أخبار وتقارير

بحث مصري لمحاربة سرطان الكبد

غالباً ما يواجه العلماء صعوبة في التحدث عن عملهم بشكل واضح. حيث يقعون فريسة للغتهم الاصطلاحية الخاصة بهم ويعانون في سبيل التواصل مع غير الخبراء. لكن لبنى مراد، طالبة الدكتوراه الطموحة والذكية في الجامعة الأميركية في القاهرة، توضح بحثها بلغة واضحة وبكثير من الحماسة.

في واقع الأمر، لقد حصلت مراد مؤخراً على جائزة بسبب ذلك.

ففي آذار/ مارس، فازت مراد بمسابقة أطروحة في ثلاث دقائق في جامعتها حيث طلب من طلاب الدكتوراه شرح أبحاثهم وأهميتها للجنة من المحكمين في أقل من ثلاث دقائق. تم تطوير هذه المسابقة من نمط العرض السريع Elevator Pitch أصلاً في جامعة كوينزلاند عام 2008، لكنها تشعبت لتصل إلى 18 بلداً مختلفاً و170 جامعة.

وقد جاء إنتصارها بسبب كفاءتها في شرح الكيفية التي تأمل من خلالها بمعالجة مشكلة إرتفاع معدلات الإصابة بسرطان الكبد في مصر – وبشكل أكثر أهمية، بسبب قدرتها على جذب إهتمام الحضور في القاعة أثناء قيامها بذلك.

يعتبر الطب المشخصن – حيث تكون الأدوية، ووسائل التشخيص، والعلاجات مصممة لمجموعات معينة من الناس – من المفاهيم الآخذة في الإرتفاع في الغرب. لكن من غير المحتمل أن تستثمر شركات الأدوية الأوروبية والأميركية في مثل هذه المساعي ولا سيما بالنسبة للسكان العرب. تعتبر جهود من قبيل هذه التي تقوم بها مراد خطوة هامة في جلب أحدث المفاهيم التي تركز عليها الأبحاث الطبية إلى المنطقة العربية.

قالت إيمان الأهواني، المشرفة على أطروحة دكتوراه مراد، “إنها مقدمة ممتازة. إنها تعرف كيف تقدم بياناتها بوضوح وجعل الآخرين قادرين على فهم أهمية عملها.”

لا تلجأ مراد للتعقيدات لكي تبدو ذكية. كما أنها كثيراً ما تتحقق من كون الجمهور يتابع ما تقوله، لكن من دون أن تبدو متسلطة عليهم. حيث يعتقد الأشخاص الذين تتحدث إليهم بأنها ترغب حقاً في جعلهم يفهمون طبيعة عملها.

قالت مراد “لطالما أحببت العلم والأحياء. ولطالما رغبت بدراسة السرطانات. إنه مرض ذكي – من حيث الكيفية التي يتمكن فيها من التلاعب في جميع آليات الجسم وتسخيرها لصالحه.”

تسعى مراد لإيجاد وسيلة لتشخيص سرطان الكبد من دون اللجوء للجراحة. فحتى هذه اللحظة، فإن اكتشاف إذا ما كان المريض يعاني من هذا المرض يحتاج في العادة لإرسال عينات من الورم إلى المختبر. ولا ينطوي هذا على بعض الإجراءات الجراحية البسيطة فحسب، لكنه يعني أيضاً ترك الورم لينمو إلى حجم كبير يكون كافياً للقيام بأخذ عينة.

قالت مراد “عادة ما يتم تشخيصه بعد فوات الأوان تقريباً. يعتبر ذلك صراعاً، وألماً، ويعرض المريض للخطر. أما فكرتي فهي: لم لا نقوم باختباره قبل أن ينمو الورم ليكون كبيراً بشكل كاف لأخذ عينة من النسيج.”

أصبحت مراد مهتمة بسرطان الكبد بسبب كون معدلات الإصابة بالمرض في مصر مرتفعة بشكل مثير للقلق. حيث تقدر منظمة الصحة العالمية بأن المرض يقتل أكثر من 16.000 مصري كل عام، لتحتل مصر بذلك المرتبة الرابعة في العالم في قائمة أعلى معدلات الإصابة بسرطان الكبد.

وكثير من هذه الحالات ناجمة عن ارتفاع معدلات التهاب الكبد الوبائي نوع سي في مصر. يقول هينك بيكيدام، ممثل منظمة الصحة العالمية في القاهرة، إن التهاب الكبد الفيروسي قد مسّ تقريباً كل عائلة في مصر. وتقول الإحصاءات الرسمية إن واحداً على الأقل من كل 10 مصريين ممن تراوح أعمارهم بين الـ 15 والـ 59 عاماً مصاب بهذا الفيروس.

قالت مراد “رغبت حقاً بالقيام بشيء يتعلق بمصر لأننا نمتلك واحدة من أعلى معدلات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي في العالم، وتتطور العدوى إلى سرطان في كثير من الحالات. عندما علمت بهذه المشكلة، عرفت بأنه شيء علي أن أنخرط فيه.”

وعلى عكس بعض الطلاب الآخرين في مرحلة الدكتوراه، فإن مراد تستمتع بحياتها خارج المختبر، بحسب الأهواني، حيث قالت “غالباً ما ينسى طلاب الدكتوراه أي شيء آخر في الحياة فيما عدا الأبحاث، لكن لبنى إجتماعية. فهي مدربة لرقصات الزومبا في الجامعة الأميركية في القاهرة، كما إنها تعمل بصفة مساعد مدرس.”

في العادة، لا تتواجد السلالة المصرية من فيروس التهاب الكبد نوع C في أي مكان آخر في العالم، وهو ما يجعل المسألة ظاهرة مصرية إلى حد ما.

قالت مراد “هذا هو السبب الذي رغبت من أجله في التركيز على المرضى المصريين الذين أصيبوا بسرطان الكبد كنتيجة للإصابة بالفيروس. وهذا هو ما يجعل دراستي متميزة.”

تتفق الأهواني حول أهمية دراسة المصريين على وجه الخصوص. وتتأثر الأمراض السرطانية، مثل العديد من الأمراض الأخرى، بشكل كبير بالنمط الجيني للسكان. تتم معظم الأبحاث الطبية في العالم في الغرب، وهذا ما يعني بأن أية أدوية تنتج عن تلك التجارب مصممة وفقاً للأنماط الوراثية الأوروبية والأميركية.

لا يعني هذا بأن الأدوية غير فعالة بالنسبة للسكان في أجزاء أخرى من العالم مثل الشرق الأوسط، لكنه يعني بأنها قد لا تكون ناجحة بالقدر الذي يمكن أن تكون عليه.

قالت الأهواني “في مصر، لدينا نمطنا الجيني الخاص بنا، ولذلك، فمن المهم بالنسبة للمصريين إيجادة أداة تشخيصية جديدة.”

في كل خلية بشرية توجد جزيئات تدعى الحمض النووي الريبوزي الميكروي microRNA، وهي قطع صغيرة جداً من المادة الوراثية المستخدمة لتحويل بعض الجينات أو إيقاف عملها. وقد اكتشف الباحثون بأن هذه الجزيئات معبر عنها بشكل مختلف في مرضى السرطان مقارنة بوضعها في الأفراد الطبيعيين – حيث تكون مستوياتها أعلى أو أقل إعتماداً على الحمض النووي الريبوزي الميكروي الخاص.

تجري مراد الآن اختبارات لقياس مستويات الحمض النووي الريبوزي الميكروي لدى مرضى سرطان الكبد. وتحتاج لقياس تركيز الحمض النووي الريبوزي الميكروي الذي قد يدل على وجود سرطان الكبد. ومن شأن هذا أن يسمح لها بانشاء اختبار دم للكشف عن السرطان في المراحل المبكرة من المرض.

قالت مراد “إذا ما كنت تجري إختباراً لمرض السكري، فإن لدينة عتبة لنسبة الجلوكوز والتي بتجاوزها يعتبر الشخص مصاباً بالسكري. وهذا ما أسعى لتحقيقه مع سرطان الكبد.” وقد يستغرق الوصول لهذا الهدف بعض الوقت لأن مراد لا تزال متخندقة في التجارب المختبرية المبكرة خطوة بخطوة. أضافت مراد “يتعلق كل شيء بتوليد البيانات وتحليلها في الوقت الراهن.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى