أخبار وتقارير

أكاديميون أتراك يواجهون عقوبات قاسية بسبب الانقلاب الفاشل

تواجه الجامعات التركية المتعثرة بالأصل عواقب الانقلاب العسكري الفاشل الآن. فبعد أيام فقط من محاولة جزء من الجيش التركي الإطاحة بحكومة رجب طيب أردوغان، دعت السلطات 1.577 من عمداء الكليات في البلاد للاستقالة وأصدرت حظراً على سفر الأساتذة، داعية من هم في الخارج منهم إلى العودة إلى البلاد فوراً.

قال روبرت كوين، المدير التنفيذي لمنظمة علماء في خطر، الشبكة الدولية المتخصصة بدعم الحرية الأكاديمية، “تهدد الحملة على الجامعات بتقويض استثمار تركيا في مستقبل قطاع التعليم العالي.”

يتشارك الأكاديميون الأتراك هذا القلق أيضاً، على الرغم من تردد الكثيرين منهم عن الحديث. إذ كتب أستاذ في إحدى الجامعات التركية، والذي طالب بعدم الكشف عن هويته، للفنار للإعلام بأن الجو في مؤسسته كان “فوضوياً” وأن كل الأجازات الصيفية قد ألغيت. وتوجب على كل الزملاء الذين كانوا يخططون لحضور مؤتمرات دولية التراجع عن ذلك. وأضاف بأنه، “على الرغم من كل الضغوط السياسية على الأوساط الأكاديمية في تركيا، فإن الجامعات التركية تصير أكثر دولية على نحو متزايد. هنالك الكثير من برامج التبادل مع أوروبا، وأميركا الشمالية، واليابان، وجنوب شرق آسيا. كما أن بعضاً من جامعاتنا نجحت بانتظام في دخول قائمة أفضل 500 جامعة وثلاث منها من بين أفضل 200 جامعة. وهنالك جيل رائع من الشباب الحريص على الحصول على شهادة جامعية. ولكن أكثر ما يقلقني هو الطريقة التي يقوض بها إنعدام الأمن السياسي والمحسوبية جودة البحوث والتعليم.”

تعتبر الإقالات وحظر السفر على الأكاديميين أحد التدابير الانتقامية التي تم إتخاذها في الحملة الشاملة التي أعقبت الانقلاب والتي تهدف “لتطهير” المؤسسات العامة من المتآمرين المزعومين. ركزت الحملة على الجيش، والمدارس، والقضاء – وتشير التقارير إلى أن ما يقرب من 50.000 شخص قد تم طردهم أو إحتجازهم. وأعلنت البلاد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وعلقت التزامها بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وأثارت الإجراءات الحكومية التي اتخذت ضد الأكاديميين إدانة دولية واسعة النطاق. “تخلق الحملة على قطاع التعليم مظهر تطهير من أولئك الذين يعتبرون غير موالين بشكل كاف للحكومة الحالية” كما جاء في بيان وقعه 10 على الأقل من المنظمات العلمية، بما في ذلك جمعية دراسات الشرق الأوسط.

قال جوشوا هندريك، أستاذ علم الاجتماع بجامعة لويولا، والذي يدرس تركيا، أنه ليس من المستغرب استهداف الجامعات. حيث يدعي أردوغان وحكومته بأن حركة غولين – الحركة الإسلامية التي يتزعمها رجل الدين التركي فتح الله غولين والمقيم في الولايات المتحدة الأميركية – وراء الانقلاب.

تنشط جماعة غولين منذ أكثر من 40 عاماً، وليس الأمر سراً لأنها ممثلة تمثيلاً جيداً في العديد من مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجامعات، بحسب هندريك الذي قال أن “التجنيد الأساسي لحركة غولين كان يستهدف طلاب الجامعات.”

وكانت حركة غولين فيما مضى أحد حلفاء أردوغان الرئيسيين. لكن، في السنوات الأخيرة حصل نزاع دراماتيكي بينهما، على إثر إتهام أردوغان زملاءه الإسلاميين بإدارة دولة موازية ومحاولة الإطاحة به. فخلال العام الماضي، تم وضع الشركات والجامعات المملوكة لغولين تحت وصاية الدولة. وفي أيار/ مايو 2016، اعتبر مسؤولون أتراك الجماعة منظمة إرهابية.

قال رجب شنتورك، مدير معهد تحالف الحضارات في جامعة السلطان محمد الفاتح بإسطنبول، والمؤيد للرئيس أردوغان، إن أولئك الذين شاركوا في الانقلاب يجب أن يعاقبوا. لكنه قال أنه، بالرغم من أنه قد طُلب من العمداء تقديم استقالاتهم، فإن معظمهم لا يزالون في وظائفهم.

وتساءل شنتورك “ما الذي سيحدث إذن؟ هل سيتم قبول استقالة أولئك الأعضاء في جماعة فتح الله الإرهابية، في حين يبقى أولئك الذين لم يشاركوا في أي شيء في مناصبهم.”

تحتفظ الشرطة منذ وقت طويل بأسماء الأكاديميين المتربطين بغولين فقد تم تحديدهم على مر السنين، بحسب شنتورك، الذي قال “الأعضاء في هذه القوائم الآن في يد الحكومة. وسوف يحيلونهم إلى المحاكم، وكل شيء يجري وفق الأطر القانونية.”

لكن، وفي بيانٍ صدر عنها يوم 19 تموز/ يوليو، قالت شبكة علماء في خطر إن “حجم وسرعة هذه الإجراءات [ضد الأكاديميين] تكذب أية إجراءات قانونية أو استجابة قائمة على الأدلة رداً على المحاولة الانقلابية في 15 تموز/ يوليو.” ونفى فتح الله غولين، من جانبه، أي تورط في الانقلاب. وإذا ما ثبت تورط حركة غولين، فإن ذلك سيقوض السجل العام للجماعة في تبنيها لقيم مثل الاعتدال، والحوار، والخدمات، والتعليم.

تتمثل الطريقة الوحيدة لمعرفة الحقيقة بقيام الدولة بإجراء “تحقيق جنائي شفاف”، بحسب هندريك. ويدرس هندريك الطرق التي يتم بها تعريف الهوية الوطنية في تركيا ويخشى في أن تؤدي حالة عدم الاستقرار الحالية لأن تصبح “أكثر تآمرية وغير آمنة بشكل أكبر.”

وبينما يمتلك الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم “حزب العدالة والتنمية” قاعدة دعم صلبة، إلا أنه أصبح إستبدادياً بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، من خلال مضايقة وسائل الإعلام، ومقاضاة وسجن الصحفيين، واستخدام اللغة التحريضية لوصف النقاد والمحتجين بأنهم خونة وعملاء لقوى أجنبية. كما إنه يضغط من أجل إصلاح دستوري من شأنه أن يوسع من سلطاته كرئيس للبلاد. كما أنه صعد الصراع مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي بدلاً من التهدئة.

في وقت سابق من هذا العام، ثارت حفيظة الدولة عندما وقع أكثر من 2,000 أكاديمي تركي عريضة تدين العمليات الأمنية ضد المقاتلين الأكراد في جنوب شرق تركيا بسبب تأثيرها على السكان المدنيين من الأكراد. وتم تقديم ثلاثة أساتذة للمحاكمة بتهمة “الترويج لدعاية إرهابية” وطرد المئات غيرهم من مناصبهم أو استجوابهم من قبل إدارة الجامعة.

وتم فصل خليل إبراهيم ينيغون، أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة إسطنبول للتجارة، إثر توقيعه العريضة. وهو الآن مدافع عن حقوق الإنسان وزميل أبحاث في مركز إسطنبول للسياسات بجامعة سابانجي. يقول ينيغون إنه وعلى الرغم من كون هدف حملة التطهير الحالية أتباع غولين، إلا أن الأكاديميين المدافعين عن حقوق الإنسان قد تم توريطهم فيها أيضاً.

وقد سارعت الأحزاب السياسية في تركيا – بما في ذلك تلك الأحزاب المعارضة لحزب العدالة والتنمية – والمجتمع المدني ووسائل الإعلام لإدانة الانقلاب.

قال كوين “نأمل في أن يدرك المسؤولون بأن قدرة المجتمع المدني هي التي ساعدت في مقاومة الانقلاب، وأن الجامعات هي مفتاح تغذية ذلك الصمود.” وأضاف بأن من الضروري إدراك “الفارق بين الخطاب الناقد وعدم الولاء – وإذا ما كنت تساوي بين الأمرين فإنك تسعى إذن لإنهاء الديموقراطية.”

مع ذلك، فإن الأكاديميين في تركيا في هذه اللحظة قلقون وخائفون من التحدث. وبعضهم قلق من كون إتصالاتهم الهاتفية والبريد الإلكتروني الخاص بهم تحت المراقبة. وبدلاً من أن يكون في إمكانهم المساهمة في نقاشات عامة أو علمية في وقت هذه الأزمة التاريخية، فقد تم ترهيبهم بهدف التزام الصمت.

حيث كتب الأستاذ الذي طلب عدم الكشف عن هويته، “إن السبب الرسمي لعمليات التطهير، بالتأكيد، يهدف لإيقاف الأكاديميين والعمداء المؤيدين لغولين. لكن أن تطلب من كل عمداء تركيا الاستقالة هو أمر مبالغ فيه – وقد يشير لتخطيط الحكومة الأوسع لتعيين المتعاطفين معها. لا تزال الجامعة معقلاً للفكر النقدي، على الرغم من التاريخ الطويل لمقاضاة الأساتذة الذين يرفضون الإمتثال لمحرمات المؤسسة في تركيا. تهدف عمليات التطهير لإسكات وقمع الأكاديميين والمؤسسات غير الممتثلة.”

* ساهم مراسل الفنار للإعلام في تركيا بإعداد هذا المقال.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى