مقالات رأي

توقفوا عن إرسال المزيد من الشباب إلى الجامعة!

يشكل وباء البطالة في الشرق الأوسط قلب ثلاث مشكلات أمنية مستمرة: تعرقل الربيع العربي، والجاذبية الصاعدة للتطرف على طراز داعش، وأزمة الهجرة الأوروبية.

لذا فقد حدد صناع السياسات كون التعليم جزءاً هاماً من الحل. مع ذلك، فإن النموذج التعليمي الراهن – والقائم على الإفتراض الخاطئ بوجود علاقة خطية بين عدد حملة الشهادات الجامعية والنمو الإقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، والإستقرار السياسي – يساهم في جعل المشاكل أكثر سوءاً فحسب.

وعوضاً عن ذلك، ينبغي على واضعي السياسات التعليمية تخصيص المزيد من الموارد للتعليم المهني، مع تركيز حاد على مواءمة التعليم مع احتياجات السوق المحددة في اقتصاد العولمة لعام 2016 وما بعده. ويتيح هذا الفرصة الوحيدة لإحداث أي تغيير في مشكلة البطالة.

وفي جميع أنحاء المنطقة، تستجيب البلدان لمشكلة “التضخم الشبابي” التي يستشهد بها كثيراً بزيادات غير مسبوقة في الإنفاق على التعليم. ففي غضون 15 عاماً فقط، ضاعفت الجزائر عدد الطلاب في جامعاتها الـ102 ثلاث أضعاف. فيما ترسل المملكة العربية السعودية نسبة عالية بشكل يثير الإستغراب تقدر بـ 78 في المئة من طلاب المدارس الثانوية إلى الكليات – وهي النسبة الأعلى مقارنة بأي بلد آخر في العالم. وحتى في ظل أفضل الظروف، لن يجد جزء كبير من حملة تلك الشهادات وظيفة تناسب دراستهم. ففي نهاية المطاف، لا يحتاج الإقتصاد للكثير من المحاسبين والمحامين والمهندسين فقط.

الإقتصاد الرقمي ليس الحل

من بين دوافع صناع السياسات التعليمية في الشرق الأوسط الرهان على ما يسمى بالإقتصاد الرقمي. ويوضح إستعراض أورسولا ليندسي لأحد المؤتمرات التعليمية التي حضرتها مؤخراً في الجزائر العقبات التي تواجه هذه الفكرة:

إن كل الحديث عن خلق الخريجين لفرص العمل الخاصة بهم وأن يصبحوا رؤساء عملهم الخاص يبدو وكأنه ضرب من التخلي عن المسؤولية من جانب المربين والسياسيين (وليس في العالم العربي فحسب) الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع إنعدام الأمن الاقتصادي الناجم عن العولمة والأزمة المالية الأخيرة. لا يستطيع الجميع إختراع تطبيق، ولا تستطيع التطبيقات خلق عدد كبير من الوظائف. فهل يعقل استدعاء مثال “الطالب الذي سيخلق تطبيق أوبر القادم” في الجزائر، وهي البلد الذي لا يزال الدفع عبر الإنترنت غير موجود فيه؟ (إقرأ المقال ذو الصلة: “من الجزائر: نظرة على الجامعات والبطالة.”)

وكما ناقشت بالتفصيل في مقال “ليس فقط شركات تقنية” “، الذي نشرته مؤخراً لصالح معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، فإن عدد فرص العمل التي سيوفرها الإقتصاد الرقمي في واقع الأمر ضئيلة. وعوضاً عن ذلك، يجب أن ينصب التركيز في خلق فرص عمل على شركات التقنية الواطئة الصغيرة والمتوسطة بما في ذلك العمل اليدوي، مثل جمع القمامة والصيانة والبناء.

تفيد الحكمة التقليدية الدارجة بأن “المواقف” تجاه العمل بحاجة لأن تتغير. مع ذلك لا تستطيع الحكومات فعل الكثير. فمن خبرتي، وجدت بأن العقبات كثيرة جداً في ذهن الباحثين عن العمل وبقدر مساو للعقبات في أذهان المسؤولين الحكوميين.

على سبيل المثال، فمن أجل بناء خط توظيف لشركة قمت بإنشائها مؤخراً، أنشأت برنامجاً تدريبياً بالتعاون مع جامعتين لبنانيتين وقمت بتقديم العديد من ورشات العمل في بيروت. وفي كلتا الجامعتين، كان المديرون متقبلين بقوة لمقترحي، مدركين للكيفية التي يمكن من خلالها لهذه الفكرة أن تساعد في إيجاد فرص عمل لطلابهم. لكنني وجدت بأن الطلاب الذين قمت بتدريسهم أو الإشراف عليهم كمتدربين – وجميعهم من صفوة الشباب اللبناني– مؤمنين بقوة بفكرة تقليدية للغاية بأن من شأن شهاداتهم أن تكون المعبر الرئيسي عن أهميتهم، وليست مهاراتهم.

وبصفتي رب عمل في القطاع الخاص فإن كل ما يهمني هو العثور على موظفين رائعين. وقد كان بعض المتدربين لدينا مستعدين في سن الـ 22 من عمرهم لإضافة قيمة جادة في وظائف القطاع الخاص ذات التنافسية العالية. لكن هوسهم بالحصول على شهادات عليا يضر بفرص حصولهم على العمل كما يقال، في المدى القصير على الأقل، وذلك بإخراجهم من سوق العمل بهدف الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه. ولا تحدث هذه الشهادات أي تغيير بالنسبة لنا، من حيث القيمة التي كان بإمكانهم إضافتها.

التركيز على زيادة التعليم المهني

هنالك العديد من الأمثلة التي يمكن تطبيقها في أماكن أخرى في المنطقة.

المثال الأول هو إستثمارات مؤسسة التمويل الدولية في لومينوس للتعليم، وهي شركة قطاع خاص تدير معاهد للتدريب المهني في الأردن. فبدلاً من الدراسة للحصول على شهادة من جامعة أردنية قياسية، توفرت للطلاب، ومعظمهم من خلفيات ثقافية وإجتماعية دنيا، فرص لتعلم المهارات التي قد لا تكون مرموقة بقدر ما يمكن أن تكون عليه الدراسة للحصول على درجة البكالوريوس، لكنها توفر فرصاً قوية للحصول على وظيفة.

كما يجري إستثمار 7 ملايين دولار أخرى في مدن “المستوى الثاني” في المغرب خارج إطار المدن الكبرى التقليدية، لكنها قد توفر، مع ذلك، معظم الفرص.

وتعتبر “كليات التميز” السعودية مثالاً جيداً آخر. حيث أشركت الحكومة القطاع الخاص في إقامة ما يقرب من مئة كلية مهنية لخدمة 200,000 طالب.

كانت النتائج متفاوتة. فقد انسحب شريك بريطاني رئيسي، على سبيل المثال، لأن عدد الطلاب المسجلين جعل من الصعب على الكليات أن تكون مجدية مالياً. ومن عوامل زيادة التكاليف الشرط السعودي المعتاد في إيجاد مؤسسات منفصلة للذكور والإناث من الطلاب. لكن نموذج “كليات التميز” يمكن أن يتغير بمرور الزمن.

ويتمثل جزء هام من الإستراتيجية الإقتصادية السعودية لعام 2030 في زيادة الإلتحاق بالتعليم المهني من العدد الحالي المقدّر بـ 104,000 طالب إلى 950,000 طالب بحلول العام 2030. وحتى إذا ما تمكن السعوديون من تحقيق نصف هذا الهدف فإن المشروع سيبقى ناجحاً.

مواءمة الناتج المهني مع الإبداع الصناعي:

تقترح الأيديولوجيا الإقتصادية السائدة في عصرنا وجوب أن تكف الحكومات يديها، وتسمح للسوق بأن يقرر. لكن، عندما يتعلق الأمر بخلق فرص العمل في الشرق الأوسط فإن هذا التفكير خاطئ.

وكما كتب خالد أيت ناصر العام الماضي، فإن التعليم المهني لا يمثل علاجاً فورياً. حيث وجد بأن العديد من الطلاب الذين التحقوا بمثل هذه البرامج في المغرب لا يزالون غير قادرين على العثور على وظائف. ويشير هذا للحاجة إلى نهج أكثر شمولية من قبل الحكومات تجمع بين زيادة الإنفاق على التعليم المهني مع محاولات تستهدف بناء صناعات جديدة.

وقد يكون ذلك أسهل في دول الخليج وخاصة في المملكة العربية السعودية. فبسبب إمتلاكهم للنفط، يمتلك السعوديون ميزة منح أي صناعة جديدة النفط مجاناً أو بأسعار مدعمة بشكل كبير، ويمكن أن يساعد هذا في تعويض عائق إفتقارها لقوى عاملة مهنية كبيرة. فمن الناحية النظرية على الأقل، يضع هذا المملكة العربية السعودية في وضع يمكنها من تطوير صناعات تحويلية تتطلب عمالة كثيفة. على سبيل المثال، إفتتحت السعودية قبل عامين أول معمل لتصنيع السيارات في المملكة. ويهدف المعمل لصناعة 300,000 سيارة سنوياً.

ربما يكون المغرب القصة الأكثر نجاحاً في تطوير الصناعة في العالم العربي. فبسبب القيادة القوية والمركزية للدولة، تم تطوير صناعة قطع غيار للسيارات والطائرات.

ومن الممكن أن تكون الفلبين نموذج القدوة الأمثل في مجال خلق عدد كبير من وظائف الطبقة الوسطى الدنيا. فقد انتقل هذا البلد من عدم امتلاكه لعامل واحد في مراكز الإتصال عام 1997 لامتلاكه مليون عامل في عام 2015.

ليس هنالك من سبب يجعل بلداناً مثل مصر أو الأردن غير قادرة على إيجاد بعض فرص العمالة الكثيفة الجديدة المماثلة حيث سيكون في إمكانهم إضافة قيمة للسوق العالمية. بصراحة، ليس لديهم خيار إذا ما تحركوا للقيام بشيء ما لحل مشاكل البطالة في بلدانهم.

يقول الكثيرون إن هيمنة الجيوش العربية على الإقتصاد – لاسيما في مصر – من السلبيات التلقائية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن توفر تلك المركزية فرصاً جيدة لمشاريع الصفقة الجديدة كثيفة العمالة من ثلاثينيات القرن الماضي، على غرار فيالق الخدمة المدنية.

ستكون الفرص المتاحة لمعظم الوظائف الجديدة في الشرق الأوسط على مدى السنوات الـ 30 القادمة في قطاعات العمالة المهنية. فهذا هو المكان الذي يتوجه إليه الإقتصاد العالمي. وسيكون المربون حكماء إذا ما ركزوا على إنتاج تقنيين وفنيين مهرة بدلا من تخريج المزيد من المحاسبين أو المحامين.

* ناثان فيلد، المؤسس المشارك لشركة العربية للصناعة Industry Arabic، وهي شركة ترجمة ساهمت في خلق 12 فرصة عمل في منطقة الشرق الأوسط، وقد عمل كمستشار في المملكة العربية السعودية، وهو صحفي ومعلق إذاعي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى