أخبار وتقارير

الفن العربي المعاصر: نافذة مغايرة على المنطقة العربية

يعتقد سلطان سعود القاسمي، الكاتب والمعلق على الشؤون العربية، والمؤمن بدور الفن، أن الفن يقدم رواية مختلفة عن العالم العربي، ونظرة بديلة لتلك التي يقدمها العلماء والسياسيون. يهتم القاسمي بجمع التحف الفنية العربية الحديثة والمعاصرة، ويقيم في بلده الإمارات العربية المتحدة، كما يشارك رؤيته على أوسع نطاقٍ يمكنه الوصول إليه، وبطرق عدة، من خلال مؤسسته الفنية، ومحاضراته، وحضوره الإعلامي وتغريداته على موقع تويتر.

سيدرس أيضاً ورشة عمل في مركز هاغوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى بجامعة نيويورك، في مدينة نيويورك، تبدأ بعد أيام في السابع من نيسان/ أبريل 2017.

إضافة لكونه كاتب ومعلق على الشؤون العربية، أسس القاسمي مؤسسة بارجيل للفنون، التي تتمثل رسالتها في “المساهمة في التنمية الفكرية للمشهد الفني في المنطقة العربية” وتطوير “منصة عامة لتعزيز الحوار النقدي حول ممارسات الفن المعاصر.”

قالت نيغار عظيمي، كبيرة محرري مجلة بدون التي تعنى بتغطية قضايا الفن في الشرق الأوسط “منذ تأسيسها، دفعت مؤسسة بارجيل للمطالبة بإقامة المعارض، والمنح الدراسية الرائدة، والمبادرات التي تفكك مفاهيمنا الثابتة عن المنطقة العربية.” وأضافت في رسالتها عبر البريد الإلكتروني، “يُعد سلطان- كمفكر معروف، ومتحمس للفن، وكاتب، إضافة لاهتماماته الأخرى – كنزاً دولياً.”

ينحدر القاسمي في الأصل من الشارقة، في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث من المخطط افتتاح العديد من المتاحف الفنية في وقتٍ قريب، وحيث يتطور المشهد الفني تدريجياً. قال سلطان، الدمث الخلق و البالغ من العمر 39 عاماً للفنار للإعلام في مكالمة أجريت عبر سكايب، “رويداً يتحول عملنا من حركة فنية إلى صناعة.”

يرجع اهتمام القاسمي بالثقافة إلى مرحلة الطفولة، فهو يتذكر باعتزاز نزهات ما بعد المدرسة وذهابه إلى “قاعة أفريقيا” والمسرح في وسط مدينة الشارقة.

في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وعندما كان في سن المراهقة يدرس في باريس، بدأ بالتردد على المعارض الفنية، ورغم أنه يعتقد أن حب الفن يمكن أن يحدث للمرء في أيّ سن، إلا أنه يؤمن أن التعليم المبكر للفنون “يمنحك الفرصة لبداية مبكرة مع هذا الحب”، كما قال للفنار للإعلام. وأضاف “إذا كان ذلك شيئاً تقوم بفعله في سن الطفولة والمراهقة، فإن شخصيتك ستتطور جنباً إلى جنب مع الفن وتصبح متشربة به.”

بعد أن بدأ القاسمي في إقتناء قطع الفن العربي الحديث والمعاصر، قام في عام  2010 بتأسيس مؤسسة بارجيل بهدف عرض مجموعته الهامة.

في ذلك الوقت، كانت كلٌ من الإمارات العربية المتحدة وقطر قد بدأتا فعلياً بوضع استثمارات كبيرة في مجال الفنون، وحالياً تقوم مدينة أبو ظبي، العاصمة الإماراتية، ببناء فروع لمتحفي  جوجنهايم واللوفر، ( وجه البعض الانتقادات للظروف التي يتم فيها إنشاء المتحفين لأسباب تخص حقوق العمال) وتضم دبي اليوم معرض الفن الأبرز في المنطقة العربية، آرت دبي Art Dubai، وكذلك تحول بينالي الشارقة للفنون من حدث إقليمي إلى حدث ذو تأثير دولي.

في عام 2010، افتتحت قطر متحفاً للفن الحديث في بناء من طابقين مساحته 59,000 قدم مربع، أُطلق عليه اسم “متحف“، يضم أيضاً “متحف الفن الإسلامي” وهناك مخطط لافتتاح متحف خاص بلوحات المستشرقين.  

على الرغم من ذلك، فقد أشارت  إحدى المقالات المنشورة حديثاً  فيما يخص البحث الحثيث عن تاريخ القطع الفنية والمشهد الفني في الخليج إلى أن “مقاييس السوق تقدمت على المقاييس الأكاديمية”، حيث أن المنح الدراسية و الكتابة النقدية أو حتى المعلومات الأساسية عن الأعمال الفنية المنتجة في المنطقة في القرن الماضي نادرة للغاية.

ستحتاج المؤسسات الفنية الحديثة أو الأسواق المعنية بالأعمال الفنية وجود أمناء متاحف مدربين وموظفي أرشيف وإداريين. وقد تم إنشاء عدد من البرامج والدرجات العلمية الحديثة في جامعات المنطقة لتلبية هذه الحاجة. حيث تمنح كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة، كما تقدم مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان في أبو ظبي منحاً للفنانين في دولة الإمارات العربية المتحدة.

يدعو برنامج كامبوس آرت أبو ظبي الفنانين المعروفين للحضور إلى دبي والبقاء لستة أشهر، يقومون خلالها بإلقاء المحاضرات وتوجيه الفنانين والكتاب والقيمين المحليين، وتمنح جامعة السوربون في أبو ظبي  درجة الماجستير في تاريخ الفن ودراسات المتاحف، وكذلك تفعل كلية لندن الجامعية في الدوحة.

يعني ذلك، أنه في وقتٍ قريب، سيكون هناك جيل جديد من الفنانين وأمناء المتاحف ممن تلقوا تعليمهم في المنطقة. يعتقد القاسمي بأن هذا أمرٌ مهم قال عنه “هناك حاجة للبدء في تحويل وضع راهن تتواجد فيه مراكز تعلم الفنون والثقافة بشكل حصري تقريباً في الغرب.“

بالطبع، تمتلك بلدان مثل مصر والعراق وإيران ولبنان حركات ومدارس فنية ومتاحف وغاليريهات مهمة. لكن بعض المتاحف تعرضت للتدمير بفعل الحرب والنهب، و يعاني تدريس الفنون من الرقابة وانعدام الاستقرار وتزايد أجواء التفكير الإسلامي التي غالباً ما تستهدف الفنون باعتبارها غربية ولا أخلاقية.

من ناحية أخرى، يعد إنتاج ودعم الفنون البصرية في بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر  ظاهرة حديثة عموماً .

حتى الآن، تجاوزت المتاحف الكبرى، بحسب القاسمي، “حرية التعبير والتحليل النقدي، الواجب توفرهما في ظروف مثالية”. يخشى النقاد الفنيون من أن يكتبون ملاحظات نقدية عن المعارض، كيلا لا يغضبون الشخصيات ذات النفوذ أو أعضاء الأسر الحاكمة الذين يعتبرون الرعاة الرئيسيين للفن. كما يخضع التلفاز والسينما للرقابة في دول الخليج، وتشدد السلطات سيطرتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مناسباتٍ قليلة  خضعت الأعمال الفنية نفسها للرقابة.

بالرغم من ذلك، يقول القاسمي “إن هناك مساحة من الحرية في الفن أكثر بكثير مما هو عليه الحال في مجالاتٍ أخرى.” ففي فعاليات مثل آرت دبي، دارت مناقشات لموضوعات تتجاوز حدود المسموح به مثل حقوق العمال، وحقوق الإنسان، والمثلية الجنسية في الخليج، وحقوق المرأة.

وبينما شهدت السنوات الأخيرة ظهور عدد من الفنانين الإماراتيين، يقول القاسمي إن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن يأخذ الشباب الإماراتي (وأسرهم) احتراف الفن في الاعتبار كمهنة مستقبلية.

قال القاسمي، ” لست متأكداً إذا كنا وصلنا لهذا بعد، رغم أن هناك الكثير من الأسر المستعدة لقبول هذا، ولاسيما بالنسبة للفتيات، فالنساء متقدمات في هذا المجال، لكن لا يزال هناك توقع تقليدي بوجوب حصول الرجال على وظائف تقليدية، كالعمل في المصارف والوظائف الحكومية، وما إلى ذلك، لكن وبمرور الوقت، سيكون هناك المزيد من القبول للعمل في المجال الثقافي.”

يُعتبر التعليم أحد الأنشطة الهامة في مؤسسة بارجيل للفنون، في العام الماضي، استضافت المؤسسة بالاشتراك مع جامعة نيويورك في أبو ظبي مؤتمراً استمر لمدة خمسة أيام لجمعية الفن الحديث والمعاصر في الوطن العربي وإيران وتركيا (AMCA)، حيث حضر طلاب الفن ندوات كان فيها خبراء محليين ودوليين. كما تقوم بارجيل أيضاً بنشر أعمال فنية، حيث قامت المؤسسة مؤخراً بنشر ترجمة مصورة ومحدثة لكتاب “الحروفية العربية: فن وهوية“، الذي يتحدث عن حركة فنية هامة في الشرق الأوسط يتم فيها تحويل الكلمات والحروف العربية إلى صور.

https://www.bue.edu.eg/

تُعير مؤسسة بارجيل أعمالها في كثيرٍ من الأحيان للمعارض، وقد يكون القاسمي جامع التحف الوحيد في المنطقة الذي قام بإنشاء أرشيف رقمي كامل لمجموعته، يعد الوصول إليه وتصفحه سهلاً وممتعاً . لا يضع معظم جامعو التحف وحتى المتاحف الوطنية سوى جزء صغير من قطعهم الفنية على الإنترنت ويعزو القاسمي ذلك للخوف من أن تتعرض الأعمال الفنية المعروضة للسرقة أو أن يُعاد إنتاجها من دون إذن، نظراً لانعدام إنفاذ قانون حماية حقوق التأليف والنشر في المنطقة.

قالت سلوى مقدادي، أستاذة تاريخ الفن في جامعة نيويورك أبو ظبي، للفنار للإعلام بأن مجموعة بارجيل هي المجموعة الوحيدة في الإمارات العربية المتحدة التي يستطيع الطلاب الذين تدرسهم الوصول إليها، وقد تدرب عددٌ منهم في المؤسسة، وتعتبر معارض ومنشورات بارجيل”مرجعاً هاماً” للطلاب وأعضاء هيئة التدريس. قالت مقدادي،”لا يوجد سوى القليل من جامعي التحف في المنطقة، ممن يمتلكون رؤية القاسمي للنظام البيئي “الإيكولوجي” للانتاج الفني، وفهماً للقوى السياسية والاقتصادية التي تشكل فن هذه المنطقة.”

من خلال المؤسسة، أصبح القاسمي سفيراً لبقاً معبراً عن الفن العربي، يقدم برنامجاً عن الفن على قناة الجزيرة ويلقى محاضرات عنه. وسيقدم القاسمي رؤيته في محاضراته التي تبدأ بعد أيام في السابع من نيسان / أبريل في مركز كيفوركيان في جامعة نيويورك.

كتبت هلجا طويل-الصوري، مديرة مركز كيفوركيان، في رسالة عبر البريد الإلكتروني للفنار للإعلام، “القاسمي رجل من عصر النهضة، إنه معروف بالنسبة للبعض من خلال كتاباته وتغريداته، ومعروف لآخرين بحديثه الصريح في القضايا السياسية والاجتماعية، وبالنسبة للبعض فهو معروف بفضل خبرته في الفنون ودعمه لها.”

قالت طويل-الصوري، “من خلال مؤسسة بارجيل للفنون، ساعد القاسمي في دعم وتشجيع مجموعة واسعة من الفنانين داخل المنطقة العربية وخارجها. وعند التفكير في شخص من الخليج من شأنه أن يشرك طلابنا والمجتمع ككل فيما يخص الفنون، لن يكون في إمكاننا التفكير بشخصٍ أفضل منه.”

ستركز الورشة المتخصصة عن سياسة الفن الحديث في الشرق الأوسط والتي سيحاضر فيها القاسمي، على موضوع قام بالبحث فيه في السابق، ففي كلية لندن للاقتصاد العام الماضي، استخدم القاسمي أعمالاً فنية لمناقشة مواقف الدول العربية من الحقبة الاستعمارية، مروراً بشخصية جمال عبد الناصر، والصراع الفلسطيني، والصراعات العسكرية في المنطقة، وحتى وعود وخيبات أمل الربيع العربي. فتمثال “كرة الطائرة” لخالد جرار مصنوع من كتلة اسمنتية تمت إزالتها من جدار العزل الذي بناه الإسرائيليون، وعمل “الثورة” لرضا عبد الرحمن قام المتظاهرون في ميدان التحرير بالتوقيع عليه، ويظهر في عمل  “يُتبع” لشريف واكد ممثل فيما يشبه شريط فيديو لإرهابي وهو يقرأ مقتطفات من ألف ليلة وليلة، ليفسد التوقعات ويقترح بأن “الإرهابي” قد يرغب في العيش ليروي قصة أخرى.

يقول القاسمي أنه متحمس لمواصلة تقديم ورش العمل التي تجمع بين الفن والسياسة، ويأمل أن يحاضر في “مساق دراسي لم يسبق أن تم تدريسه من قبل، فقد تم تدريس الفن، وتم تدريس السياسية، لكن لم يتم تدريس الإثنين معاً.”

ستشمل محاضراته كما يقول “الفن المتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، والمتعلق بتنظيم داعش، والفنون الدعائية الحكومية، وستكون المحاضرات متنوعة قدر الإمكان.”

يعتقد القاسمي بأن مساقاً من هذا النوع من شأنه أن يقدم رؤى جديدة لأن “الفنانين يرتبطون بشكل وثيق بالشارع، و بإمكانهم التحايل على القيود المفروضة على حرية التعبير، ويقومون بإخفاء رسالتهم في فنهم، باستخدام الاستعارات والمجاز.” كما أن التركيز على الفن يعتبر أيضاً “أداة هامة لمواجهة الصور السلبية للعالم العربي،” والذي يوضع في صورة لا تتجاوز كونه مجرد ساحة قتال.

“لكن الأعمال الفنية جيدة حقاً، مدهشة، رائعة” قال القاسمي، وهو يقف خلال المقابلة التي أجريت معه عبر سكايب ليعرض لي بحماس أعمالاً فنية مختلفة بدءً من لوحة “صبايا وبطيخ ، ومساء بغدادي” للفنان العراقي محمود عبود من عام 2013، ومشاهد للفلاحين والحياة الصحراوية للفنانين المصريين المعروفين تحية حليم وحسين بيكار، وحتى عمل تجريدي مشرق للفنان الجزائري عبد الله بنانتور، معلق على الجدران المحيطة به، وواصل كلامه قائلاً، “نحن بحاجة لعرض هذه الأعمال.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى