويل والنقل تعليم العديد من الطلاب. فحتى الطلاب الذين لم يفقدوا أفراداً من أسرهم بسبب الحرب أو لم ينزحوا بسبب معارك الميليشيات تأثروا بالتضخم الذي حدث في أسعار المواد الغذائية والبنزين.

قال عادل الهمداني، عميد كلية اللغات بجامعة المستقبل، وهي جامعة خاصة في صنعاء، “لقد ترك أكثر من نصف طلابنا الجامعة. قمنا بالفعل بخفض الرسوم الدراسية بأكثر من 30 في المئة وسمحنا للطلاب بالدفع على أربعة أقساط بدلاً من اثنين، لكن العديد من الطلاب غير قادرين على تسديد ذلك.”

كما قامت جامعة المستقبل بخفض رواتب الأساتذة بنسبة 40 في المئة بهدف خفض النفقات، بحسب الهمداني، الذي قال “من شأن أي تخفيضات أخرى أن توقف عملنا.”

في الواقع، تقول تقارير إن المئات من أساتذة الجامعات الخاصة والحكومية على حد سواء قد فروا من البلاد للعمل في أماكن أخرى.

يدفع طلاب الجامعات الحكومية رسوماً دراسية أقل مما يدفعه طلاب الجامعات الخاصة، لكن يتوجب على جميع الطلاب دفع المزيد من أجل النقل.

قالت ابتسام عبد العزيز، طالبة علم الاجتماع بجامعة صنعاء، “الوصول للفصل الدراسي مكلف جداً هذه الأيام. أنا لا أستطيع تحمل تكاليف الذهاب كل يوم إلى محاضراتي. لذلك، اتفقت مع زميلتي بأن أذهب إلى الجامعة يومين في الأسبوع بينما تذهب هي في يومين آخرين ومن ثم نقوم بتبادل دفاتر ملاحظاتنا وندرس معاً.”

ينقسم اليمن اليوم إلى إلى جزأين، أحدهما يسيطر عليه المتمردون الحوثيون والآخر داعمو الرئيس عبدربه منصور هادي. (الخريطة من تصميم إنفوتايمز )

في بعض الأحيان، تتمكن ابتسام وزملاؤها من الوصول إلى الجامعة، لكن الأساتذة لا يأتون.

قالت “هذا أمر مؤلم حقاً لأننا نعاني من مشقة كبير وندفع الكثير من المال للوصول إلى فصل دراسي فارغ.” كما قام الأساتذة بإضراب في الآونة الأخيرة لأنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ ستة أشهر.

يقول الأساتذة إن لديهم مشاكلهم الخاصة أيضاً.

قال عبد الله ناشر، أستاذ الزراعة في جامعة صنعاء، “نحن لا نريد الإضرار بتعليم الطلاب، لكن الكثير منا لا يستطيع دفع تكاليف النقل للوصول إلى الفصول الدراسية، فكيف سنتمكن من مواصلة العمل وتعليم الطلاب؟”

في عدن، الخاضعة لسيطرة ما كانت تُعتبر في السابق الحكومة المركزية، الحياة الجامعية معطلة وتتسم بالتوتر أيضاً.

قال محمد قائد عبد الله ثابت، 19 عاماً، الطالب في المرحلة الأولى في كلية الطب بجامعة عدن، “لا يمكن لأحد تخمين ما قد يحدث في اللحظة التالية.” يتشارك ثابت مع زملائه تكلفة سيارات الأجرة للوصول إلى المحاضرات.

قد يعيش الطلاب اليمنيون الذي غادروا البلاد بسلام، لكنهم غالباً ما يواجهون مشاكل مالية، حيث توقفت المنح الدراسية الحكومية وأضحت أسرهم أقل قدرة على دعمهم. وتحذرهم أسرهم من مغبة العودة، حتى إذا ما أنهوا تعليمهم. قال وليد ف. مهدي، الأستاذ المساعد اليمني في جامعة أوكلاهوما، “يبذل اليمنيون الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة عبر منح فولبرايت ما في وسعهم من أجل البقاء في هذا البلد. إنهم يفضلون العمل في محطات الوقود هنا بدلاً من العودة.”

يشعر الطلاب، حتى في المناطق المستقرة نسبياً، بالإنهاك والتشتت بسبب مشاكل أوقات الحرب. ففي جامعة صنعاء، قال محمد الريمي، رئيس قسم التصميم الجرافيكي في كلية الحاسبات وتقنية المعلومات، إن المنطقة المحيطة بالجامعة هي من أكثر المناطق أماناً في تلك المنطقة. لكنه يقدر بأن حوالي 20 في المئة من طلاب الجامعة البالغ عددهم 85,000 طالب لم يعودوا قادرين على الحضور إلى الفصول الدراسية.

قال “لا يمتلك الناس المال. إنهم لا يستطيعون دفع ثمن وسائط النقل، ولا يمكنهم شراء الكتب، لذلك يبقون في المنازل.”

تنتشر مقالات إخبارية عن الطلاب اليمنيين الذين يقسمون وقتهم بين التجنيد لصالح الميليشيات والذهاب للدراسة. لكن الطلاب الذين نجحوا في عدم الإنجرار في الصراع لا يزالون يواجهون صعوبة في تصور المستقبل. قال مهدي، من جامعة أوكلاهوما، “الطلاب الذين يواصلون الالتحاق بالجامعة يقومون بذلك وهم يتوقعون القليل أو لا شيء على الاطلاق بخصوص حصولهم على حياة أفضل بعد تخرجهم. لهذا السبب، يصبح من السهل على الناس التوقف عن الأمل بحياة أفضل بعد التعليم، ليتجمعوا، بدلاً من ذلك، حول الهوية القبلية أو الطائفية، ويلجأون للعنف.”

يحث الصوفي، أستاذ التربية في جامعة صنعاء الذي بحث في آثار الحرب على نطاقٍ واسع، على إنشاء صندوق مركزي لمساعدة الطلاب النازحين. كما يحث أيضاً على التعاون بين الجهات المانحة للبدء بإعادة بناء الجامعات ودعم مراكز الدراسة المؤقتة التي تسمح للطلاب النازحين بمواصلة دوراتهم الدراسية.

وبينما ينتظر الشباب اليمني الحصول على هذه المساعدة، يقول الكثير منهم إنهم يعانون من مشاعر سلبية. قال غسان “نحن خارج دائرة الاهتمام . نحن منسيون ومتروكون من دون أي أمل في أن تنتهي هذه الحرب قريباً.”

*ساهم في إعداد هذه القصة كل من: صباح حمامو، في تركيا، وطارق عبد الجليل، في مصر، وإدوارد فوكس، في لندن.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى