مقالات رأي

جامعات العراق تبحث عن خارطة طريق لإعادة الإعمار

يتوقع العراقيون نهاية قريبة لمعركة الموصل، وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية أو مايعرف إعلامياً باسم “داعش” ووضع حد للوحشية التي عصفت بالبلاد على مدى العامين الماضيين. إذ حررت القوات العراقية في الشهور الماضية معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة عناصر التنظيم. كما بدأت المحادثات بالفعل عن العراق في مرحلة ما بعد “داعش”. ومع بدء عودة سكان المناطق المحررة إلى مدنهم، يمكننا البدء في رؤية مدى الضرر وحجم الجهد المطلوب لإعادة البناء.

بحسب مزاحم الخياط، رئيس جامعة نينوى، “يواجه عدد كبير من الأساتذة والطلاب، الذين غادروا خلال العامين الماضيين ثم عادوا مؤخراً، مشكلات في إعادة بناء منازلهم المنهوبة في حال لم تكن قد دمرت بصورة كاملة. من ناحية أخرى، يحتاج الأساتذة والطلاب الذين لم يغادروا إلى التخلص من الآثار النفسية السيئة التي تركتها تجربة الحياة تحت حكم عناصر التنظيم. يحتاج الجميع إلى الرعاية الاجتماعية والنفسية.”

وأوضح الخياط أن “الهدف الرئيسي هو إعادة جامعة نينوي لمستوى أفضل مما كانت عليه قبل دخول عناصر التنظيم.” (كان سلطان بركات وسانسون ميلز/ الباحثان في معهد بروكنز بالدوحة، قد طرحا فكرة “عودٌ أفضل من بدء” في مرحلة ما بعد داعش في مقال لهما سابقاً).

مؤخراً، جمعت آيركس، وهي منظمة أميركية غير ربحية تعنى بالتعليم العالي والتنمية، وبتمويل من السفارة الأميركية في بغداد ضمن برنامج “روابط جامعة العراق”، القيادات الأكاديمية العراقية لمناقشة أولويات العمل في قطاع التعليم العالي ومنها إصلاح ما خربه التنظيم. خلال الاجتماع، كشفت المناقشات الجانبية التي تجرى على مستوى الجامعات، عن صورة واضحة لاحتياجات المؤسسات الأكاديمية العراقية.

لم يكن من المستغرب أن تكشف المناقشات عن قلق القيادات الأكاديمية في جامعتي الرمادي والموصل من عدم قدرة الموارد المتاحة على الوفاء بمتطلبات إعادة البناء.

على مدى العامين الماضيين، تمكنت الجامعتان من إبقاء أبواب الصفوف الدراسية مفتوحة للطلاب وتطبيق أفكار جديدة، منها استعارة قاعات ومعامل ومرافق من جامعات أخرى، وتسيير النشاطات الدراسية فيها في الفترات المسائية أو أثناء الإجازات الأسبوعية، وتأجير قاعات اجتماعات من بعض الفنادق لاستخدامها كمكاتب، إضافة إلى إعطاء بعض الدروس عبر الإنترنت.

استعادت الجامعات في الوقت الراهن نشاطاتها في مقراتها الأساسية. مع ذلك، مازالت أعداد كبير من الطلاب والأساتذة مشتتين في أرجاء العراق كلاجئين، ذلك أن إغلاق المقرات الجامعية المؤقتة، والعودة للمقرات الجامعية الأم، التي تحول جزء منها لأنقاض وفقدت معظم بنيتها الأساسية، ليس بالمهمة السهلة.

إذ يواجه العائدون صورة قاتمة خلفها تنظيم “داعش”، من مبان وفصول دراسية وبنية تحتية مهدمة، ومعامل وكتب دراسية ومعدات مدمرة، ومواد دراسية ومعدات مخبرية منهوبة، إضافة إلى تدمير السجلات التي تحتوى التقديرات الدراسية للطلاب، سواء بسبب القصف أو على يد أفراد من التنظيم حيث لم يتبق من السجلات سوى أقل القليل.

ويشعر الكثير من أعضاء هيئات التدريس بالخوف من العودة إلى مدنهم، حيث يتذكر الكثير منهم كيف تم استهدافهم، وكيف فقد 500 أستاذ جامعي عراقي حياتهم بين أعوام 2003 و 2012. إذ يعلمون أن التنظيم استهدف عن عمد الأكاديميين الذين تربطهم علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية الأخرى.

وزادت مخاوف الأكاديميين العراقيين من العودة بعد الهجمات الانتحارية التي يقوم بها بين حين وآخر بعض خلايا التنظيم، كالتفجير الذي حدث في الفلوجة، وهو أمر يتسبب في نقص عدد المحاضرين المؤهلين.

وبينما عادت بعض المرافق الأخرى للعمل، كخدمات الكهرباء والماء في بعض المناطق، لازالت هناك حاجة ملحة في مناطق أخرى لعودة هذه الخدمات الأساسية.

تشمل الاحتياجات المادية العاجلة التي على الجامعات توفيرها: الكتب الدراسية، وإعادة إفتتاح المكتبات الجامعية – بعد أن أحرق التنظيم أعداداً هائلة من الكتب الجامعية – إضافة إلى أمور أخرى هامة لإستعادة النشاطات الجامعية كالمعدات الدراسية وأجهزة الكمبيوتر، والأدوات المعملية والميكروسكوبات في المعامل الطبية. وكذلك وسائل النقل البديلة لتلك التي نهبها عناصر التنظيم من أجل نقل الموظفين والطلاب من وإلى الحرم الجامعي.

تحتفظ بعض الجامعات في المناطق المحررة مؤخراً بعلاقات جيدة مع المجتمع الدولي، غير أن البعض الآخر يفتقر إلى تلك العلاقات التي يمكن أن تفيد في عملية إعادة البناء. فقد وصف عدد من القيادات الجامعية الذين تحدثت إليهم عدم استجابة المجتمع الدولي حتى الآن أمر بالأمر المثبط للهمم. لكن لازال هناك أمل بتغيير ذلك ومد يد العون للمجتمع الأكاديمي للقيام بالمهمة الشاقة في إعادة البناء.

هناك حاجة ملحة لحشد دعم المجتمع الأكاديمي الدولي لمساعدة المؤسسات العراقية على التغلب على المرحلة الراهنة والانتقال لمرحلة قادمة أفضل، نظراً للدور الرئيسي الذي يلعبه التعليم العالي في بناء المجتمع وتحقيق الاستقرار.

يُبدى الأكاديميون العراقيون الذين تحدثت إليهم تصميماً واضحاً ليس فقط على إعادة بناء المباني الجامعية واستبدال المعدات، لكن على تحسين الكفاءة الأكاديمية لتصبح أفضل مما كانت أيضاً.

توجد عدة طرق أمام  كل من المؤسسات الأكاديمية والأفراد في الولايات المتحدة للمساعدة في القيام بذلك، من خلال ما يلي:

1-نموذج “التعليم المزيج” والذي من خلاله يمكن لأكاديميين أميركيين التعاون في تدريس بعض المساقات مع أساتذة عراقيين متواجدين في الفصول الدراسية في الجامعات. تكمن أهمية هذا النموذج في كونه وسيلة للتغلب على نقص عدد الأكاديميين الأكفاء نتيجة نزوح  أعداد كبيرة منهم.

2-توفير “مختبرات تجريبية عن بعد”، خاصة في ضوء عودة خدمات الانترنت.

3-المساعدة في إتاحة بعض المساقات الدراسية في مجالات معينة بصورة إلكترونية، خاصة في ضوء نقص الأكاديميين أو الموارد التي تسمح للجامعات بتدريس هذه المساقات.

4-التعاون في الإشراف على بعض الأبحاث لطلاب الدراسات العليا.

5-لسماح بالوصول إلى المصادر المكتبية الإلكترونية.

6-التبرع بالمعدات أو المصادر، وتقديم الاستشارة فيما يخص التخطيط الاستراتيجي لتحسين الجودة المؤسسية.

في خضم التحديات الكبيرة التي تواجهها الجامعات العراقية المحررة من قبضة التنظيم، توجد فرصة كبيرة لإعادة البناء الاستراتيجي المؤسسي لجامعات العراق، لوضع أفضل مما كانت عليه، مما يعد سلاحاً قوياً مستقبلياً لمنع التطرف في مناطق دمرها الفكر المتطرف.

يمكن  للجامعات أو الأفراد المهتمين بالحصول على آخر المعلومات المتعلقة بفرص تقديم الدعم للمؤسسات الأكاديمية العراقية وإعادة بناء قدراتها التسجيل هنا.

ستوفر “أيركس” آخر المستجدات والمعلومات لكل من الجامعات الأميركية وأعضاء هيئة التدريس المهتمين.

* لوري ماسون، كبيرة المستشارين الفنيين لبرنامج الربط الجامعي في العراق التابع لمنظمة آيركس، منظمة دولية غير ربحية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى