أخبار وتقارير

صعوبات عديدة تعترض تمويل الباحثين الشباب في العالم العربي

ما أن تسأل الباحثين من مختلف أنحاء العالم العربي عما يعيقهم، حتى يشكو معظمهم من ندرة مصادر التمويل الثابت.

وبالرغم أن بناء مرافق بحثية رائعة وباهظة الثمن في بعض أجزاء منطقة الخليج أسهل من أي مكان آخر في المنطقة، إلا أن الشكوى شائعة. إذ يجد المسؤولون عن البحوث تحديات في مسألة العثور على المال اللازم لتشغيل المختبرات ودفع أجور الناس الذين يرغبون في العمل فيها. ينطبق ذات الشيء على علماء الإجتماع الذين يعملون في هذا المجال – حيث أن توفير التمويل طويل الأمد أمر يصعب الحصول عليه.

ليس العالم العربي وحيداً في ذلك. فحتى في الولايات المتحدة الأميركية التي يتقدم فيها دعم البحث والتطوير عن بقية العالم، يقول الأكاديميون إن تمويل أبحاثهم ليس بالأمر اليسير – ولاسيما عندما يكونون من الشباب. إذ انخفضت نسبة نجاح الباحثين – الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ممن يتقدمون بطلب الحصول على منح من معاهد الصحة الوطنية – من 46.1 في المئة عام 1980 إلى 19.2 في المئة عام 2014، بحسب دراسة جديدة نشرت في مجلة الخلايا الجذعية Cell Stem Cell. وفي حين أن الباحثين الأكبر سناً يشهدون هبوطاً في معدلات النجاح، إلا أن الأصغر سناً منهم يبدون أكثر إحباطاً – لدرجة أنهم قد لا يكلفون أنفسهم عناء التقدم لطلب الحصول على المنح.

قالت ميستي هيغينيس، مؤلفة الدراسة والخبيرة الاقتصادية في مكتب تعداد السكان في الولايات المتحدة، “لا يتقدم الأشخاص الأصغر سناً بالقدر الذي اعتادوا عليه في السابق.”

وتعتقد هيغينيس أن هنالك ثمة دروس يمكن للعالم العربي الإستفادة منها في دراستها. قالت “لدينا حلقة مفرغة من الإرتفاعات والانخفاضات في التمويل.”

ازدادت ميزانية معاهد الصحة الوطنية بأكثر من الضعف بين عامي 1998 و2005. لكن التمويل انخفض  منذ ذلك الحين – بنسبة تصل إلى 12.1 في المئة بين عامي 2010 و2013. هناك الآن فائض من الباحثين الشباب في الولايات المتحدة وهذا هو السبب المحتمل الذي أدى لزيادة التمويل قبل عشر سنوات، بحسب هيغينيس. حيث شجعت وفرة الدعم المقدم للبحوث الطبية الحيوية طلاب الجامعات على دراسة العلوم.

لكن، ما أن انتهى أولئك الطلاب من الدراسة للحصول على شهادة الدكتوراه وخوض تدريب ما بعد الدكتوراه، حتى انخفض التمويل. وعوضاً من البقاء في المجال الأكاديمي، انتقل بعض أولئك الباحثين الشباب إلى القطاع الخاص فيما تباطأ آخرون في مرحلة ما بعد الدكتوراه على أمل أن يفتتح أمامهم مجال التثبيت في المنصب في نهاية المطاف، بحسب هينيغيس.

في الأساس، يتقدم عدد أقل من الباحثين الشباب لطلب الحصول على المنح لأنهم يعرفون بأنهم سيواجهون منافسة أكبر مع أقرانهم.

قالت هينيغيس “يمكنك القول بأن ما تحتاج إليه هو تمويل تدريجي بطيء. إن أفضل وسيلة لتحقيق العلوم هي إيجاد طريقة مسؤولة للحصول على تمويل ثابت بدلاً من التقلبات. ومن شأن هذا أن يكون أحد الدروس التي يمكن للعالم العربي أخذها من الولايات المتحدة.”

لكن الخبراء في المنطقة لا يتفقون مع ذلك بشكل تام. إذ يقولون إن التمويل في المنطقة منخفض جداً والحاجة للتمويل مسألة بالغة الأهمية لدرجة أنهم لا يشعرون بالقلق حيال مشكلة التذبذب التي تواجهها أميركا.

قال محمد حراجلي، العميد في الجامعة الأميركية في بيروت، “إن دعمنا للبحوث لا يعد شيئاً بالمقارنة مع الولايات المتحدة. ولا تهمنا كثيراً مسألة الصعود والهبوط لأنه ليس هنالك شيء حقاً هنا في العالم العربي لنبدأ به.”

بدوره، قال بيار زلوعة، عميد الدراسات العليا والبحوث في الجامعة اللبنانية الأميركية إن التعديلات الإضافية ستكون بطيئة جداً، “أعتقد حقاً بأن من الواجب علينا زيادة المبالغ بشكل جاد، لكن نعم، لا يتوجب علينا التذبذب صعوداً وهبوطاً.”

إذا ما كان الحصول على المال لأغراض البحث العلمي صعباً، فإنه يشكل تحدياً أكبر بالنسبة للعلوم الاجتماعية والإنسانية.

يوضح حراجلي “إن تمويل أبحاث في الهندسة أو العلوم أسهل من الحصول على تمويل للعلوم الاجتماعية والإنسانية، الأمر على هذا النحو حتى في الجامعة الأميركية في بيروت.” لكنه أضاف بأن الجامعة تحاول عكس الإجحاف  السابق حيال البحوث في العلوم الاجتماعية والإنسانية. حيث قال حراجلي إنه إذا ما كان عليه أن يقرر المفاضلة بين إثنين من طلبات المنح المثيرة للإعجاب بقدر متساو، إحداها في مجال العلوم الإنسانية والأخرى في مجال العلوم، فإنه من المرجح أن يختار المقترح في مجال الإنسانيات لأنه يعلم بأنه سيكون من الصعب على الباحث الحصول على تمويل خارجي.

منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، تسعى الجامعة الأميركية في بيروت لإحداث تغيير إستراتيجي في تركيزها من التدريس إلى مجال الأبحاث على الرغم من صعوبة الحصول على دعم دولي لهذا البحث. قال حراجلي، “اليوم، نحن نعتبر أنفسنا مؤسسة بحثية بنسبة 45 في المئة وتدريسية بنسبة 55 في المئة، ولا نزال نسعى للمضي إلى ما هو أبعد من ذلك.”

ومن بين أساليب الجامعة للتعامل مع الميزانية المنخفضة لتمويل الأبحاث مراجعة مسألة التثبيت في العمل، والتي توقفت أثناء الحرب الأهلية في لبنان. ويأمل حراجلي في أن يحفز ذلك المزيد من أساتذة الجامعات لإجراء البحوث، حيث قال “يوفر التثبيت أمناً وظيفياً وسيتوجب على أعضاء هيئة التدريس إجراء البحوث بهدف التثبيت. سيكون على أعضاء هيئة التدريس نشر البحوث أو الفناء.”

كما تنفق الجامعة أيضاً نسبة كبيرة من ميزانيتها الداخلية على البحوث. حيث قال حراجلي إن الجامعة قد أنفقت العام الماضي 1.2 مليون دولار أميركي على الأبحاث – أي بارتفاع قدره 20 في المئة عن العام السابق. وهو يأمل في أن يرى زيادة بنسبة 20 في المئة أخرى في مثل هذا الوقت العام القادم.

تم إنفاق بعض هذا المال على برنامج جديد يقدم منحاً بحدود 40,000 دولار أميركي للباحثين من مختلف المجالات ممّن يرغبون في العمل مع باحثين من تخصصات أخرى. قال حراجلي “التفضيل في هذا من نصيب أعضاء هيئة التدريس الأصغر سناً لأن الباحثين الشباب هم الأكثر ترجيحاً أيضاً للإنخراط في بحوث متعددة التخصصات.”

في الوقت نفسه، تمتلك الجامعة اللبنانية الأميركية برنامجاً مماثلاً يتم فيه تفضيل تقديم المنح من ميزانية البحوث الداخلية للباحثين في المراحل المبكرة من حياتهم المهنية. حيث قدم زلوعة عشرة منح بقيمة 20,000 دولار أميركي لمشاريع بحثية في الجامعة – ومضت جميعها لأستاذة مساعدين أو مشاركين. قال زلوعة “نحن نقوم بدورنا. لطالما قلت بأننا بحاجة للحصول على المزيد من التمويل الخارجي. وحتى نتمكن من بناء ثقافة التبرعات الخيرية، لن يكون في إمكاننا المنافسة.”

يرغب زلوعة في رؤية نسخة عربية من معاهد الصحة الوطنية أو مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، حيث تساهم العديد من الحكومات العربية في إيجاد وكالة تمول مشاريع البحوث في جميع أنحاء المنطقة. لكنه يعترف بأنه من غير المرجح أن يثمر ذلك في القريب العاجل، لكنه يقول “نحن بحاجة لأن نبدأ من مكان ما لنحصل على مصدر ثابت للدخل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى