مقالات رأي

كيف يمكن للاجئين تعزيز الاقتصاد

يتلقى اللاجئون حول العام، فضلاً عن إعتبارهم تهديدات أمنية، اللوم على إضعاف الموارد العامة وسرقة الوظائف. لكن بعض الاقتصاديين الآن يقلبون تلك الافتراضات رأساً على عقب. إذ لا يعتبر ترك اللاجئين ليموتوا في البحر أو أن يقبعوا في مخيمات أمراً مشجوباً أخلاقياً فحسب، ولكنه أيضاً  ليس في مصلحة أحد اقتصادياً، طبقاً للنقاش.

وتعتبر الدول العربية في طليعة النقاش حول أفضل السبل للتعامل مع تدفق اللاجئين.

قال ستيفان ديركون، كبير الاقتصاديين في وزارة التنمية الدولية البريطانية، “في الواقع، يجري الأردن ولبنان اختباراً للحالات على المستوى الدولي لمعرفة إذا ما كان في إمكاننا القيام بذلك بشكل أفضل مما قمنا به في الماضي.”، جاء كلام ديركون في ندوة عقدت في حزيران/ يونيو بعنوان “نحو مستقبل أفضل لسوريا ولبنان” باستضافة معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت.

يشكل السوريون أكبر مجموعة منفردة بين مجموع اللاجئين في العالم والذين يقدر عددهم بـ 22 مليون لاجئ. وعلى الرغم من أن الرأي العام الغربي بدأ يركز على أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، عندما بدأت أعداد قياسية منهم في الوصول إلى أوروبا، فإن اللاجئين السوريين قد فروا بالفعل قبل ذلك بالملايين إلى بلدان أخرى في المنطقة. حيث إن واحد من كل 30 شخص في تركيا هو لاجيء سوري، وواحد من كل عشرة أشخاص في الأردن، وواحد من كل أربعة أشخاص في لبنان.

ينبغي على البلدان المضيفة تقبل فكرة أن اللاجئين سيبقون هناك لسنوات عديدة، كما يقول ديركون حيث أن  “النموذج الإنساني التقليدي لم يعد صالحاً للعمل بعد الآن.” فتوفير المساعدات الأساسية للاجئين في الوقت الذي لا يسمح لهم بالاندماج والعمل، يغذي الإحباط في صفوف اللاجئين والاستياء من جانب المجتمعات المحلية المحيطة والتي غالباً ما تكون بالكاد أفضل منهم حالاً، بحسب ديركون.

عوضاً عن ذلك، يدعو ديركون إلى فتح سوق العمل أمام السوريين مع توفير المزيد من فرص التعليم وريادة المشاريع للجميع. ويواصل القول بأن ذلك سيكون من مصلحة لبنان أيضاً. حيث يمكن للبنان أن يستفيد من العمال السوريين المهرة وغير المهرة، كما يقول. ويمكن له الاستفادة من الشركات السورية الساعية للانتقال وكسب التأييد الدولي لدعم الاقتصاد اللبناني والبنية التحتية الاجتماعية. يتعين على الساسة اللبنانيين إيجاد حوافز للاستثمار في القطاعات ذات العمالة الكثيفة والنظر “لوضع اللاجئين على أنه فرصة لتعزيز إعادة تشغيل الاقتصاد، وخلق فرص عمل للسوريين واللبنانيين على حد سواء.”

وبالمثل، يقول ديركون إن منظمات الإغاثة الدولية تحتاج لتوسيع نطاق تركيزها إلى أبعد من اللاجئين لتشمل المجتمعات التي يعيشون فيها.

ربما تكون الحكومات العربية متشككة حيال الخبراء الغربيين الذين يقولون بأن عليهم استيعاب ملايين اللاجئين السوريين في اقتصادات تعاني أصلاً من ارتفاع معدلات البطالة. مع ذلك، فإن نصائح مماثلة يجري تقديمها للدول الأوروبية.

ويشير تقرير جديد، يصف نفسه بأنه “أول دراسة دولية شاملة للسبل التي يمكن للاجئين من خلالها المساهمة في الاقتصادات المتقدمة”، إلى أن “اعتبار اللاجئين عبء اقتصادي هو فكرة خاطئة.”

كما نشرت منظمة تينت Tent Foundation، وهي منظمة أمريكية غير ربحية تكرس عملها لمساعدة النازحين، تقريراً بعنوان “عمل اللاجئين: استثمار إنساني يحقق مكاسب اقتصادية.”

يقول المؤلف الرئيسي للتقرير، الخبير الاقتصادي فيليب ليغرين، إن اللاجئين غير المهرة يتقاضون الرواتب الأكثر تواضعاً ويقبلون بالوظائف الأقل طلباً. كما يساهم اللاجئون المهرة، كما يقول، في إثراء الاقتصاد بقدراتهم وابتكاراتهم. ويمكن لهم أيضاً مساعدة بلدانهم من خلال الأموال التي يرسلونها إلى الوطن.

ويستند التقرير إلى إحصائيات صندوق النقد الدولي ويستشهد بدراسات مختلفة عن الأثر الاقتصادي للاجئين نشرت من قبل أكاديميين من جميع أنحاء العالم. ووفقاً لحسابات التقرير فإن “في إمكان استثمار يورو واحد لمساعدة اللاجئين أن يحقق 2 يورو كمنافع اقتصادية في غضون خمس سنوات.” ويشير التقرير إلى أن العديد من مجتمعات اللاجئين تندمج بشكل جيد في الغرب، وأن لديهم معدلات بطالة أقل من المواطنين المولودين هناك. حيث يكلف “إعداد طبيب لاجئ لممارسة المهنة في المملكة المتحدة 35.750 دولار أميركي فقط مقابل أكثر من 357.500 دولار أميركي لإعداد طبيب بريطاني جديد.”

ووفقاً لحسابات ستيفان ديركون فإن نصف المواطنين الأكثر تعليماً في سوريا قد فروا من البلاد. ومن المرجح جداً ألا يعود أولئك الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا إلى سوريا أبداً، بحسب ديكرون. ويمثل أولئك الذين استقروا في البلدان المجاورة أفضل فرصة  لإعادة بناء سوريا في نهاية المطاف.

قال يانيك دو بونت، مدير سبارك SPARK، وهي منظمة غير حكومية مقرها أمستردام تقوم بتمويل برامج تعليمية للاجئين السوريين، إن منظمته قررت “توجيه كل شيء نحو إعادة بناء المستقبل.” وتمول سبارك منحاً دراسية في مجالات من قبيل البناء، والهندسة، وبرمجة الكومبيوتر، والزراعة، والصحة، والتعليم. وتسعى المنظمة أيضاً لتدريب فنيي الكهرباء “كهربائيين”، والسباكين، وفنيين آخرين. وهذه هي المجالات التي يمكن أن “تتواجد فيها فرص للعثور على وظيفة بنسبة 90 في المئة ما أن يعم السلام،” بحسب دو بونت. كما إنها في العموم مجالات تتوافر على فرص عمل في البلدان التي يتواجد فيها اللاجئون في الوقت الراهن.

ففي لبنان، البلد الذي يمتلك دولة ضعيفة، وتوازناً طائفياً هشاً، وتاريخاً من حرب أهلية، فإن هنالك تردد سياسي كبير في الإعتراف بأن المليون سوري المتواجدين هناك هم الآن وبشكل شبه دائم جزء من المعادلة الاقتصادية.

يقول دو بونت، “إنهم هناك الآن، فكيف ستقوم بالتعامل معهم؟ لا يمكنكم إعادتهم عبر الحدود. فما هي الخطوة التالية إذن؟ هكذا يقول المنطق من الناحية الاقتصادية، وأيضاً من الناحية الأمنية. حيث تملي المواقف الواقعية الخيارات التي يمتلكها السياسيون والمجتمعات. عليك أن تسعى لتحقيق الأفضل من خلال الوضع الرهيب الذي يتواجد الجميع فيه.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى