مقالات رأي

من الجزائر: نظرة على الجامعات والبطالة

الجزائر – بالكاد تمكنت من حضور مؤتمر “التحولات في التعليم العالي: نحو تطوير الحوكمة وضمان جودة من أجل المنافسة والتوظيف” الذي إنعقد في الجزائر العاصمة الأسبوع الماضي. فقد حصلت على تأشيرة الدخول في آخر لحظة– بعد سلسلة طويلة من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية– في ظهيرة يوم الأحد، لأطير بعدها إلى الجزائر يوم الإثنين. ليست الجزائر بلداً سهلاً بالنسبة لمن ينوي زيارتها من الأجانب، لذلك كنت سعيدة لرؤيتها للمرة الأولى. اتبعت السيارة في طريقها إلى المدينة طريقاً متعرجاً مع مناظر خلابة لخليج الجزائر. وبدت البنايات الجميلة المتآكلة بفعل المناخ والفلل معلقة على التلال شديدة الإنحدار.

تأسست جامعة الجزائر عام 1909، عندما كانت البلاد لا تزال مستعمرة فرنسية. وقد تحولت كلية الطب فيها إلى متحف قمنا بزيارته ليلة إفتتاح المؤتمر. في بهو المبنى تسرد لوحة حجرية كبيرة أسماء الطلاب الذين قتلوا في حرب إستقلال الجزائر ضد فرنسا. في الداخل، مررنا عبر مختبرات من الطراز القديم تضم طاولات تشريح حجرية ولوحات تشريحية رائعة مرسومة باليد، وممرات تصطف فيها هياكل عظمية وجرار تضم محتويات مروعة.

في اليوم التالي، توجهنا إلى كلية الطب الجديدة، التي افتتحت قبل بضع سنوات – بحرمٍ جامعي فسيح وأبراج زجاجية وممرات مرتفعة. وقد كان ذلك مجرد مثال على النمو الهائل في قطاع التعليم العالي في الجزائر. تمتلك البلاد الآن 102 جامعة، حيث تضاعفت أعداد الطلاب في الفترة ما بين عام 2000 وعام 2015 ثلاث مرات، ليبلغ عددهم اليوم مليون ونصف المليون طالب وطالبة.

قال الطاهر حجار، وزير التعليم العالي الجزائري، “هذا هو الوقت المناسب لمؤسسات التعليم العالي في البلاد لتقوم بقياس قوتها ونقاط ضعفها، بالمقارنة مع المعايير الدولية.”

عقد المؤتمر برعاية وزارة التعليم العالي الجزائرية، والبنك الدولي، ومركز التكامل المتوسطي، وهو جهد تعاوني بين وكالات ودول البحر المتوسط. ويقيم العديد من المشاركين في المؤتمر والمنخرطين في مشاريع جارية في الجامعات في هذه المنطقة، بالتعاون مع إستشاريي البنك الدولي، أنفسهم وفقاً للإدارة والتمويل والإستقلالية والمشاركة وغيرها من المعايير.

ركز المؤتمر، الذي قدم الأكاديميون والإداريون من المنطقة فيه جهوداً متنوعة عن جودة الجامعات في المنطقة والتركيز على توظيف الخريجين، على مسألة شائعة للغاية: كيف يمكن للجامعات مساعدة المزيد من الخريجين في العثور على وظائف؟

قال شانتايانان ديفاراجان، الخبير الإقتصادي بالبنك الدولي، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمتلك أعلى معدل للبطالة في العالم وأدنى معدل لعمالة النساء. وأعلن عن “فشل” سياسة تمويل الجامعات الحكومية المفتوحة للجميع. وقال إن فرض الرسوم الدراسية يحسن جودة التعليم، من خلال جعل الجامعات تتنافس على الطلاب ومن خلال جعل الطلاب يفكرون في العائد من إستثمارهم. ويأمل في أن يساهم سوق تعليمي أكثر كفاءة في دفع الطلاب إما لدراسة المواد العلمية أو حضور المدارس المهنية والحرفية. على الرغم من أن الدول العربية لا تنوي، وبشكل واضح، الإبتعاد عن الجامعات الوطنية المجانية في الوقت القريب، إلا أن الكثيرين يفكرون في فرض بعض الرسوم الدراسية. حيث تخطط تونس لجعل جامعاتها تتنافس من أجل الحصول على حصة من التمويل العام لها.

https://www.bue.edu.eg/

لكن، لا يبدو الجميع مقتنعاً بحجة تقليص الدعم الحكومي للجامعات. بل على العكس من ذلك، قال مدير إحدى الجامعات “يجب على منظمات مثل البنك الدولي العمل من أجل النمو الإقتصادي والإستدامة وخلق فرص عمل جديدة لإستيعاب التضخم الشبابي الذي تتميز به البلدان النامية.”

في الوقت الحالي، يتلقى ستة وثمانون في المئة من طلاب الجامعات الجزائرية منحاً دراسية كاملة، بحسب محمد ملياني، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة وهران 2، والمشرف على ضمان الجودة والمشارك في الإصلاحات التعليمية الوطنية. لكن، ومع الإنخفاض الراهن في أسعار النفط، قال ملياني “لقد بدأنا بمراقبة أموالنا. هنالك الكثير من الطلاب الذين يسعون للحصول على درجات أكاديمية عليا.” وأضاف مازحاً بأن البلد يعاني من “إلتهاب الدبلومات،” أي هاجس الحصول على الدرجات العلمية. موضحاً أن المنح الدراسية يجب أن يتم توجيهها “لأولئك الذين يحتاجون إليها حقاً.”

قال سيدي ولد سالم، وزير التعليم العالي في موريتانيا، “لكن لا يمكنك إلقاء اللوم في مشكلة البطالة على الجامعات. لا يمكننا تحقيق جودة التعليم العالي دون النمو الإقتصادي والصناعي. ونحن نمتلك إقتصاد إستهلاكي وليس إنتاجي.”

كما اعترف حتى ديفاراجان بأن جودة التعليم الجامعي ليست المحرك الأساسي للبطالة، والتي تنبع أكثر من نقص خلق فرص العمل، والإحتكارات، ورأسمالية المحسوبية.

بدا الأكاديميون والإداريون الذين تحدثت الفنار للإعلام معهم إيجابيين بصورة عامة بشأن “بطاقات الأداء” التي طوروها بمساعدة البنك الدولي. قال السيد ملياني من جامعة وهران 2، “لقد سمح المرور من خلال التقييم الذاتي لنا بتسمية الأشياء، وتوضيح نوايانا، وجعل أنشطتنا أكثر تماسكاً ووضوحاً.” وقد جاء وفد أفغاني إلى المؤتمر حرصاً منه على الإنضمام إلى البرنامج.

كما حضرت عروضاً تقديمية تتناول جهود الجامعات في جعل التعليم أكثر إنخراطاً وواقعية، وتوحيد الممارسات، وجمع البيانات، وإضفاء الطابع المهني على المساقات وتقديم دورات تدريبية. وقد بدت كل تلك الجهود وكأنها حسنة النوايا وجديرة بالإهتمام. لكنني لم أستطع منع نفسي من الشعور بأنها، وكما وصفها أحد المحاضرين الفلسطينيين، “قطرة من الماء على صخرة شديدة السخونة.” ففي مجال التعليم العالي في المنطقة، تبدو التحديات والأرقام هائلة لدرجة أن المرء يشعر معها بأن هنالك حاجة لحلول أكثر جذرية ونظامية. فمن غير المرجح أن تتمكن الجامعات – التي تتمتع بالقليل من الإستقلالية – من تحقيق ذلك بنفسها.

هنالك أشياء قليلة أكثر إحباطاً من التفكير في ملايين الشباب الذين يضيعون وقتهم وجهودهم، وتخيب توقعاتهم، من خلال مواصلة الدراسة في مجالات لا يمكنها أن تثريهم كأفراد ولا أن تزيد من فرصهم في كسب العيش الكريم. كما يزعجني قليلا أيضاً الإشارة إلى الطلاب على أنهم “منتجات” التعليم العالي (عندما لا تتم الإشارة إليهم على أنهم “مستهلكينها” – حيث يمكن لمقارنات السوق أن تصبح مربكة بشكل سريع).

ويبدو كل الكلام عن الخريجين الذين يخلقون فرص العمل الخاصة بهم ليصبحوا رؤساء عملهم الخاص وكأنه جزء من التخلي عن المسؤولية من جانب المربين والسياسيين (وليس في العالم العربي فحسب) الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع إنعدام الأمن الإقتصادي الناجم عن العولمة والأزمات المالية الأخيرة. لا يستطيع الجميع إختراع أحد التطبيقات، ولا تخلق التطبيقات عدداً كبيراً من الوظائف. فهل يعقل أن نحتج بذكر “الطالب الذي سيقوم بإيجاد تطبيق أوبر القادم” في الجزائر، البلد الذي لا يزال فيه نظام الدفع عبر الإنترنت غير موجود؟

وكما هو الحال في الكثير من المؤتمرات، وبعد تدفق البيانات والقوائم الخاصة بالمشاركين، يشعر المرء بأنه لم يكن هنالك الوقت الكافي لمناقشة المسائل الكبيرة والمستعصية التي تبرز بسرعة في نهاية الحلقات النقاشية. حيث تساءل أحد الأساتذة الجزائريين في إحدى المجموعات التي حضرتها قائلا “هل نقلد نظاماً لا يخصنا؟ من نحن؟ وما الذي نريده؟”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى