أخبار وتقارير

دراسة قطرية تكشف عن المبالغة في علاج سرطان الغدة الدرقية

في العقود القليلة الماضية، ازداد عدد تشخيصات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية بشكل حاد. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، ارتفع عدد الحالات المصابة بالمرض بأكثر من الضعف في جميع أنحاء العالم، وهو الآن من أشكال السرطان الأسرع نمواً فيما يتعلق بعدد الحالات الجديدة. وقد أظهر بحث جديد أجراه أحد الباحثين بجامعة قطر بأن السبب في ذلك يرجع لوجود تقنيات كشف أفضل، وليس بسبب أنماط الحياة الحديثة غير الصحية.

قال الدكتور سهيل دوي، أحد مؤلفي الدراسة، “ليس لدينا نهج ملموس للتعامل مع تشخيص سرطان الغدة الدرقية. يكلف ذلك مليارات الدولارات.”

وأضاف “في بعض البلدان، هنالك زيادة بمقدار 15 ضعفاً في الكشف عن الإصابات، لكن معدلات الشفاء لم ترتفع بعد.”

ويعود السبب في ذلك، بحسب دوي، إلى أن العديد من حالات السرطان من المحتمل أن لا تنمو أو تصبح عدوانية بما يكفي لتفتك بالمريض أو تؤذيه، مع ذلك تتم إزالة الورم ومعالجته على أية حال. يقول دوي إن الوقت قد حان لتغيير كل ذلك.

قال دوي “في بعض حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، من المحتمل أن تموت بسبب شيء آخر.”

في دراستهم، ألقى دوي وزملاؤه نظرة على سجلات الآلاف من اختبارات ما بعد الوفاة على مدى الـ 60 عام الماضية لمرضى لم يموتوا بسبب سرطان الغدة الدرقية. وأظهرت السجلات بأنه لم يكن هناك أي تغيير في معدلات الإصابة بأورام صغيرة أو آفات في الغدد الدرقية – وهذا يعني بأنها لم تكن قد شخصت فحسب عندما كان المريض على قيد الحياة.

قال دوي موضحاً “يعني ذلك بأن مثل تلك الأورام يجري اكتشافها الآن بسبب التكنولوجيا، وبأن المرضى سيتم إخضاعهم بعدها للمراقبة لما تبقى من حياتهم، [وسيتم إخضاعهم] للعلاج الهرموني التعويضي والجراحة من دون أي سبب لذلك لأنه لن يكون له أي تأثير على فرص بقائهم على قيد الحياة.”

عوضاً عن ذلك، يرى دوي بأنه سيكون من الأفضل لو تم الإكتفاء بمراقبة الآفة ومن ثم التدخل لإتخاذ الإجراء اللازم إذا ما بدأت بالنمو فقط.

قال “يجب أن نترك هؤلاء المرضى في حال سبيلهم، ونتدخل إذا لزم الأمر فقط.”

من الصعب تقدير عدد المصابين بسرطان الغدة الدرقية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن دوي يقول إن من المرجح أن يكون المعدل بحدود 5 إلى 15 شخصاً لكل ألف نسمة. قال “لا شك بأن هناك عدة آلاف أو ملايين من العرب المصابين بهذا المرض.”

يتفق الدكتور محمد بشير، أخصائي الغدة الدرقية في مؤسسة حمد الطبية بالدوحة، مع دوي إلى حد ما لكنه يتخذ نهجاً تحذيرياً نوعاً ما مع مرضاه.

قال بشير “لقد شهد التحسن في العلاج وتوافر طرق الكشف تطوراً كبيراً لذلك يمكننا الآن اكتشاف المرض أكثر مما كان عليه الحال في الماضي. ربما نبالغ في ذلك، لكننا لا نزال نفتقر لأداة قوية للتنبؤ بكيفية تصرف الأورام في المستقبل.”

وأضاف بشير بأن علاج سرطان الغدة الدرقية قد خفّ بالفعل في السنوات الأخيرة. “نحن نتراجع عن العلاجات العنيفة، لكننا لا نزال نتخذ خطوات وقائية. لقد اعتدنا إخضاع الجميع للعلاج الإشعاعي والجراحة. الآن، نحن لا نلجأ دائماً لإزالة الغدة الدرقية بالكامل، ولم يعد العلاج الإشعاعي بذات الكثافة لأن معدلات البقاء على قيد الحياة مع الجرعات المنخفضة جيدة أيضاً.”

اعتمد دوي وزملاؤه، في هذه الدراسة، على بيانات تشريح الجثث في أستراليا. فقد كان من المستحيل التوصل إلى نتائج يمكن الاعتماد عليها إذا ما كانوا يرغبون في الاكتفاء باستخدام بيانات من الدول العربية. ويعود ذلك لكون العائلات غالباً ما تتردد في السماح بتشريح جثث أفراد الأسرة من المتوفين، في العادة بسبب إلتزامات دينية في العرف الإسلامي تقضي بدفن الجثة من دون تأخير بعد الموت.

تختلف الضوابط الإسلامية بشأن تشريح الجثث بحسب فقهاء الشريعة، لكن الممارسة، وبشكل عام، متفق عليها بسبب الفوائد الطبية والعلمية التي تقدمها. كما تختلف القوانين الخاصة بذلك في كل بلد أيضاً.

قال بشير “إنه أمر غاية في الصعوبة. ثقافياً، لا يتقبل الناس هنا فكرة إجراء دراسات ما بعد الوفاة على جسد المتوفى. ولن تلغي الحكومة قرار الأسرة إلا إذا كان سبب الموت جريمة.”

وفي حين أن بشير يعتقد بأن من المفهوم والمهم احترام رغبات الأفراد وثقافاتهم، إلا إنه يعتقد أيضاً بأن ذلك يضيع فرصاً للبحث. قال “نحن نخسر العديد من الدراسات المحتملة لأن الباحثين لا يستطيعون الوصول إلى مصدر البيانات هنا كما يفعل الباحثون في بلدان أخرى.”

وأضاف بأنه وحتى تتغير تلك المواقف أو تتغير الإرادة السياسية، سيكون على الباحثين العرب الذين يحتاجون إلى هذا النوع من البيانات اللجوء إلى الخارج بحثاً عن المساعدة. قال بشير “إنها مشكلة، لكن ليس هناك قوة تسعى لتغيير ذلك الآن.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى