أخبار وتقارير

الشراكات الدولية: فرص وسط حقل ألغام أخلاقي

في عام 2013، افتتحت جامعة ييل معهداً للفنون الحرة في سنغافورة في شراكة مع جامعة سنغافورة الوطنية. وقد رأت جامعة ييل في الحرم الجامعي الجديد، الذي أطلقت عليه اسم كلية ييل-جامعة سنغافورة الوطنية Yale-NUS، وسيلة لتعزيز التفكير المستقل في آسيا، فيما تواصل بسط نفوذها.

لكن ومنذ اللحظة التي تم فيها الإعلان عن المشروع وجامعة ييل تتعرض لانتقادات لاذعة لقبولها القيود المفروضة على حرية تعبير الطلاب. فبسبب إصرار حكومة سنغافورة الاستبدادية، أعلنت جامعة ييل بأنه لن يُسمح للطلاب باجراء الاحتجاجات السياسية في الحرم الجامعي، ولن يسمح لهم بتشكيل فروع طلابية للأحزاب السياسية.

واتهمت هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة غير حكومية مقرها نيويورك، جامعة ييل “بخيانة روح الجامعة كمركز للنقاش المفتوح والاحتجاج من خلال التخلي عن حقوق طلابها في الحرم الجامعي الجديد الخاص بها في سنغافورة.”

تكشف هذه الحادثة قضية عالمية شائكة تتعلق بحماية القيم الأكاديمية في الشراكات الجامعية الدولية.

فهل كان العديد من طلاب جامعة ييل وأعضاء هيئة التدريس الذين احتجوا على القيود المفروضة في حرم جامعة سنغافورة يدافعون عن القيم الأكاديمية العالمية؟ أم إنهم كانوا وبشكل متغطرس يسعون لفرض المعايير الغربية على البلاد حيث يعتقد القادة بأنهم قد حققوا استقراراً شعبياً وازدهاراً من خلال الإبقاء على قيود صارمة نسبياً على الحريات الفردية؟ تحدث مثل هذه التوترات في العالم العربي في كثير من الأحيان أيضاً، حيث تحاول الحكومات بشكل عام فرض سيطرة محكمة على النقاشات السياسية وحيث تعمل بعض الجامعات الغربية بحرص على إقامة فروع جامعية أو ارتباطات أكاديمية أخرى.

وبينما تعتبر الحرية الأكاديمية قضية رئيسية في الشراكات الدولية، فإن موضوعات أخرى أكثر حساسية تلعب دوراً هي الأخرى، بما في ذلك الخسائر المحتملة للعلماء من الدول النامية لصالح البلاد الأكثر ثراءاً والتأكد من أن الجامعات في الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً لا تهيمن بشكل غير عادل على العلاقة.

بالنسبة للكثير من العلماء، يعتبر حق التعبير عن الأفكار وإجراء البحوث بحرية ومن دون تدخل من صميم القيم الأكاديمية.

غالباً ما يتطلب التمسك بهذه القيم في الشراكات الأجنبية استجابات مدروسة ومرنة، بحسب كينيث بريويت، أستاذ العلاقات العامة بجامعة كولومبيا. ففي الفترة بين عامي 2007 و2012، وبشغله لمنصب نائب الرئيس للمراكز العالمية، ساعد بريويت في تأسيس المراكز الثمانية لجامعة كولومبيا حول العالم. تعمل هذه المراكز على تعزيز تعاون الجامعة في البلدان التي يتواجدون فيها.

في مؤتمر لشبكة علماء في خطر، والذي عقد في حزيران/ يونيو في مونتريال، تحدث بريويت عن التوازن بين الدفاع عن المبادئ الأكاديمية الأساسية والانخراط في العالم الحقيقي.

النموذج التركي

تقع أحد المراكز العالمية لجامعة كولومبيا في إسطنبول بتركيا. فحتى قبل الحملة الحالية التي أعقبت الانقلاب العسكري الفاشل في تموز/ يوليو، كانت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان منخرطة في حملات فصل، وتحقيقات جنائية، وملاحقات قضائية لمئات من الأكاديميين الذين وقعوا على عريضة تدعو لوضع حد لهجمات الجيش على المناطق المدنية الكردية.

أخبر بريويت المجتمعين قائلاً “لن نتوقف عن العمل في تركيا.” وأضاف “لكننا سنحاول أن نتعاون مع الجامعات التي تدافع عن الحرية الأكاديمية والتوقف عن العمل مع تلك التي تعمل مع الحكومة” في معاقبة الأكاديميين المنشقين.

استخدمت جامعة كولومبيا براغماتية مماثلة عندما قررت فتح مركز آخر من مراكزها العالمية في منطقة الشرق الأوسط. فبعد دراسة عدة مواقع، تم اختيار عمان في الأردن، لأنها “واحدة من الأماكن القليلة في منطقة الشرق الأوسط التي لن نواجه فيها  مشكلة في جلب العلماء الإسرائيليين،” بحسب بريويت.

لكن بعض القضايا أكثر إثارة للجدل. على سبيل المثال، قال بريويت “إذا ما ذهبنا إلى بلد يمتلك فصولاً دراسية منفصلة [على أساس الجنس]، فإنني سأعتذر وأقول بأنني لن أدرس هنا.” وقد دعا أحد الأكاديميين الحاضرين ذلك بالموقف الزائف، حيث قال إن المؤسسات الغربية التي ترفض التعاون مع الجامعات التي تفصل بين الجنسين في البلدان ذات التقاليد المحافظة دينياً، عادة ما تتعاون مع الكليات المخصصة للنساء في الولايات المتحدة.

نمت الشراكات العابرة للحدود بسرعة في العقود القليلة الماضية، لكن المبادئ الأخلاقية نادرة. يقول بريويت إن جامعة كولومبيا ستعمل قريباً على إنشاء لجنة من أعضاء هيئة التدريس لتطوير السياسات والإشراف على التعاون الأجنبي في الجامعة.

وفي جميع الأحوال، يجب أن تكون ضمانات الحرية الأكاديمية واستقلال المؤسسات “جزءاً من المفاوضات في جميع الشراكات،” بحسب سيجبولت نوردا، أمين عام مرصد الماغنا كارتا (الميثاق الأعظم للحريات). ويعمل المرصد، الذي تأسس عام 1988 ومقره في بولونيا بإيطاليا، على مراقبة وتعزيز الحرية الأكاديمية. وقد وقعت أكثر من 800 جامعة من 85 دولة بيان المرصد عن “القيم الجامعية الأساسية”.

قال نوردا، الرئيس السابق لجامعة أمستردام، إن “القيم التي تبدو سهلة يمكن أن يكون التعامل معها ساخناً للغاية إذا لم نقم بمناقشتها مسبقاً.” وتشمل هذه القيم حق الكلام إذا ما بدا وكأن شريكاً ما يمارس التمييز ضد أفراد جماعات عرقية أو دينية. كما ينبغي على الشركاء أيضاً ضمان حق التساؤل أو انتقاد تعاون أحد الشركاء مع قطاع الصناعة.

يعتقد نوردا بأن هذه القضايا نادراً ما تتم مناقشتها في مفاوضات الشراكة، مع ذلك فإن هنالك بعض الأمثلة الإيجابية. ومن بين هذه الأمثلة المدينة التعليمية، وهو حرم جامعي كبير لفروع الجامعات الأجنبية في قطر، البلد الخليجي الصغير. ويرى نوردا بأن الجامعات الأميركية الستة التي أقامت فروعاً لها هناك تبدو وكأنها قد أجرت مفاوضات حول الضمانات القوية للحرية الأكاديمية، في الجامعات الخاصة بهم على الأقل.

وبينما تساور الشركاء الغربيين مخاوف بشأن التمسك بالحرية الأكاديمية، فإن الشركاء من البلدان النامية غالباً ما يشعرون بالقلق – لاسيما فيما يتعلق بهيمنة الشريك الغربي عليهم. وقد يكون هذا صحيحاً بشكل خاص عندما يكون أحد الشركاء أضعف من الناحيتين الأكاديمية والمالية. وقد قال المتحدثون في المؤتمر إن هذا يؤكد حاجة الجامعات لنهج شراكات يعاملهم باحترام وعلى قدم المساواة.

دروس مفيدة للجامعات العربية

تحمل الشراكات الدولية في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأميركا الجنوبية دروساً للجامعات العربية التي تسعى للحصول على شركاء دوليين.

تعاونت جامعة ريو غراندي دو سول الاتحادية، ولعدد من السنين، مع مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية وأماكن أخرى في برامج باللغة الإنجليزية. لكن سيمون سارمنتو من تلك الجامعة، والتي تعمل أيضاً مسؤولة في الرابطة البرازيلية للتعليم الدولي، أخبرت الحضور في المؤتمر بأن العلاقة عادة ما تسير في طريق أحادي الاتجاه.

قالت سارمنتو “في معظم الأحيان، أشعر بأننا نتواصل ليس كشركاء وإنما كأسواق.”

قال جيمس أوتينو جوي، من جامعة موي بكينيا، إن الشراكة مع الجامعات في الدول المتقدمة جلبت منافع حقيقية في مجال تدريب أعضاء هيئة التدريس وتعزيز الحكم الرشيد والمساءلة. لكن، وفي الوقت نفسه، تجلب هذه الشراكات بعض المخاطر.

كما أخبر جوي، وهو المدير المؤسس للشبكة الأفريقية لتدويل التعليم أيضاً، المؤتمرين بأن في إمكانهم فرض “مناهج مدفوعة من الخارج لا تتعامل مع الاحتياجات المحلية.”

وربما يكون الأمر أكثر سوءاً، حيث يمكن للمؤسسات الغربية، وبأحسن النوايا، تقويض المؤسسات الأفريقية بدعوة زملائهم الأفارقة بهدف الحصول على تدريب متقدم. وفي الغالب، لا يعود الباحثون الأفارقة من الشباب الواعد إلى ديارهم، مفضلين البقاء في الغرب عوضاً عن ذلك سعياً وراء فرص أكاديمية أفضل هناك.

يقول جوي إن الحالة كانت كذلك عندما أدار برنامجاً في جامعة موي قبل عقد من الزمن لتطوير القدرات البحثية في شراكة مع مؤسسات هولندية، حيث قال “انتهى المطاف بعشرين من أعضاء هيئة التدريس الـ 22 الذين تمت دعوتهم لإتمام برنامج للحصول على شهادة الدكتوراه يمتد على مدى 3 أو 4 سنوات في هولندا بتركهم لجامعة موي والعمل في الخارج.”

لكن جوي يعتقد بأن الأمور وعلى مدى العقد الماضي في تحسن. وبذلك انتقلت المؤسسات الأفريقية من التفكير في كون جميع الشراكات مع المؤسسات الغربية جيدة إلى نهج أكثر تطوراً يقومون بموجبه برصد متأن لمعرفة إذا ما كانت ستتم تلبية احتياجاتهم الخاصة أم لا.

كما أن منهج الشركاء الغربيين قد تغير أيضاً، بحسب جوي. فعوضاً عن دعوة العلماء الأفارقة فقط للدراسة المتقدمة، “فإنهم يعملون الآن على تطوير مراكز للتميز في الجامعات القوية في أفريقيا. وهذا تطور جيد للغاية،” بحسب جوي.

وأخيراً، أضاف بأن التعاون بين البلدان في الجنوب آخذ في الازدياد. حيث أن الجامعات الأفريقية تبذل شراكات مع مؤسسات أخرى في القارة، وكذلك الحال في البرازيل وغيرها.

مؤخراً، أعلنت الصين عن زيادة كبيرة في التعاون التعليمي مع أفريقيا، بما في ذلك الآلاف من المنح الدراسية للدراسة في الجامعات الصينية، حيث من الممكن أن تكون قضايا القيود على الحرية الأكاديمية بالكاد مشكلة تؤرقهم للتعامل معها.

أما بالنسبة للتخمين التقليدي الخاص بالشراكات الدولية – في البحوث، وتبادل أعضاء هيئة التدريس، والدراسة في الخارج – فإن نقطة خلافية أخرى تظهر على السطح – ألا وهي الأخلاقيات.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى