أخبار وتقارير

كيف تستجيب الجامعات الأوروبية لأزمة اللاجئين

برلين – على مدى العام الماضي، بدأت العديد من الجامعات الأوروبية برامج تعليمية استجابة لأزمة اللاجئين في القارة، فقد تقدم عدد أكبر من الطلاب الذين فروا من الصراع الدائر في بلادهم بطلب للدراسة في برامج أكاديمية أوروبية ودورات لغة.

قالت هنرييت شتوبر، مديرة مشروع تابع لرابطة الجامعات الأوروبية في بروكسل، “في البداية، رأينا العديد من الأنشطة المخصصة لغرض ما، حيث ركزت الجامعات على المساعدة في تأمين مأوى أو امتلاكها لمبادرة تهدف لتقديم التوجيه للطلاب المحتملين من اللاجئين. الآن، نحن نرى نُهجاً أكثر تطوراً بكثير تتجه بشكل أكبر في اتجاه توفير دورات تدريب فعلية أو تسجيل واقعي للطلاب.”

من بين أكثر من مليون لاجئ ممن وصلوا إلى أوروبا العام الماضي، يسعى ما يزيد عن 50,000 منهم لمواصلة التعليم العالي في الجامعات الأوروبية، بحسب الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD).

هذا العام، أنشأت رابطة الجامعات الأوروبية “خريطة الترحيب باللاجئين Refugees Welcome Map” على الإنترنت، حيث يمكن للجامعات مشاركة مبادراتها الداعمة للاجئين. حتى الآن، تمت الموافقة على أكثر من 200 مبادرة، فيما تستمر مبادرات جديدة في سعيها للحصول على القبول.

قالت شتوبر “نحن نتلقى حالياً أربعة أو خمسة عروض جديدة كل أسبوع. نحن نرغب في استخدام هذه المدخلات لعرض الممارسات الجيدة. كما نرغب في تطوير مواد تدريبية لموظفي الجامعات، بما في ذلك سلسلة من محاضرات إلكترونية وورش عمل على أرض الواقع.”

من بين هذه المبادرات الجامعية برنامج “In(2)Tu Berlin” الذي بدأته جامعة برلين التقنية في أيلول/ سبتمبر الماضي، الجامعة التي تسمح للاجئين بحضور الدروس بإذن الأستاذ وخوض الامتحانات بينما يواصلون تعلم اللغة الألمانية أو انتظار حصولهم على الاعتراف بدراستهم الماضية.

قالت كاثارينا كوبه، رئيسة برنامج In(2)Tu Berlin، “يأتي بعض اللاجئين إلى مكتبنا وهم يرغبون في البدء بشيء ما على الفور. فبدأنا بالتفكير في ما يمكن أن نقدمه لهم بطريقة معقولة.”

يقدم البرنامج للطلاب التعليم إلى جانب تعريفهم بالحياة الأكاديمية والجامعية في ألمانيا، بحسب كوبه. كما أنه يمنح اللاجئين فرصة للتواصل مع بيئة جديدة من خلال اللقاء بطلاب ألمان، على سبيل المثال.

قالت كوبه “تتم معاملتهم تماماً مثل الطلاب النظاميين، ويواجهون ذات التحديات، مثل اجتياز الامتحانات. إنهم يشاركون في بيئة أكاديمية حقيقية. الفرق الوحيد هو أنهم غير مسجلين رسمياً.”

مع ذلك، يستطيع الطلاب الحصول على الوحدات الدراسية واستخدامها في برنامج لنيل درجة أكاديمية إذا ما تم قبولهم في الجامعة التقنية لاحقاً، بحسب باريش أونال من مكتب خدمات الإرشاد الطلابي بالجامعة التقنية.

قال أونال “نحن هنا لنساعد الناس ليمضوا قدماً في حياتهم المهنية، ونحن نقوم بذلك طوال الوقت، لذلك، ما المانع في [القيام بذات الشيء] للاجئين؟ العديد منهم لديهم خلفية في مجال الهندسة، على سبيل المثال، لذلك فإن الأمر لا يختلف عن تقديم المشورة للطالب المتوسط الخاص بجامعتك.”

منذ بدايته، شارك ما مجموعه 307 لاجئين في البرنامج. كما أعرب أكثر من 250 آخرين عن اهتمامهم بالإنضمام. وحالياً يوجد مئة لاجئ مسجل في دورات تعليم اللغة الألمانية في جامعة برلين التقنية.

طلاب لاجئون في الجامعة التقنية في برلين.

تقول كوبه إن انطباعات الطلاب حتى الآن إيجابية. حتى أن بعضهم قد عاودوا إلى مكتب الإرشاد طلباً للتوجيه عند التحضير للامتحانات، وهو ما تراه كوبه علامة على اندماجهم في الحياة الطلابية.

مع ذلك، مثّل التواصل مع الطلاب الطموحين تحدياً بالنسبة لبعض الجامعات، بحسب شتوبر من رابطة الجامعات الأوروبية، قالت “في بعض الحالات، كانت هناك “حلقة مفقودة” حيث تمتلك الجامعات مبادرة أو منحة دراسية، ولكنها تواجه صعوبة في تحديد الباحثين والطلاب المحتملين من اللاجئين والوصول إليهم. ربما يكونون في مركز استقبال مجاور، لكن، بالكاد يوجد أي تعاون مع السلطات الإقليمية أو تلك المراكز حتى الآن.”

وبهدف معالجة هذا القصور، تعمل الجامعات في بعض البلدان بنشاط على توعية المؤسسات الحكومية للتواصل مع اللاجئين.

قالت شتوبر “لقد رأينا العديد من الحالات حيث كانت الجامعات النرويجية تعمل معاً. وكذلك الأمر بالنسبة لوكالات التوظيف أو وزارة التربية، على موضوعات مثل الاعتماد أو تسريع الوصول إلى سوق العمل.”

على سبيل المثال، عقدت جامعة أوسلو يوماً لتقديم المعلومات إلى جانب عدد من المجموعات غير الربحية ومنظمات أخرى في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

قالت آنا كولبرغ بوفيرود، كبيرة المستشارين في مكتب العلاقات الدولية بجامعة أوسلو، “لقد جعلنا الكثير من المعلومات متاحة، ولم تكن كذلك من قبل. وقد قيل لنا بأن تلك المعلومات قد انتشرت بسرعة كبيرة نسبياً في مجموعات اللاجئين على موقع الفيسبوك، ويبدو أنها قد أحدثت أثراً.”

لكن بوفيرود تتوقع المزيد من المتقدمين على البرامج الأكاديمية ما أن ينتهي اللاجئون من دورات تعلم اللغة. في هذه الأثناء، تبحث الجامعات النرويجية عن وسائل أخرى لمساعدة اللاجئين على تحقيق الاستفادة القصوى من وقتهم بينما يقومون بتعلم اللغة النرويجية، بما في ذلك السماح لهم بحضور الفصول الدراسية والامتحانات من دون الحاجة للتسجيل، في مقاربة مماثلة لتلك التي تقوم بها جامعة برلين التقنية.

قالت بوفيرود “نحن نتطلع لتغيير بعض اللوائح بحيث يتمكن اللاجئون ممن يحملون شهادة عليا واحدة على الأقل من خوض الامتحانات من دون أن يكونوا قد تم قبولهم في برنامج دراسي ما. بهذه الطريقة سيكون في إمكانهم ملء الفجوات الشخصية “الفردية” في تعليمهم قبل أن يواصلوا دراستهم في المستوى المطلوب.”

كما وجد ممثلون عن جامعة لوفان في بلجيكا أيضاً أن العمل بشكل وثيق مع مؤسسات مساعدة اللاجئين المحلية مسألة فعالة. حيث التقوا بأخصائيين اجتماعيين ومسؤولي الإندماج في وقت سابق من هذا العام لتنسيق الجهود.

قالت كاتالينا رولانت، من مكتب القبول الدولي بجامعة لوفان، “سابقاً، كان الناس يأتون إلينا بهدف السؤال، ولم نكن دائماً قادرين على قضاء الوقت اللازم معهم. كان ذلك أمراً غير لائق. لكن المتقدمين الآن يستطيعون الحصول على إجابات من موظفي الاندماج والأخصائيين الإجتماعيين أيضاً.”

وكما هو الحال في أماكن أخرى، يُعتبر تعلم اللغة المحلية – اللغة الهولندية في هذه الحالة – العقبة الأكبر، بحسب رولانت. مع ذلك، يستطيع الطلاب البدء بالتقدم على البرامج الدراسية بينما يواصلون حضور دورات تعلم اللغة.

قالت رولانت “التحول سريع جداً– فبعض الطلاب يدخلون فصول تعليم اللغة بعد بضعة أشهر فقط من وصولهم إلى بلجيكا. وإذا ما كانوا جيدين حقاً، فإن بإمكانهم الوصول للمستوى B2 [مستوى الإجادة المتوسط] في غضون عام، والبدء في الدراسة.”

مع ذلك، يقول مسؤولون آخرون بأن بعض المؤسسات كانت بطيئة في إدراك الدور الهام للتعليم في دعم اللاجئين. ولا تزال أجزاء من الحكومة النرويجية تركز بشكل كبير على إدخال المهاجرين في القوى العاملة، من دون فهم لمسألة كون التعليم العالي ضروري للنجاح هناك، بحسب بوفيرود. وأضافت بأن المهاجرين الحاصلين على تعليم عالي يحتاجون في بعض الأحيان للوقت ودورات إضافية لتكييف دراستهم وفقاً للسياق الأوروبي.

تتفق شتوبر من رابطة الجامعات الأوروبية مع ذلك وتقول بأن الجامعات لا تزال تواجه عقبات البيروقراطية وغيرها، مثل التمويل والوضع القانوني للاجئين.

قالت شتوبر “أصبح من الواضح بأن ليس في إمكان الجامعات في بعض البلدان تسجيل الأشخاص المقيمين وفق أوضاع لجوء أو حماية مختلفة.” مضيفة أن العديد من اللاجئين لا يملكون نسخ شهاداتهم الأكاديمية، وجوازات سفرهم، وشهادات ميلادهم، وغيرها من الأوراق التي غالباً ما تطلبها الكليات وفق القانون بهدف التحقق. وقالت، “يعتمد ذلك على البلد، هنالك أوضاع مختلفة فيما يتعلق بالاعتراف بالوثائق.”

تمنع القيود البيروقراطية المتعلقة بالوضع القانوني أيضاً الطلاب اللاجئين من الانتقال إلى إحدى الجامعات في بلد أوروبي آخر من المحتمل أن ترغب في استضافتهم، بحسب شتوبر. قالت “هذا العنصر بحاجة للمعالجة على مستوى السياسات. ليس بإمكان الجامعات حل هذه المسألة بأنفسها.”

مع ذلك، ساعدت جهود شخصية من القيادات الجامعية بعض البلدان على تحقيق الكثير في وقت قصير. فقد أنشأ رئيس جامعة أوسلو مجموعة تواصل للكليات النرويجية وسلطات الهجرة لمناقشة قضايا من قبيل الاعتراف بالمؤهلات العلمية الأجنبية. قالت بوفيرود من أوسلو “أعتقد بأن هذا فريد من نوعه في أوروبا. وربما جعل ذلك من الممكن تجاوز هذه التحديات بشكل أسرع بكثير مما هو عليه الحال في بلد أكثر تفتتاً.”

ترحب رابط الجامعات الأوروبية بمثل هذا التعاون. قالت شتوبر “نحن نسعد دائماً لرؤية الجامعات تتعاون فيما بينها وتوفر معاً دورات تدريبية أو دورات لتعلم اللغة. يمكن لهذا التعاون أن يكون له تأثير أكبر.”

تقول شتوبر بأن مبادرات تعاون مماثلة تجري حالياً في ولاية بيرمن الألمانية. كما شكلت رابطة الجامعات في هولندا قوة مختصة باللاجئين في التعليم العالي بهدف تسهيل البرامج التحضيرية وتخفيف التلكؤ في عملية القبول.

قال أونال من برلين إن لقاءه مع اللاجئين أنفسهم قد ساعد الجامعة التقنية على معرفة ما سيحتاج إليه الطلاب المحتملون للنجاح في التعليم العالي “لدى الكثير منهم ذات المسائل والقضايا التي تراود الطالب الألماني في الـ 18 من عمره. ومن خلال التحدث والاستماع فقط، ستكتشف ما يحتاجه الطلاب وتبدأ بالتطوير من هناك.”

وتعتقد بوفيرود بأن الرؤى التي اكتسبتها تتجاوز إحتياجات الطلاب اللاجئين.

قالت، “أخبرني العديد في يومنا الإعلامي بأنها كانت المرة الأولى التي يشعرون فيها بأنهم يُنظر إليهم كأشخاص مرة أخرى منذ فرارهم من بلادهم. يمكن أن يكون الاعتراف باللاجئين طابع من الصعب الابتعاد عنه. الأمر لا يتعلق بمساعدة اللاجئين فحسب، وإنما يتعلق بمساعدة الناس على تحقيق إمكاناتهم ومواصلة الطريق الذي قاموا باختياره.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى