أخبار وتقارير

أبواب مواربة أمام عمل السوريين في لبنان والأردن

تأتي هذه القصة ضمن سلسلة قصص عن واقع عمل اللاجئين السوريين في دول الجوار وتضم: ماذا تعرف عن حقوق العمال السوريين في دول الجوار وتركيا ترسل إشارات متباينة لطالبي العمل من السوريين.  

عمان- بعد خمس سنوات من الدراسة، تخرج بلال محمد (24 عاماً) من جامعة فيلادلفيا الخاصة في عمان كمهندس مدني بشهادة تقدير. ورغم حماسته الشديدة للتخرج من جامعته بمعدل جيد، لا ينشغل محمد اليوم في البحث عن فرصة عمل إذ أنه يعتقد أنه لن يعثر عليها أبداً في الأردن.

قال “أحمل الجنسية السورية وأقيم هنا منذ أكثر من 13 عاماً، أي قبل اندلاع الحرب في سوريا، مع ذلك لا يمكنني الحصول على تصريح رسمي للعمل في مجال الهندسة.”

في لبنان، تمكنت مجد ياسين، 29 عاماً والحاصلة على ماجستير في التربية من جامعة دمشق، من العثور على فرصة عمل مع منظمة دولية تُعنى بشؤون اللاجئين منذ عامين. لكنها تعمل وفق عقد عمل مؤقت يصفها بالمتطوعة.

قالت “لم تتمكن المنظمة من الحصول على تصريح عمل رسمي بإسمي، لذلك أعمل بعقد مؤقت وتحت توصيف متطوعة.”

للحصول على إقامة قانونية في لبنان، اضطرت ياسين للتسجيل في الجامعة للحصول على إقامة طالب. قالت “هذه هي الإقامة الوحيدة الممكنة اليوم في لبنان، إذ لايتم منح تصاريح عمل ويشترطون وجود كفيل لبناني وتسديد مبلغ مالي كبير لقاء ذلك.”

يعتبر محمد وياسين نموذجين لألاف الشباب السوريين الذين يحملون شهادات دراسية عليا ويقيمون في الأردن ولبنان اليوم لكنهم غير قادرين على العمل بصورة قانونية في مجال تخصصهم. إذ تحد قوانين العمل في كلا البلدين من فرص حصولهم على تصاريح عمل تساعدهم على دخول سوق العمل بصورة نظامية. كما تتسبب القيود على العمل بصورة أو بأخرى في ابتعاد الكثيرين من الشباب السوريين عن استكمال تعليمهم الجامعي  حتى في حال توفر بعض المنح الدراسية.

قال مصطفى الجزار، رئيس الجمعية اللبنانية لدعم البحث العلمي والتي تعمل على تقديم منح دراسية للطلاب السوريين في لبنان، “إن غياب الأفق أمام الشباب السوري مشكلة كبيرة.” مشيراً إلى إنسحاب عدد لا بأس به من الطلاب من المنح الدراسية التي لا تغطي مصروفهم الشخصي مع مرور الوقت نتيجة حاجتهم الشديدة للعمل وكسب المال.

قال “يترك بعض الطلاب حلمهم في الدراسة رغم التفوق والحصول على منحة في سيبل العمل بصورة غير قانونية وتأمين مبلغ 200 دولار أميركي لعائلته.”

في الأردن، يحدد قانون العمل مجموعة من المهن أمام العمالة الوافدة بمافيهم السوريين (لاجئين كانوا أم مقيمين) وبنسب تشغيل محددة في القطاعات كافة. تشمل المهن المسموح بممارستها قطاعات مثل الإنشاءات والزراعة والقطاعات التي تتطلب مهارات كالحرف اليدوية والمنسوجات. في المقابل، يحدد القانون 18 مهنة لا يمكن لغير الأردنيين من مختلف الجنسيات ممارستها وتضم: المهن الإدارية والمحاسبية ، والمهن الكتابية بما في ذلك أعمال الطباعة والسكرتارية، أعمال المقاسم والهواتف والتوصيلات، أعمال المستودعات، أعمال البيع بكافة فئاتها، أعمال الديكور، بيع المحروقات في المدن الرئيسية، مهن الكهرباء، مهن الميكانيك وتصليح السيارات، السائقون الذين يعملون لدى شركات تكون الحكومة شريكا فيها، الحراس والمراسلون، المهن الطبية، المهن الهندسية، أعمال قص الشعر، المهن التعليمية، عمال التحميل والتنزيل في محلات الخضار والفواكه، عمال التحميل والتنزيل في محلات السوبر ماركت والمولات، عمال النظافة في المدارس الخاصة والفنادق، المكاتب الاقليمية الأجنبية وغير العاملة في المملكة. (يمكن الاطلاع على تفاصيل القانون هنا).

قالت غدير الخفش، الرئيس التنفيذي لمؤسسة التعليم لأجل التوظيف الأردنية، ” يعطي قانون العمل الأولوية في سوق العمل للمواطن الاردني، خاصة في ظل ارتفاع نسب البطالة في المملكة في صفوف خريجي الجامعات”. مشيرة إلى أن ذلك لا يحد من فرص تشغيل السوريين في الأردن. قالت “هناك حاجة كبيرة للأيدي العاملة الماهرة في الأردن، والسوريون معروفون بكفائتهم في هذا المجال وهو مفتوح أمامهم للعمل بصورة قانونية.”

يعاني العاملون السوريون من ممارسات عنصرية في عدة مدن لبنانية بصورة شبه مستمرة.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن الآن 655,895 ألف لاجئ يعيش معظمهم خارج المخيمات بحسب أخر إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.  في حين تقدر الحكومة إجمالي عدد السوريين في الأردن بأكثر من 1.3 مليون منهم نحو 150 ألف سوري يعملون في سوق العمل دون تصريح. وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت في شباط/ فبراير العام الماضي لمؤتمر لندن للمانحين عن عزمها توفير 200 ألف فرصة عمل خلال خمسة أعوام  للاجئين السوريين في القطاعات المفتوحة مع إعفائهم من رسوم تصريح العمل والتي تبلغ نحو 700 دولار أميركي سنوياً، نظرا لأوضاعهم السياسية والاقتصادية، شريطة التزام الدول المانحة بتسديد 496 مليون دولار أميركي كمساعدة لهذا الغرض.

مع ذلك، لم يتجاوز عدد تصاريح العمل الممنوحة للسوريين في الأردن حتى اليوم 32 ألف بحسب وزارة العمل الأردنية.

قال محمد الخطيب، الناطق الاعلامي باسم وزارة العمل، إن “اللاجئ السوري في الأردن يعامل معاملة أي وافد عربي، لكن العمالة الوافدة يجب أن تكون مكملة لا منافسة للعمالة المحلية.” مشيراً إلى أن الكثيرين من اللاجئين يعتقدون أن الحصول على تصاريح عمل رسمية سيمنعهم من الحصول على مساعدات من المنظمات الدولية والاغاثية وبالتالي يعكفون عن استخراجها.

قانونياً، تؤكد دراسة صادرة عن منظمة أرض العون القانوني “أنه لا يوجد أي نص قانوني يمنع أي لاجئ من التقدم للحصول على تصريح عمل، ولكن لابد من توفر شروط وأوراق للتقدم للحصول على التصريح”.

في لبنان، لايختلف الوضع كثيراً. فبعد 12 عاماً من اتفاقية التعاون بين الحكومتين السورية واللبنانية والتي تنص على حرية الإقامة والعمل وإجراء الأنشطة الاقتصادية للمواطنين من كلا البلدين في لبنان، تم تعليق الاتفاق عام 2015 وبات دخول السوريين إلى لبنان وإقامتهم أمراً شديد الصعوبة. كما يشهد منح تصاريح العمل للسوريين أيضاً صعوبات متزايدة ويتم فقط في قطاعات محدودة جداً كالبناء والزراعة والتنظيف. من جهة أخرى، وعلى العكس من الأردن، لايسمح للاجئين المسجلين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان والذين يزيد عددهم عن المليون من العمل قطعياً في البلاد. وفي حال تم ضبطهم يعملون دون تصريح فيتم ترحيلهم فوراَ.

فبحسب دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة بعنوان “تقييم أثر اللاجئين السوريين في لبنان وظروف تشغيلهم“، نشرت في أبريل/ نيسان 2014، يبلغ متوسط الدخل الشهري للاجئ السوري العامل في لبنان، 277 دولارا، علماً بأن الحد الأدنى للأجور هو 448 دولاراً، فيما يعمل ما نسبته 92 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان دون عقد عمل نظامي.

قال نضال، 32 عاماً سوري يقيم في طرابلس، “اعتقلت وتعرضت للضرب خلال توقيفي بسبب عملي كنادل في مقهى دون تصريح رسمي. وكنت مهدداً بالترحيل، لكن ضغط المنظمات المدنية ساعد في الإفراج عني دون ترحيل.”

تتسبب القيود على العمل بصورة أو بأخرى في ابتعاد الكثيرين من الشباب السوريين عن استكمال تعليمهم الجامعي حتى في حال توفر بعض المنح الدراسية. أ ف ب/ تصوير: خليل المزرعاني.

درس نضال لمدة عامين في كلية العلوم في جامعة البعث في سوريا، لكنه اضطر للنزوح للبنان بعد فرار أخيه من الخدمة الإلزامية في الجيش. قال”خشينا من الاعتقال فقررنا في نصف ساعة السفر للبنان. لم أحضر معي أي ورقة رسمية باستثناء هويتي الشخصية.”

لا يفكر نضال اليوم باستكمال دراسته الجامعية. قال “الدراسة حلم لا أجرؤ على تخيله. أنا بحاجة للعمل لإعالة نفسي وأسرتي. هذا أيضاً أمر غير ممكن بصورة قانونية. لكن لا خيارات أخرى لدي.”

من جهة أخرى، تتسبب القيود المتشددة على عمل السوريين في دول الجوار إلى دفعهم للعمل بصورة غير قانونية لتلبية احتياجاتهم الرئيسية مما يجعلهم عرضة للاستغلال وخطر الاحتجاز والترحيل في الكثير من الأحيان.

فبحسب دراسة أجراها المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، تتسبب العمالة السورية غير القانونية في توسع الاقتصاد غير المنظَّم وانخفاض الأجور في العديد من المهن خاصة مع قبول العامل السوري لظروف عمل غير لائقة، سواء من حيث ساعات العمل أو الأجر اليومي أو بيئة العمل نتيجة أوضاعه الاقتصادية الصعبة وهو مايحدث في كل من الأردن ولبنان.

ويعاني العاملون السوريون من ممارسات عنصرية في عدة مدن لبنانية بصورة شبه مستمرة تتضمن حظر تجول وتوقيف وترحيل ومداهمات وإجبار على تنظيف الشوارع وتحديد عدد سكان الغرف المستأجرة.

في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عرض برنامج “هدي قلبك” الساخر على قناة “الأو تي في” اللبنانية حلقة فيها عامل سوري يدعى أحمد تقدم للعمل في حلبة مخصصة لسباق السيارات الصغيرة “للكارتينج”. لكن مقدمي البرنامج أجبروه على على خلع ملابسه وطلبوا منه الركض بعد وضع العصا في لباسه الداخلي والصياح بعبارات من قبيل “لا توجد وظائف… لهذا السبب سعري منخفض.”

قال إبراهيم قاسم، محامي سوري يعيش في لبنان وعمل سابقاً كممثل القانوني لـ”إحقاق”، وهو مشروع دعم قانوني للاجئين السوريين وفلسطينيي سوريا، “تبدأ مشكلة الوافدين السوريين إلى لبنان بتسميتهم. إذ تطلق عليهم الحكومة نازحين عوضاً عن لاجئين، لأسباب سياسية وتاريخية، لكن تجاهل صفتهم القانونية، باعتبارهم لاجئين، مقدمة لمعاناة قانونية تحرمهم من مجموعة من الحقوق منها العمل بصورة قانونية ووفق القواعد المعمول بها من ناحية التصريح وساعات العمل والأجور والتأمينات الاجتماعية والصحية.”

اليوم، يحلم كل من محمد وياسين ونضال بالسفر لأوروبا، إذ يعتقدون أن فرصهم في العمل قانونياً معدومة في مكان إقامتهم الحالي سواء في الأردن أو لبنان.

قال محمد “على الرغم من أن جميع الدول ترفض استقبالنا اليوم، وتبدو الهجرة غير الشرعية أمراً شديد الصعوبة في ظل القيود الحالية على سفر السوريين. لكنها تبدو ممكنة أكثر من إمكانية العثور على العمل في المنطقة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى