أخبار وتقارير

مساع بحرينية للحفاظ على التراث الأثري للبلاد

تجمع قلعة البحرين بين الحداثة والأصالة بصورة شديدة الوضوح والمباشرة. حيث تبدو القلعة أشبه بمجمع كهفي لأطلال تتراصف في طبقات الواحدة فوق الأخرى. تظهر المقاطع العرضية لها بعضاً من الـ 4,000 عام من تاريخ الجزيرة بدءً بحضارة دلمون المبكرة وحتى العصور الإسلامية والحديثة. كما ترك العديد من الغزاة من البرتغاليين وحتى الفرس آثارهم فيها أيضاً.  

يقع الموقع المعترف به من قبل منظمة اليونسكو على مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من مركز تسوق كبير والأبراج الزجاجية في وسط المنامة. وهو رمز مثالي للصراع الدائر بين التراث الأثري وتطوير البنى التحتية في معظم أنحاء منطقة الخليج. في مثل هذا السباق، عادة ما يحل التاريخ في المركز الثاني. لكن البحرين تطبق الآن نظاماً صارماً نسبياً يمنح الآثار فرصة للنضال، الأمر الذي ترك الخبراء يتساءلون فيما إذا كان على بلدان أخرى في المنطقة أن تحذو حذوها لإنقاذ ما لم يفسح له المجال بعد لتحل ناطحات السحاب محله.

قال روبرت كارتر، أستاذ الآثار العربية والشرق أوسطية في كلية لندن الجامعية بقطر، “تمتلك الحكومة في البحرين أولوية للحفاظ على الآثار. من غير الواضح إذا كان هناك توجه مماثل هنا، لكن جميع اقتصادات دول الخليج تحاول التنويع وهم يبحثون في إمكانات السياحة الثقافية.”

في المدينة، وفي متحف البحرين الوطني الحديث جداً بالتحديد، تُعرض بعض القطع الأثرية المستخرجة من قلعة البحرين وغيرها من المواقع الأثرية في الجزيرة. وعلى موقعه على الإنترنت، يدعي المتحف بفخر أنه “تتويج لإنجازات جهود مملكة البحرين المستمرة في الحفاظ على التراث في البلاد”. وفي مكتب أسفل ممر يقع خلف المعروضات، يعمل سلمان المحاري، رئيس قسم الحفاظ على الآثار في وزارة الثقافة، وفي ذهنه هذه المهمة.

قال “التنمية أمر لابد منه بالنسبة لاقتصادنا. لكن علينا أن نخلق توازناً. نحن لا نريد للتنمية أن تدمر تراثاً عمره 4,000 عام.”

يعمل المحاري وفريقه على تأليف قائمة تضم مواقع التراث الوطني. وهم يحدثونها باستمرار بإدخال الكثير من الأرقام وبيانات تحديد الموقع الجغرافي، التي يتقاسمونها مع وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني. قال موضحاً “بحسب القانون في البحرين، إذا ما تلقت الوزارة أية طلبات تنمية في موقع ما، أو قرب موقع ما، أو حتى في منطقة ذات أهمية أثرية محتملة، يتوجب عليهم القدوم إلينا قبل إصدار أي تصريح.”

تتم مراجعة تلك الطلبات بعد ذلك من قبل المحاري – ومن دون موافقته، سيكون قيام أي مطورين بالحفر أو البناء أمراً غير قانوني. قال المحاري “إذا لم تكن هناك آثار فإن الأمر لا يهمنا، وسنقوم بمنح الإذن. وإذا كان المكان قريباً من أحد المواقع، سنقوم بمنح الموافقة مع بعض الشروط الخاصة بارتفاع ولون وتصميم المبنى للحفاظ على السلامة البصرية للموقع. وإذا ما تلقينا طلباً للتنمية في موقع معروف بكونه موقع أثري فإننا لن ننظر فيه حتى، وسنكتفي بالرفض بشكل مباشر.”

لكن الوضع مختلف في أجزاء أخرى من منطقة الخليج. ففي قطر على سبيل المثال، تم استبدال الكثير من المباني والمناطق القديمة في البلاد باستثمارات حديثة. قال ياسر محجوب، رئيس قسم العمارة والتخطيط العمراني بجامعة قطر، “لقد ضاع وسط المدينة القديمة باستثناء عدد قليل من المنازل.”

أثارت وتيرة فقدان المناطق التراثية في قطر الباحثين المهتمين لدرجة أنهم، وبدلاً من السعي لوقفها، يتسابقون الآن في توثيق ما تبقى منها لتكون عمليات إعادة الإعمار في المستقبل دقيقة. [اقرأ المقال ذات الصلة: باحثة تواجه تحديات لتوثيق الدوحة القديمة.]

لكن السلطات في قطر بدأت بتقدير التراث بشكل أكثر جدية – حيث أن السوق الواقف، وهو أحد أهم مناطق الجذب السياحي في الدوحة، في الواقع عبارة عن نسخة أعيد بناؤها طبقاً للأصل. قال محجوب “بدأ الندم يلوح في الأفق هنا في قطر.”

قال المحاري إنه ليس في موضع يسمح له بإخبار الدول الأخرى عن كيفية إجراء سياسات التراث والمحافظة عليه لكنه أكد بأن البحرين تشهد نتائج ما تقوم به في هذا الصدد. قال “أن تبني من دون الحصول على موافقة أمرٌ غير ممكن، ولدينا الحق في استدعاء الشرطة لإيقاف ذلك.”

وبينما يتفق كارتر حول كون البحرين تبدو وكأنها تأخذ القضية على محمل الجد أكثر من جيرانها، إلا إنه يقول إن الأمور لا تزال غير مثالية. قال “هناك ضغوطات كبيرة من اقتصادات التنمية على التراث، وهذا هو السبب الذي يدعو لمناقشة الحجة الاقتصادية للتراث. بطبيعة الحال، أنا أعتقد بوجود قيمة للمحافظة على التراث، لكن هناك بعض الناس ممّن لن يروا سوى الفائدة الاقتصادية وراء ذلك.”

وهذا هو الأمر الذي يشعر المحاري بالقلق الشديد حياله أيضاً – فهو يقلق من أن يجازف قسمه بردة فعل عنيفة من ملاك الأراضي الذين تم رفض السماح لهم بالبناء. فمن وجهة نظرهم قام قسمه بتقليل قيمة ما كانوا يعدونه يوماً أملاكاً ذات قيمة. قال “نحاول الآن دفع الحكومة لشراء الأراضي وتسجيلها كموقع أثري لا يمكن المساس به. لكن المشكلة هنا، وبوضوح، مشكلة تتعلق بالمال والموازنة.”

وبينما يعرف الباحثون والأكاديميون في جميع أنحاء العالم العربي وخارجه جيداً بأن إقناع الحكومات بالتخلي عن أموالها السائلة مهمة صعبة، يعتقد كارتر بوجود حجة يمكن أن تقنعهم بأن الآثار أمر يستحق أن نقلق بشأنه.

قال “هناك قضايا هوية هنا في منطقة الخليج. الحكومات تدرك بأن الناس لا يضعون بالضرورة هويتهم الوطنية قبل إنتمائهم للأسرة أو القبيلة.”

ومن خلال التعليم والاحتفال بالأيام الوطنية، تحاول السلطات تعزيز الشعور بالفخر الوطني. قال كارتر “يمكنهم القيام بذلك أيضاً من خلال التاريخ المشترك. الأمر يتعلق بالعثور على ما يمتلكه القطريون أو البحرينوين أو الإماراتيون من قواسم مشتركة تتجاوز فكرة العيش ضمن ذات الحدود الجغرافية. بصفتي مؤرخ، يمكنني المساعدة في توفير بعض من ملامح تلك الهوية. وهذا هو كل ما تقوم المتاحف من أجله هنا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى