مقالات رأي

كيف تكتب كتباً أكاديمية عندما لا تكون أكاديمياً

* تم نشر المقال أولاً باللغة الإنكليزية في مجلة الكرونيكال  The Chronicle، ويعاد نشرها هنا مترجمة بموجب اتفاقية مع المجلة وبموافقة الكاتب. 

كحال معظم من سيصبحون من الأكاديميين، كانت لدي أحلام بكتاب في المكتبة يحمل إسمي، كتاب يضم نقطتين رأسيتين في العنوان وحواشي في الخلف، كتاب يستقر في ركن هادئ في مكتبة إحدى الجامعات، ليتم إكتشافه بعد أجيال من الآن من قبل طالب دراسات عليا جاد يبحث عن تأثير التصميم الذكي على تشارلز داروين أو/و شعر إيميلي برونتي (فقد كانت إهتماماتي العلمية في تغير مستمر إلى حد ما).

للأسف، لم يتحقق ذلك. فقد تركت كلية الدراسات العليا لأتفرغ لكتابة الشعر. لا أزال أعتقد بأن ذلك المنطق سليم. فنظراً للحالة الراهنة لسوق العمل الخاص بأعضاء هيئة التدريس، أدركت بأنني قد أقضي سبعة أعوام أخرى في دراسة برنامج التاريخ، قبل أن أفشل في العثور على وظيفة في التدريس، وأضطر للعثور على وظيفة أخرى. ويمكن أن أغادر الوسط الأكاديمي مباشرة لأضطر للعثور على وظيفة أخرى، فلماذا الإنتظار؟

في معظم الوقت، لم أندم على إتخاذ ذلك القرار، حتى إذا لم تكن كتابة الشعر تحقق نجاحاً على النحو المطلوب (فقد كان الطلب على القصائد القصيرة الساخرة المتعلقة بالمشاهير Clerihews أقل بكثير عما توقعته.) في نهاية المطاف، نجحت في توفير لقمة عيشي من خلال القيام بالكتابة مقابل أجر، والنقد الفني، وغيرها من أعمال ترفيهية لحسابي الخاص. لكنني لا أزال أفتقد مجلدي الأكاديمي في مكان ما على الطريق الذي سلكته مجموعة من أشخاص آخرين. التفكير في تأليف كتاب كامل عن هاجس غامض بعض الشيء؟ لقد بدا ذلك جميلاً، حتى إذا كان تحقيقه بعيد المنال خارج الأوساط الأكاديمية.

بعد ذلك، وبشكل أثار دهشتي، حققت ذلك الحلم، نقطتان رأسيتان في العنوان وكل شيء.

في عام 2009، شاهدت سلسلة من الرسوم الهزلية الأصلية للمرأة المعجزة (وليام مولتون مارستون/ هاري ج. بيتر) للمرة الأولى، منشورة على موقع مجلة ذي كومكس The Comics. أظهرت الصورة بطلتنا بوجه منزعج، وهي تتأمل تاريخ العبودية في فرنسا. شعرت بالذهول. ومن ثم أسرني ذلك الموضوع قبل أن يصبح هاجسي. بحثت محاولاً العثور على إعادة طبعات وأعداد سابقة، وفي نهاية المطاف أطلقت مدونتي على طريقتي عن كل عدد من سلسلة المرأة المعجزة الهزلية الشهرية. كما بدأت بالإتصال بمتحمسين آخرين لموضوع المرأة المعجزة، بما في ذلك باحثين. وعندما بدأت جامعة روتجرز بنشر سلسلة كوميدية ثقافية، طلب مني العديد من الناس التقدم بإقتراح. ففعلت ذلك، وأحبوا الفكرة، وتحول شغف التدوين الصغير إلى الكتاب الذي حلمت به قبل أن أترك كلية الدراسات العليا – كتاب المرأة المعجزة: العبودية والنسوية في الرسوم الكاريكاتورية لمارستون وبيتر، 1941-1948، متوفر عبر الإنترنت وموجود على الأغلب في مكتبة إحدى الجامعات القريبة منك.

في النهاية، هل هذه قصة حول الكيفية التي فتح بها الإنترنت الأبواب الأكاديمية للناس من مختلف مناحي الحياة، بغض النظر عن شهاداتهم؟

حسن، ليس بالضبط. فبعد ثلاثة أعوام من الكتابة عن المرأة المعجزة في مدونتي، كان لدي مخزن هائل من الأفكار والنثر في متناول اليد عندما بدأت في وضع كتابي. مع ذلك، فإننا إذا ما نظرنا إلى الأمر، فإنني لست متأكداً كيف تمكنت من القيام بذلك. لقد منحتني جامعة روتجرز تقدماً صغيراً (جداً)، لكن المشروع كان لا يزال مثل هواية في الواقع – مثل المدونة نفسها. يتلقى الأكاديميون راتباً لقاء إجراء البحوث والكتابة. لكنني لم أكن أكاديمياً، لذلك كان الدفع منخفضاً ليشمل حقوق المؤلف في الكتاب فقط. حاولت ألا أحسب ما كان يدفع لي في الساعة الواحدة، لأن تلك الطريقة من الممكن أن تجلب بكاء وإندفاع الكاتب على النسخ. لكن، دعنا نفترض بأن بيرني ساندرز سيغضب بالنيابة عني.

كشخص محبط يتمنى أن يكون أكاديمياً، كنت على إستعداد لتسمية كتابي عن المرأة المعجزة مشروع لإرضاء غروري – وشيئاً ربما يكون قد ساعدني في الحصول على بعض الأعمال المدفوعة الثمن (مثل هذا العمل!). لكن، هل سأقوم بذلك مجدداً؟ إتصلت بي مطبعة لتأليف كتاب آخر عن موضوعات كوميدية. بل إنني وقعت عقداً حتى – لكنني لا أستطيع بسبب أسلوب حياتي تصور كيف سأنجح في كتابته. ليس هنالك أي تقدم على الإطلاق في تلك الحالة، ويبدو إيجاد الوقت أمراً مستحيل، فماذا عن المشاريع الأخرى والخربشات العامة لحسابي الخاص من أجل الحصول على دخل.

ألفت كتاباً ثانياً ذو توجه أكاديمي (مع نقطتين رأسيتين) – ولكن ليس من خلال مطبعة جامعية. بدلاً عن ذلك، قمت بجمع بعض من مقالاتي الأكثر أكاديمية ونشرت على حسابي الخاص كتاب “الرعب الخصب: سواطير، وإغتصاب/ إنتقام، ونساء في السجن، وجثث متحركة، وأشكال إستغلال أخرى ككتاب إلكتروني على موقع أمازون، بتمويل جزئي من قبل شركة باتريون Patreon.

لم تكن الكتب عن فيلم إستغلال أو نظرية الجنس، كما إتضح، الأكثر مبيعاً عبر موقع أمازون. مع ذلك، ولكوني قد نشرته على حسابي الخاص، فإنني أحصل من المبيعات وإلى حد كبير أكثر مما أحصل عليه من كتاب المرأة المعجزة. لكنني لست متأكداً بعد إذا ما كان الكتاب الجديد سيسدد تكاليف نشره. لكنني أعلم بأن كتاب المطبعة الجامعية لن يقوم بذلك.

من تجربتي، وجدت بأن الأكاديميين، والمطابع الأكاديمية، على إستعداد وتوق للعمل مع أناس يفتقرون للشهادات الرسمية. للرسوم الكاريكاتورية تاريخ من البحث المتحمس، لكن الحقيقة هي أن الإنترنت قد جعل جميع أشكال الإتصال أسهل للجميع، وفي كل مجال. يقرأ الأكاديميون المدونات، ويقرأ المدونون للأكاديميين، وكلاهما يتواجدان على وسائل التواصل الإجتماعي، في الضراء والسراء. لقد أصبح البرج العاجي أقل شبهاً بالبرج من أي وقت مضى.

لكن، وفي حين أن المطابع الجامعية قد تكون مستعدة فكرياً لفتح الأبواب أمام الحشد الذي يمتلك شهادات أقل تقديراً، فإن الواقع الإقتصادي يساهم في تأرجح تلك البوابات ليغلقها من جديد. فطالما أن المطابع الجامعية تعتمد على الرواتب الأكاديمية لتدفع للمؤلفين، سيكون من الصعب للغاية بالنسبة لغير الأكاديميين تأليف كتب علمية.

مع ذلك، فمن الواضح بأن ذلك لا يمثل القضية الأكثر إلحاحاً فيما يخص الميزانية والتي يواجهها النظام الجامعي الذي يعتمد على الأساتذة المساعدين بشكل دائم وتعصف به ديون الطلاب.

مع ذلك، فإن هذا بمثابة تذكير بأن ذلك لا يمثل بالضرورة، عندما تكون الجامعات معزولة، بادرة سوء نية من أي جانب على وجه الخصوص. لأن تلك الكتب مع النقاط الرأسية، والموضوعة في مكتباتهم، نتاج نظام إقتصادي مغلق بعينه. يتطلب توفير الفضاء على رفوف الكتب لأشخاص من خلفيات مختلفة المزيد من النوايا الحسنة. يتطلب ذلك المال – وهذا هو السبب في كون أول كتاب لي في مطبعة جامعية، وأنا فخور به، من المرجح أن يكون الأخير.

  • *نوح بيرلاتسكي، كاتب وباحث مستقل، ومؤلف كتاب “المرأة المعجزة: العبودية والنسوية في الرسوم الكاريكاتورية لمارستون وبيتر، 1941-1948.
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى